عدم دستورية مشاورات تشكيل الحكومة يثير جدلا جديدا في لبنان

الدستور اللبناني يفرض على رئيس الجمهورية إجراء استشارات نيابية ملزمة مع جميع الكتل البرلمانية والنواب المستقلين، قبل تسمية أية شخصية لتأليف الحكومة.
فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام اعتبروا المشاورات غير دستورية وخرق لاتفاق الطائف
المحتجون تجمعوا أمام منزل الخطيب رفضا لتعيينه على رأس الحكومة الجديدة
منصب رئيس الوزراء يتولاه مسلم سني بموجب النظام الطائفي في لبنان

بيروت - ردت الرئاسة اللبنانية، اليوم الأربعاء، على رفض رؤساء حكومات سابقة المشاورات التي أجراها الرئيس ميشال عون لتسمية رئيس وزراء جديد خلفا لسعد الحريري، باعتبارها خرقا للدستور اللبناني، مؤكدة أنها قانونية وتم اتخاذ الوضع الحرج الحالي للبلاد بعين الاعتبار حفاظا على الوحدة الوطنية.
وقال المكتب الإعلامي للرئاسة في بيان الأربعاء "لو أدرك الرؤساء السابقون للحكومة ما كان سيترتب على الإسراع في إجراء الاستشارات النيابية الملزمة من انعكاسات سلبية على الوضع العام وعلى الوحدة الوطنية، لما أصدروا البيان وما تضمنه من مغالطات، ولكانوا أدركوا صوابية القرار الذي اتخذه الرئيس عون".

واستبق ثلاثة رؤساء وزراء سابقين هم فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام في وقت سابق اليوم الأربعاء، نتائج مشاورات الجارية حول تشكيل الحكومة الجديدة بالرفض لعدم دستوريتها معتبرين اجراءاتها بمثابة "خرق خطير للدستور ولاتفاق الطائف".

وقال رؤساء الوزراء السابقين الثلاثة في بيان إن أي مرشح لرئاسة الحكومة يوافق على الخوض في مشاورات حول شكل الحكومة وأعضائها قبل تكليفه "ويقبل بالخضوع لاختبار من قبل لجنة فاحصة غير مؤهلة ولا مخولة دستوريا إنما يساهم أيضا في خرق الدستور وفي إضعاف وضرب موقع رئيس مجلس الوزراء".

وأوضح البيان أن "تجاهل استقالة حكومة سعد الحريري، وإهمال إجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة المكلف، مع إنكارٍ متمادٍ لمطالب الناس المستمرة على مدى قرابة خمسين يوماً، يُعد استخفافاً بمطالب اللبنانيين، وتجاهلاً لإرادتهم من قبل رئيس الجمهورية".
واستنكر رؤساء الحكومة السابقين ما اعتبروه "اعتداءً سافرا على صلاحيات النواب بتسمية الرئيس المكلف من خلال الاستشارات النيابية الملزمة لرئيس الجمهورية بإجرائها وبنتائجها، ومن ثم الاعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة عندما يتمّ تكليفه تشكيل الحكومة بعد إجراء الاستشارات اللازمة".
ولفتوا إلى أن "أي مرشحٍ لرئاسة الحكومة يوافق على الخوض في استشارات حول شكل الحكومة وأعضائها قبل تكليفه، ويقبل بالخضوع لاختبارٍ من قبل لجنة فاحصة غير مؤهلةٍ ولا مخوّلةٍ دستورياً، إنما يساهم أيضاً في خرق الدستور، وفي إضعاف وضرب موقع رئيس مجلس الوزراء".
ويفرض الدستور اللبناني على رئيس الجمهورية إجراء استشارات نيابية ملزمة مع جميع الكتل البرلمانية والنواب المستقلين، قبل تسمية أية شخصية لتأليف الحكومة.
واتفاق الطائف وثيقة الوفاق الوطني التي وضعت في 30 أيلول/سبتمبر 1989 في مدينة الطائف السعودية بين الأطراف المتنازعة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لـ15 عاماً.وجاء في رد الرئاسة اللبنانية أن "التشاور الذي أجراه الرئيس عون لا يشكل خرقا للدستور ولا انتهاكا لاتفاق الطائف، لا بنصه ولا بروحه، لا سيما وأن الدستور المنبثق عن هذا الاتفاق لا يحدد مهلة زمنية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة".

وأضاف البيان أن الدستور لم يحدد كذلك "مهلة للرئيس (الوزراء) المكلف حتى ينجز تشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية".
وقالت الرئاسة إن "مسألة التشاور الذي يسبق تأليف أي حكومة جديدة كانت طبيعية وتجرى دائما في ظروف عادية، فكيف وأن البلاد تمر في ظروف استثنائية تحتاج إلى خطوات استثنائية تحمي وحدتها ومقتضيات الوفاق الوطني ومضمون مقدمة الدستور الذي يحرص رئيس الجمهورية في كل ما يقوم به من خطوات على احترامها والتقيد بها".
وأوضحت الرئاسة اللبنانية أن هدف الرئيس هو "الإفساح في المجال أمام المشاورات بين الكتل النيابية، إلى تأمين تأييد واسع للرئيس المكلف، ما يسهل عليه تشكيل الحكومة، وذلك في ضوء التجارب المؤلمة التي حصلت أيام أصحاب الدولة الذين أصدروا البيان اليوم، في إشارة للسنيورة وسلام وميقاتي.

وبرز اسم رجل الأعمال اللبناني سمير الخطيب كأول المرشحين المحتملين لرئاسة الحكومة ضمن لقاءات ومشاورات تتم منذ أيام بين شخصيات سياسية والرئيس عون والأحزاب في مقر رئاسة الجمهورية بقصر بعبدا وذلك على غير العادة حيث من المفترض أن تكون في مقر رئاسة الوزراء في السراي الحكومي.

وينظر إلى بيان السنيورة وسلام وميقاتي على أنه ضربة للجهود الجارية لتشكيل حكومة جديدة بقيادة رجل الأعمال السني سمير الخطيب، لكن من المنتظر أيضا أن يقابله رفض شعبي بدأ مساء أمس الثلاثاء، بتظاهر مئات اللبنانيين أمام منزل الخطيب في بيروت، وهو ما اعتبر فشلا مسبقا لحكومة برئاسته حتى قبل تشكيلها.

ويتولى منصب رئيس الوزراء مسلم سني بموجب النظام الطائفي في لبنان.

وكان من المنتظر أن يتم جس نبض الشارع بتعيين رئيس حكومة جديد بعد أن تم رفض العديد من الأسماء التي طرحت في السابق من قبل المعتصمين والمحتجين في الشارع منذ أكثر من شهر. لكن رؤساء الوزراء اللبنانيين السابقين الثلاثة أعلنوا رفضهم للمشاورات الجارية لعدم دستوريتها.

ويرى مراقبون أنه علاوة على التغيير الذي اعتمدته الأوساط السياسية لاختيار رئيس وزراء جديد، فإن المداولات الحالية لا تأخذ في الاعتبار الحراك الشعبي الكبير في البلد وتعتبره تفصيلا هامشيا إذا تحقق توافق بين المكونات السياسية الكبرى.

وكانت تعليقات من ساسة لبنانيين أمس الثلاثاء، تشير إلى أن ثمة تقدما في الاتفاق على حكومة جديدة بقيادة سمير الخطيب رغم عدم التوصل لاتفاق.

وتجري منذ أيام عملية تأليف الحكومة الجديدة واختيار رئيسها في مقر رئاسة الجمهورية بقصر بعبدا، وليس في مقر رئاسة الوزراء أي السراي الحكومي.

واعتبر مراقبون للشأن اللبناني أن هذا التغيير في المراسم المتعارف عليها ليس فقط انتهاكا قانونيا للدستور، لكنه أيضا انتهاك ميثاقي من حيث أن الموقع الماروني الأول هو من يتولى مهمة تشكيل الحكومة، فيما هذه المهمة تعود لرئاسة الحكومة، الموقع السني الأول في المنظومة السياسية للجمهورية اللبنانية.

وأمس الثلاثاء، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري دعمه لترؤس الخطيب الحكومة المقبلة، مشيرا إلى أنه لن يشارك فيها.
وخلال الساعات الماضية، انحصر الحديث عن الخطيب كمرشح لخلافة الحريري، بعد فشل مساعٍ سياسية لتكليف الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طبارة.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر الفائت احتجاجات شعبية غير مسبوقة، بدأت على خلفية مطالب معيشية في ظل أزمة اقتصادية ومالية، ومطالب برحيل النخبة السياسية "بدون استثناء" ووضع حد لفساد المسؤولين ومحاكمة المتورطين منهم في قضايا فساد.

ألحر
الحريري يدعم حكومة برئاسة الخطيب لكن دون المشاركة فيها

ولم يسبق للخطيب (في العقد السابع من العمر) أن سجّل مشاركة أو عمل سياسي، فهو في تقدير مراقبين، غير محسوب على نخبة لبنان السياسية رغم علاقته ببعض أقطابها.
والمعروف عن الخطيب في ساحة لبنان الاقتصادية، أنه رجل أعمال بارز، وعُرف بشراكته لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، في بعض أعماله.
والخطيب من مواليد قرية مزبود بإقليم "الخروب" في محافظة جبل لبنان، وهو من المقربين للحريري الابن.
ومنذ العام 1983، يشغل الخطيب منصب المدير العام ونائب الرئيس التنفيذي في شركة "خطيب وعلمي"، وهو المسؤول عن أعمال الشركة في منطقة الشرق الأوسط.
ساهم منذ توليه منصبيه في الشركة، بتأسيس وإدارة مكاتب للشركة في بلدان عربية عدّة، منها تونس والجزائر ومصر وسوريا والسعودية وقطر.
ورغم عدم بروز الخطيب كأحد شخصيات الطبقة السياسية في لبنان، إلا أنه ليس غريبا عنها. فإضافة إلى علاقته الوطيدة بالحريري، يرتبط الخطيب بعلاقة مصاهرة تجمعه بمدير الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، إذ أن ابنة الأول متزوجة من نجل الثاني.
ويعرف الخطيب بعلاقاته الجيدة مع مختلف الأطراف السياسية في لبنان، وحرصه على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع.
وعلى خلفية تردد اسمه كمرشح لرئاسة الوزراء، صرح الخطيب في وقت سابق، بأنه تمّ التواصل معه بهذا الشأن، لافتا أن رده كان بأن "التوافق ضروري لأي حل".

ومنذ أن استقالت حكومة الحريري، في 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحت وطأة احتجاجات شعبية، يطالب المحتجون بتشكيل حكومة تكنوقراط قادرة على التعامل مع الوضعين السياسي والاقتصادي، في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975 - 1990).
ويرفض حزب الله تشكيل حكومة تكنوقراط ويدعو إلى تشكيل حكومة "تكنوسياسية" تجمع بين اختصاصيين وسياسيين برئاسة الحريري إلا أن الأخير رفض هذا الطرح.