عبث العقل القبوري بالمعمار العراقي

ستكون هناك قبة حديدية تعلو الحضرة الحسينية، هي كتلة صماء بلا روح اقترحتها مجموعة من الأميّين ورجال دين مسكونين بالخرافة وحدها! من أجل معالجة خطأ معماري شنيع أغلق فضاء الصحن للوصول إلى فكرة مرتبطة بالتهويل وتصوير الحشود وحصرها في فضاء مغلق.

لم يستغرب المعماري إحسان فتحي من العبث القائم بالتراث المعماري العراقي، وهو يبث أساه في رسالة شديدة وزعها باللغتين العربية والإنكليزية، من أجل إدانة موقف اليونسكو المتواطئ مع هذا العبث الذي يمارسه “العقل القبوري” في المراقد والمواقع الأثرية، كما حدث في إعادة بناء قبة مرقد الإمامين في سامراء، التي أصبحت مزيفة بعد تغيير خصوصيتها المعمارية العراقية.

عدم استغراب فتحي الذي شغف بمعمار بلاده وكان من بين المخلصين المدافعين والمحافظين عليه على مدار عقود، سواء بإسهاماته في التدريس أو التأليف أو التخطيط، يعود إلى إدراكه أن الزمن السياسي الرث القائم في العراق اليوم عاجز عن البناء، فتُرتكب الأخطاء تلو الأخطاء لتزييف ما كان مشيدا وبمشاركة إيرانية مكشوفة.

القبة
 قبة حديدية مزيفة من أجل الضخامة الهشة

فما يحدث في معمار الحضرة الحسينية في كربلاء فكرة ملوثة ومزيفة لوضع قبة حديدية فوق القبة القديمة المشيدة بالأجر “الطابوق” الذي يمثل خصوصية المعمار العراقي، من أجل معالجة خطأ معماري مريع سبق وأن ارتكبه “العقل القبوري” المتسيد على المراقد العراقية بعد تسقيف الصحن التاريخي من قبل شركة إيرانية، كي تبدو القبة بارزة بعد أن أخفاها التسقيف كحل معماري كارثي وقاتل، أنهى حسب وصف فتحي “الفضاء الأرحب في المدينة العتيقة التي كانت تتميز بأزقتها المتعرجة والضيقة، فكان هذا الصحن المفتوح يمثل المفاجأة الكبرى للزوار وصدمة حسية لا تنسى مفعمة بالمشاعر المؤثرة”.

ستكون هناك قبة حديدية تعلو الحضرة الحسينية، هي كتلة صماء بلا روح أقترحتها مجموعة من الأميّين ورجال دين مسكونين بالخرافة وحدها! من أجل معالجة خطأ معماري شنيع أغلق فضاء الصحن للوصول إلى فكرة مرتبطة بالتهويل وتصوير الحشود وحصرها في فضاء مغلق، بدلا من الفضاء الذي كان مفتوحا على السماء، وهذا الخطأ الذي سبق وأن ارتكبه العقل القبوري سيعالج بخطأ معماري آخر حسب وصف تقييم المعماري العراقي إحسان فتحي.

ولأن متوالية الأخطاء مستمرة، وهي نتاج طبيعي للرثاثة السياسية والدينية والاجتماعية القائمة في العراق، سيكون هناك مسخ تاريخي تتركه السنوات الشاذة في تاريخ البلاد، وسيبدو الأثر أكثر وضوحا على المراقد المقدسة لأنها كانت الموقع الأكثر تعبيرا عما مرت به البلاد تحت سطوة “العقل القبوري”.