عبد الإله عبد القادر.. عطاء لا ينضب للمسرح الاماراتي

أحسن كاتب في الإمارات في 2013

تمتد رحلة الكاتب العراقي عبد الإله عبدالقادر مع المسرح إلى ما يزيد عن نصف قرن، بدأ ممثلا في الخمسينيات، ثم ممثلا ومخرجا أوائل الستينيات انطلاقا من المسرح المدرسي العراقي ليدير فرقتي البصرة للتمثيل والفنون الشعبية، ثم تولى منصب المديرالعام للمسارح والفنون الشعبية.

وفي عام 1980 دعاه الشيخ أحمد بن محمد القاسمي رئيس دائرة الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة (حينذاك) وعينه في دائرة الثقافة والإعلام كمدير فني لمسرح الشارقة الوطني للفترة من 1984 ولغاية 1987.

وخلال تلك الفترة أخرج العديد من المسرحيات، وساهم في تطوير مسرح الشارقة الوطني، وأعاد إصدار مجلة الرولة، أول مجلة خليجية متخصصة بالمسرح، والتي وصلت إلى معظم أنحاء الوطن العربي، واعتمدت كمرجع للدراسة في العديد من المعاهد والأكاديميات المسرحية العربية.

عمل منذ عام 1988 إلى عام 1994 مديرا لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات ومشرفا على إصدار سلسلة الكتب التي صدرت عن الاتحاد لهذه الفترة والتي بلغت حوالي 100 عنوانا .

وخلال نفس الفترة ساهم في إصدار مجلة شؤون أدبية وأصبح مديراً لتحريرها منذ عام 1988، وحتى الآن. وبالتزامن مع هذه الفترة ساهم في تأسيس جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية، مع مجموعة من أدباء الإمارات بدعوة وبتبرع من العويس، وأصبح عضوا في أول أمانة لها، وأمينا عاما مساعدا لشؤونها الإدارية، إضافة إلى وظيفته في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومنذ عام 1994 يشغل المدير التنفيذي لمؤسسة سلطان العويس الثقافية.

وفي بداية الحوار الذي اجراه معه موقع ميدل ايست اونلاين أعرب عبدالإله عبد القادر عن سعادته بما أنجز خلال مسيرته بالإمارات والتي تمتد لأربعين سنة.

وقال\" لم أضع إطارا أو أسسا لمشروعي أو ما أريد أن أحققه، فقط تركت لطاقاتي الإبداعية العمل في خدمة الكتابة والمسرح، وبمرور الزمن استطعت أن أحقق أشياء كثيرة في المسرح وبعيدا عن تجربتي في العراق استطعت أن أقدم في الإمارات تجربة تأسيسية مع الفنان الإماراتي، حين وصلت عام 1980 لم يكن المسرح في الإمارات على هذا المستوى الذي هو عليه الآن من تنوع وثراء، وكان عملنا حينذاك أوائل الثمانينات عملا أشبه بالنضال، مثلا كانت في الشارقة قاعة واحدة لعرض المسرحية، قاعة ليس فيها مكيف وليس فيها إضاءة وليس فيها صوت وليس فيها كراسي، إنما ترتب الكراسي حسب القاعة، وكنا نجري البروفات ونقدم العروض فيها.

وقال بثقة في النفس \"كان نضالا حقيقا، الآن انظر كم صالة مسرح موجودة داخل الشارقة وحدها، لقد تجاوزت السبع صالات فضلا عن المسارح الكبيرة المجهزة بكل ما يحتاجه العمل الفني من تجهيزات، طبعا هذا بفضل الحاكم المثقف والمبدع الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، هو مبدع مسرح من الدرجة الأولى، ولذلك أراد أن ينهض بالفن.

واضاف لقد ساهمت بقوة في بداية هذه النهضة المسرحية، وعلى نطاق الأفراد الفنانين فإنني أتشرف بأن يكون الكثير من الفنانين الذين شاركوا معي لأول مرة في حياتهم يعتبرون الآن نجوما كبارا في المسرح الإماراتي، وهم كثر وليسوا قلة، ومن الصعب أن أذكر أسماءهم لعددهم الكبير\".

وأضاف \"بعض الذين عملوا معي وشاركوني في النهضة المسرحية تقاعد الآن وقعد في البيت، أما أنا فلا أتقاعد، إذ أعتبر أن الفن هو هوايتي وهو عملي، الفن والكتابة والأدب هوايتي الأساسية وعملي الأساسي، فأنا لا أتقاعد أبدا حتى الرمق الأخير، ومشروعي المسرحي والإبداعي مستمر، مازلت أكتب وأصدر الكتب وأساهم كمحاضر في مختلف الفعاليات المسرحية والإبداعية سواء داخل الإمارات أو خارجها.

وذكّر بانه في سنة 2016 صدر له 3 كتب ليبلغ مجموع كتبه حتى الآن حوالي 56كتابًا.

وقال \"هذا ليس عددا بسيطا مع العلم أن عمري كبير، الانتاج الادبي يتناسب مع عمري من حيث النوع والكم لكنه يمثل جهدا كبيرا جدا\".

وحول دوره في نهضة المسرح في دبي، أشار عبدالإله عبدالقادر إلى أنه تعرف في أوائل الثمانينات على عمر غباش وجمال مطر وناجي الحاي وكانوا في بداياتهم الأولى، فقدم لهم أول مسرحية للأطفال كشفت مواهبهم.

وقال \"كانت المسرحية نقلة نوعية بالنسبة لهم من حيث الأداء والعمل والاقبال الجماهيري وطبيعة المسرحية، والآن من يكون عمر غباش؟ إنه واحد من عمالقة المسرح في الإمارات، من يكون جمال مطر؟إنه فنان ومسرحي قدير، من يكون ناجي الحاي؟إنه المخرج المسرحي الأول الآن. إذًا كنت قد بدأت في دبي مع هؤلاء الذين كانوا صبية في ذلك الوقت، والآن رجال كبار وأصحاب فكر وأصحاب فن وتجربة كبيرة، وإذا أتكلم عن أحمد الأنصاري ومجموعته فأيضا أنا نقلت أحمد الأنصاري بمسرح دبي الشعبي نقلة نوعية كاملة من المسرحية الشعبية المتواضعة -ولا أريد أن أقول أكثر تواضعا- إلى المسرحية الشعبية المتقدمة التي أذهلت مشاهدي العاصمة السورية دمشق فلم يصدقوا أن هذه المسرحية تأتي من دبي وهي\"رحلة حنظلة\".

ويضيف \"في كتابي\"ستون عاما من العطاء في مسرح الإمارات\" الذي أصدرته وزارة الثقافة والإعلام في زمن عبدالرحمن العويس، المزيد من التفاصيل حول مسرح الإمارات، وهو كتاب يعتبر المرجع الأول والأساسي في المسرح في الإمارات، وقد منحت عن هذا الكتاب جائزة أحسن كاتب في دولة الإمارات في 2013.

وكشف عبدالإله أنه منذ أن تراجع المسرح العربي لم يتحفز لكتابة مسرحية جديدة، وأن آخر مسرحية كتبها كانت حوالي 1985 وأضاف \"عندي أفكار مسرحية كثيرة ولكن لم أنجزها، لذلك اتجهت نحو القصة القصيرة والرواية، أنجزت حتى الآن 6 روايات وحوالي 14مجموعة قصصية ومعظمها منشور ما بين دمشق وبيروت والقاهرة، وآخر رواية صدرت لي بعنوان\"سوالف\" وفيها أتخيل رجلا كبيرا يجلس عند تخوم البحر ويشكو للبحر تقلبات زمنية شديدة، حيث لم يعد يتحمل كل ما يحدث حوله من تغيرات واضطرابات في الحياة، في القيم، في المراجعات، هذا كله أثر به فاضطر أن ينفي نفسه عل ضفاف البحر ويتواصل معه.

وأضاف \"عندي الآن رواية جديدة موجودة في دار نشر العين ستنشر قريبا اسمها\"الدالي فرانس كافيه\" وهكذا فأنا أكتب كحاجة ذاتية للكتابة وأنا مدمن في القراءة والكتابة\".

ورأى عبدالإله أن بعض الأفكار لا يمكن أن تكتب كقصة قصيرة، القصة القصيرة هي الومضة، هي الحالة السريعة ولكن في حالات تضطر أن تطيل وتطيل والشخصيات تكثر وتتعقد وتتداخل، وبالتالي تضطر أن تكتب الرواية، وهذه التجربة الأخيرة مثلا \"الدالي فرانس كافيه\" هي تجربة عايشتها في مانيلا بالفلبين، ففي هذه الحالة لا يمكن أن تتحمل قصة قصيرة ولا قصة طويلة، لأن الشخوص الذين أمامك تراهم يتحركون بكل حرية وتريد أن تنقلهم على الورق، أن تقول للقارئ هذه شخصيات عربية حية موجودة في جزر الواق واق كما سميتها، قلت أيام زمان كنا نقول أن سندباد البحري ذهب إلى جزر الواق واق، وأنا أتصور أن مانيلا هي جزر الواق واق، واضطر هؤلاء العرب إلى الهجرة إليها، ولكن كيف يعيشون؟أنقل كيف يعيش العرب في مانيلا وسط هذه المعمعة من علاقات وأخلاق وقيم غير القيم التي عشناها ونعيش بها وغير الأساليب التي نأتيها في واقعنا داخل بلداننا العربية، كيف يقدرون على العيش هناك؟ وكيف يتحولون إلى مسوخ؟ يتحولون إجبارا إلى مسوخ، المجتمع يحولهم إلى مسوخ كبيرة.

وأكد عبدالإله أنه لا يمكن لأي كاتب من الكتاب بما فيهم نجيب محفوظ، وكبار الكتاب في العالم أن يعزل شخصيته عما يكتب، فلابد أن تجد هذه الشخصية بين سطور ما يكتب، نحن في المسرح نعلم الممثل، نقول له لا تتكلم بالمعنى الظاهري للنص، إنما أبحر في النص كي تبتعد عن المباشرة والافتعال، ابحث عن عمق الجملة لتؤدها بحس عال، وبالتالي نفس العملية تكون في الرواية، لابد من البحث عن العمق والتغلغل ما بين السطور في الرواية وليس في سطح ما يقال، يعني ربما هناك علاقة وجدانية بين رجل وامرأة، ولكن هذه العلاقة تقودك إلى أشياء كثيرة، مثلا في روايتي\"غريبان على الشاطئ\"البطلان لبنانية وعراقي ولكن تعالى لترى تجليات علاقتهما الوجدانية، إنهما لا يمكن أن يفصلا نفسيهما عن مشاكل بلادهما وعن الظروف التي تعيش فيها كل من لبنان وكل من العراق، وبالتالي فأي كاتب لا يمكن أن ينفصل عن نفسه، أن يكون بمعزل عن نفسه، عن ذاته، إنني دون أن أعرف، ودون أن أدرك، ودون أن أتعمد، لابد أن يكون هناك الكثير من شخصيتي موجود في مكان ما فيما أكتب.

وبسؤال عبدالإله عن العراق قال \"هذا سؤال يجعل من الجروح التي حاولت أن تهدأ بفضل بعض المهدئات تتفجر ألما، لقد سئلت في القاهرة قبل أعوام لماذا لم تذهب للعراق حتى الآن؟ تصور لم أزر بلدي منذ خروجي عام 1980 وحتى الآن، وسئلت لماذا؟ قلت الإجابة التالية: كنت أخاف من بطش السلطة ولكن الآن أخاف على حلمي أن يتكّسر، والحلم حينما يتكسر يصبح أصعب ألما ووجعا من سياط أي سلطة غاشمة، أعتقد الجواب واف في أنه لا أريد للحلم هذا أن يتكسر، عندما خرجت من العراق كان هناك ازدهار فني، وثقافي، كان هناك وعي، كان هناك أناس واعين بحياتهم، صحيح كانت هناك سلطة ظالمة ، لكن كان هناك بشر. الآن ماذا موجود في العراق سوى الخيبات والخراب والتراجع؟ ليس فقط في المباني وفي الشوارع وفي.. هذا ليس مهما، إنما حين يكون الخراب في العقول، عقول البشر، يصبح الأمر كارثيا، حينما تخرب العقول هنا يبدأ الخراب الكامل، في العراق العقول خربت أكثر مما خربت الحياة اليومية والمباني والشوارع.

وحول تجربته مع مؤسسة سلطان العويس، أوضح عبد الإله \"تجربة ثرية..وبداياتها كانت عندما كنت أعمل في اتحاد أدباء الإمارات، كنت مديرا للاتحاد عندما جاء عبدالغفار حسين وكان هو رئيس مجلس الاتحاد بمشروع لسلطان العويس الذي كان يريد أن يعمل جائزة كبيرة للشعراء والأدباء، وأخذني عبدالغفار وعرفني على سلطان العويس، منذ ذلك الوقت وتحديدا في العام حوالي 1983 أو 1984 عملت مع العويس حينما كانت هذه الجائزة وهذه المؤسسة حلم في ذهنه، واستطعت ومجموعة من الزملاء مثل عبدالغفار حسين وعبدالحميد أحمد وناصر عبودي وغيرهم من تحقيق هذا الحلم بهذا الوسام، بدأنا بشكل بسيط ووصلت المؤسسة إلى شكل جميل جدا أما أنا فأعتقد في أنني في طريقي إلى الجلوس للراحة لما تبقى من حياتي.