عدم الاستقرار السياسي يغرق شركات تونس في أسوأ أزمة

الخروج من الأزمة يتطلب برأي وزير سابق عقدا اجتماعيا جديدا يحدد التوجهات الإستراتجية والاقتصادية للدولة ودورها للمحافظة على هذه المؤسسات"، بينما يدعو وزير سابق آخر إلى "إعلان حالة طوارئ اقتصادية".
شركات تونسية حكومية باتت تحتاج إلى الإنقاذ لا الإصلاح
توظيف عشوائي لشراء السلم الاجتماعي دفع شركات حكومية إلى الإفلاس
الاحتجاجات والاعتصامات عطلت الإنتاج الفوسفات
كتل الأجور في الخطوط التونسية أكبر من الإيرادات

تونس - تواجه الشركات الحكومية التونسية ومن بينها شركتا "الخطوط الجوية" و"فسفاط قفصة" مصاعب بسبب تراكم الديون والخسائر وسط غياب الاستقرار السياسي في البلاد وأعباء التوظيف العشوائي، في أزمة فاقمها تفشي وباء كوفيد-19.

وتدير الحكومة التونسية 110 شركة تنشط في قطاعات النقل والصناعة والخدمات وغيرها. ولكن منذ عام 2011، لم يتماش الانتقال الاقتصادي مع الانتقال الديمقراطي في البلاد، بل تفاقمت أعباء هذه الشركات خاصة بالنسبة للخطوط الجوية و"فسفاط قفصة" اللتان كانتا مصدرا مهما للعملة الصعبة لخزائن الدولة.

وقال وزير النقل معز شقشوق في تصريحات إعلامية الأسبوع الماضي "اليوم نتحدث عن مخططات لإنقاذ (هذه الشركات) وليس لإصلاحها فقط".

وتُشغل مجموعة "الخطوط الجوية" نحو 8 آلاف موظف وتسيّر الشركة 27 طائرة، سبع منها فقط في طور الاستغلال. وفي خطوة للإصلاح وإعادة الهيكلة، عرضت الحكومات المتعاقبة ثلاثة مخططات إصلاح على مجالس وزارية منذ 2012 ولم تنفذ.

وتراجع رقم معاملاتها في العام 2020 بـ70 بالمئة (حوالي 340 مليون يورو) بسبب الجائحة، كما نزل عدد المسافرين إلى مستوى مليون مسافر فقط وبذلك وصلت ديونها 955 مليون دينار (حوالي 292 مليون يورو).

من بين مقترحات الإصلاح تسريح 1200 موظف من مجموع ألفين على دفعات تم انتدابهم خلال العشر سنوات الماضية بهدف التخفيف من أعباء كتلة الأجور التي ناهزت 200 مليون دينار (61 مليون يورو) في العام 2020.

ولم تتمكن شركة "فسفاط قفصة" المتخصصة في استخراج وتحويل مادة الفوسفات وتصديره، بلوغ مستويات الإنتاج التي كانت تحققها ما قبل 2011 والتي ناهزت 8.2 ملايين طن في العام 2010، وبلغت خلال العشر سنوات الماضية نحو 4 ملايين طن كأقصى تقدير لعام 2017.

ويعود سبب التراجع أساسا إلى توقف عمليات استخراج الفوسفات في منطقة الحوض المنجمي بمحافظة قفصة (وسط-غرب) بسبب الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بالتشغيل.

والشلل الذي أصاب هذا القطاع لم يكلف الدولة خسائر مالية هامة فقط بل دفعها أيضا وفي سابقة إلى اللجوء إلى استيراد هذه المادة من الجزائر في سبتمبرأيلول الماضي لأنها تستخدم كسماد أساسي في الزراعة.

ويعتبر وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي محسن حسن، أن الانتدابات العشوائية التي تم إقرارها بعد 2011 في هذه المنشآت الحكومية تعكس "سوء حوكمة وسوء تصرف، وبذلك تزايدت المصاريف وتدحرجت ككرة الثلج من سنة إلى أخرى" في هاتين الشركتين.

وحاولت الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011 أن تلبي أحد أهم مطالب الثورة المتمثلة في التشغيل وفتحت باب الانتدابات في المؤسسات الحكومية التي كانت رافعة لاقتصاد البلاد، مقابل ذلك تضمن ولو بشكل مؤقت سلما اجتماعيا.

وأضاف حسن "شهد قطاع الفوسفات مسارا تراجيديا خلال بضع سنوات، تراجعت البلاد من التصنيف الخامس من بين أكبر الدول المنتجة إلى المركز 12 عالميا" وخسرت أسواقا.

ويرى الخبير الاقتصادي حكيم بن حمودة والذي سبق له أن شغل أيضا منصب وزير للمالية، أن الشركات الحكومية "كانت تعاني حتى قبل 2011، واثر ذلك ومن منطلق أن الحكومة حاولت شراء السلم الاجتماعي عبر التوظيف في هذه الشركات، تفاقمت مشاكلها".

سياسيا، شهدت البلاد مخاضا متواصلا إذ تداولت تسع حكومات على السلطة ولم تعرف استقرارا على مستوى التسيير وظلت ملفات الإصلاح مفتوحة دون الشروع في خطوات التنفيذ.

ويؤكد بن حمودة أنّ "غياب الاستمرارية في العمل الحكومي وعدم الاستقرار السياسي منذ الثورة من أهم العوامل التي تحول دون الإصلاح".

ومن بين أهم المؤشرات الدالة على تأزم الوضع داخل "الخطوط الجوية" أنه لم يتم تعيين رئيسا مديرا عاما على رأسها منذ منتصف العام الماضي إلى حدود مطلع 2021 حين تولت ألفة الحامدي المهمة ليتم بعد شهرين إقالتها اثر خلاف حاد مع "الاتحاد العام التونسي للشغل" وبعدما قامت شركة تركية-فرنسية بتجميد حسابات الشركة تبعا لقرار قضائي لأنها لم تسدد ديونا متراكمة منذ مدة.

ولجوء الدولة إلى حلّ التوظيف في هذه المؤسسات لامتصاص غضب الشعب، سرعان ما قابلته دعوات متكررة من المانحين الدوليين بضرورة مراجعة هذه القرارات والإسراع بإصلاحات ضرورية للشركات.

ودعا رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى تونس كريس غيريغات الثلاثاء في مؤتمر صحافي السلطات التونسية إلى "التقليص من تحويلات الدعم للمؤسسات العمومية والتي تدار بسوء تصرف" بالإضافة إلى "إعداد إستراتجية للإصلاح".

وأظهر تقرير تخفيض ترقيم ديون البلاد من قبل وكالة موديز مطلع الأسبوع الماضي من ب2 إلى ب3 وبآفاق سلبية، أن الضمانات التي تمنحها الدولة للشركات العمومية التي مثلت 15 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في العام 2020، تمثل "عامل خطر إضافي".

ويؤكد محسن حسن أن الخروج من الأزمة "يتطلب عقدا اجتماعيا جديدا يحدد التوجهات الإستراتجية والاقتصادية للدولة ودورها للمحافظة على هذه المؤسسات"، بينما دعا بن حمودة إلى "إعلان حالة طوارئ اقتصادية".

لكن الوضعية السياسية الشائكة التي تمر بها البلاد قد تحول دون ذلك خاصة في ظل استمرار النزاع في قضية التعديل الحكومي المعلّق.