عروض فنية تستحضر إرث الأجداد في أيام الشارقة التراثية

التظاهرة تقام في منطقة التراث في قلب الشارقة بمشاركة محلية وعربية ودولية واسعة.

تتواصل في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، عروض وفعاليات الدورة الـ 22 من أيام الشارقة التراثية، التي ينظمها معهد الشارقة للتراث تحت شعار "جذور" في منطقة التراث في قلب الشارقة، بمشاركة محلية وعربية ودولية واسعة، وذلك خلال الفترة من 12 وحتى 23 من شهر فبراير/شباط.

الأيام التي شهد انطلاقتها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في منطقة التراث في قلب الشارقة، بمشاركة واسعة من دول مجلس التعاون الخليجي، بجانب المغرب، مصر، والأردن، وسوريا، والعراق، وفلسطين، وتونس، والجزائر، ولبنان، وقد عبَّر الدكتور عبدالعزيز المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث عن سعادته بافتتاح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، لأيام الشارقة التراثية، مشيراً إلى أن الأيام في دورتها الـ22 تأتي للجمهور بحلة جديدة في اتساع الموقع، والبنية التحتية، والفعاليات المُكثفة على مدار الأيام وعروض الفنون الشعبية والحرف التقليدية.

ثلاث معارض رئيسية

هذا وقد تضمنت أجندة هذه الدورة من أيام الشارقة التراثية، إقامة 3 معارض رئيسة، الأول معرض "جذور" الذي يسلط الضوء على الجوانب التاريخية والثقافية لإمارة الشارقة، ويستعرض محطات من ماضيها العريق لا سيما المتعلقة بالحياة اليومية ومعيشة الناس وتعاملاتهم وثقافتهم.

أما المعرض الثاني: رحلة العطور "عبر العصور"، فيستعرض تاريخ صناعة العطور وأهميتها منذ عهد الفراعنة قديماً إلى أشهر العطور الأوروبية الحديثة.

ويتضمن المعرض الثالث مائة عام من المكتبات "قرن من المكتبات" ويتناول تاريخ المكتبة القاسمية في حصن الشارقة ومعروضاتها من عهد الشيخ سلطان بن صقر بن خالد القاسمي إلى عهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.. كما يضم مكتبة البيت الغربي، والمكتبات الشخصية، والمكتبات المتخصصة "التيمية، والمحمود"، ومقتنيات مكتبات الشارقة القديمة، إلى جانب عدد من أقدم وأبرز الكتب القديمة التي حوتها مكتبات الشارقة، إضافة إلى أعلام المكتبات في الشارقة.

وتتوزع فعاليات الدورة هذا العام على سبع مدن في إمارة الشارقة وهي مدينة الشارقة، وخورفكان، ومليحة، والذيد، وكلباء، ودبا الحصن، والحمرية وتتضمن العديد من العروض الفنية الحية، وورش المسرح، وفعاليات الحرفيين الشعبية المختلفة، والفقرات الترفيهية المعرفية.

مئوية أول مكتبة في الشارقة

وتقدّم أيام الشارقة التراثية العديد من الفعاليات الجديدة أبرزها افتتاح ساحة فعاليات إضافية، واحتفالية مئوية أول مكتبة في الشارقة انطلقت منذ العام 1925، وسوق الكتبيين الذي يضم أكثر من 12 مكتبة و6 دور نشر، إضافة لمشاركة 150حرفياً من جميع انحاء العالم، كما سيقام أكبر عرض لفرقة العيالة على مستوى الإمارات بحضور أكثر من 300 فنان شعبي.

وتحتضن أرض الفعاليات منصات عرض الفنون الشعبية، واستعراض أوبريت سيمفونية النخلة، وعرض قوافل الإبل والخيول، ومسرحية مواعيد عرقوب، ومسرحية جزيرة الأماني للأطفال، وسينما الأيام، ومعرض جذور، وعروض فنية متنوعة، بالإضافة إلى افتتاح النصب التذكاري لفن العيالة كحدث مصاحب لأيام الشارقة التراثية، وفعاليات مطبخ التراثي العالمي.

وتستعرض فعاليات المقهى الثقافي في دورة الأيام هذا العام، عدداً من المقاربات الجادة والقراءات المتنوعة التي تلامس جوانب مختلفة من التراث الإماراتي وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والكتّاب الإماراتيين في شتى صنوف التراث ومعارفه وعناصره، بواقع 14 جلسة، و15 فعالية تواقيع وإطلاقات جديدة وإصدارات مصاحبة تضم 15 عنواناً جديداً.

واختار معهد الشارقة للتراث في دورة هذا العام 4 برامج تراثية يتم استعراضها بقوالب معرفية وفنية وتعليمية وترفيهية متناسقة ومدروسة، أبرزها إقامة قسم المخطوطات مجموعة ورش تتضمن ورشة الخط الديواني، والترميم اليدوي، وورشة قص الورق التقليدية الصينية والعربية، وورشة تغليف وتجليد وفن الايبرو، وورشة الزخرفة.

وعلى صعيد برنامج التراث العربي، تتضمن أجندة ايام الشارقة التراثية في دورتها الـ 22، تنظيم مائدة مستديرة بمشاركة 9 من خبراء اليونسكو، كما يشارك 6 حرفيين حول حرف مدرجة في قائمة التراث العالمي في اليونسكو، ويتضمن برنامج التراث العربي تنفيذ مختبر اللهجات، وبرنامج أعمال فنية "جذور الازياء"، واستعراض شهادة "تعهد لحفظ التراث".

وفي إطار برنامج مركز الحرف الإماراتية يشارك 150 حرفياً من مختلف الدول في استعراض 33 حرفة ومهنة، كما ستقام 12 ورشة تدريبية تراثية، إضافة إلى 11 مسابقة لموظفي معهد الشارقة للتراث، أما برنامج المدرسة الدولية للحكاية فيقدم مجموعة من البرامج والأنشطة والورش المتنوعة، إضافة إلى فنون الحكاية التعبيرية والتمثيلية التي تتضمن: صندوق العجب والعجائب، وعرائس السكر، وخريطة بيت الحكمة.                   

تألق الفن الشعبي الإماراتي

هذا، وقد شهدت عروض أيام الشارقة التراثية، تألق فرقة "النوبان" الإماراتية التي يديرها طاهر اسماعيل ضمن فعاليات أيام الشارقة التراثية، والتي تختلط فيها أصواتهم بنغمات الآلات الشعبية الإيقاعية مثل "الراس، والواسط، والشيمبوّه"، ثم "المنجور" المصنوع من أظافر الماعز، الذي يرتديه أحد أعضاء الفرقة "على شكل تنورة" فيحدث نغمة متميزة نتيجة حركته الإهتزازية المتناسقة.

الفرقة التي حازت عروضها على إجاب الجمهور، قدمت مجموعة من الأغاني التي تحكي بمجموعها مشاعر الحب، واللهفة، والحنين، والثقة بالنفس، والتوكل، ومواجهة الصعاب، والتحلي بالأمل، وهي صفات تميز الإنسان الإماراتي القديم، وتنقل بين الأجيال محبة وتواصلاً مع ماضيهم الجميل، وانسجم الجمهور مع الحركات الإيقاعية التي تحاكي حركات البحارة أو "النواخذة" في اللهجة الشعبية المحلية الإماراتية، كان من أهم ما يميز الرقصات الفنية للفرقة، وقد أضاف اللباس الشعبي الرجالي والنسوي رونقاً مضاعفاً للأداء، حتى جعلت الزائر لفعاليات أيام الشارقة التراثية يشعر أن هؤلاء الفنانبن يحاكون الموج ليعرفوا أسراره، ويكتبون ذكرياتهم على أشرعة السفن لتبقى شواهد حية على تاريخ كبير، وتراث متفرد.

العطور عبر العصور

وكان للعطور نصيب في أيام الشارقة التراثية من خلال معرض "العطور عبر العصور" وهو أحد معارضها الرئيسة في دورة هذا العام، حيث نقل المعرض الزوار في رحلة معرفية حول هذه الصنعة، وأبرز تحولاتها التراثية التاريخية.

معرض العطور عبر العصور انطلق للحديث عنها منذ عصر الفراعنة حيث كانت العطور تصنع في المعابد، ولها صبغة دينية، ومن هنا اكتسبت أهميتها الشعبية، فقد استخدمت على شكل بخور محترق أو زيوت عطرية لطلاء التماثيل، وتم تدوين الكثير بشأن صناعتها وأسرارها.

ومن الفراعنة إلى الجزيرة العربية التي تميزت بالخبرة ووفرة المواد الخام حتى صارت مركزاً مهماً لتجارة العطور، حيث كانت تنتج مكونات نادرة مثل المسك والعنبر واللبان والكافور وخشب العود. وكانت القوافل تسير منها عبر طرق التجارة التي تمتد إلى الهند والصين، وكانت العطور من أهم متطلبات التجارة بين هذه البلدان.

ثم يشير تاريخ العطور كما يبينه معرض العطور عبر العصور إلى تطور اتقان العرب لتقطير الزهور، كما انتقل فن صناعة العطور الذي برعت فيه الحضارات اليونانية والرومانية إلى العالم الإسلامي، ومنذ القرن 8 الميلادي قام علماء مسلمون مثل الرازي وابن سينا بتطوير تقنية التقطير التي أحدثت تحولاً مهماً في هذه الصناعة، ويواصل المعرض استحضار تاريخ العطور منذ أقدم العصور وحتى اليوم.

نوافذ الفن الشعبي المصري

واستحضرت ليالي الشارقة التراثية، الفنون الشعبية المصرية، من خلال عروض فرقة "ليالي محظوظ" التي يديرها صابر البنا، وهي الفرقة تضم تشكيلة يجمعها حب التراث، ويميز أعضائها تفاوت فئاتهم العمرية، وكأن عملها صنعة يحرص من يزاولها على أن يجعلها حية وقادرة على الانتقال بين الأجيال بكل موروثها الفني، ونمطها الثقافي الشعبي.

حيث قدمت الفرقة فقرات متنوعة أثارت حماس الجمهور الذي أحاط بمنصة عرض الفرقة الفنية المصرية التي أجادت تقديم فقراتها بحركاتها التي يمكن متابعتها من جميع جوانب المسرح دون الحاجة إلى الوقوف في الجهة المقابلة للمنصة، وكان لفقرة "الحصان" التراثية التي تستلزم قيام اثنين من أعضاء الفرقة بتأدية دوره الفني التراثي أثراً كبيراً في تفاعل الجميع لا سيما الأطفال الزائرين الذين جروا وراء الحصان بعد نهاية الفقرة لمعرفة سر من يختفي وراء بدلته الشهيرة.

عروض الفرقة أعادت الجمهور إلى أجواء المناسبات الشعبية المصرية العريقة، كفقرة "التنورة" التي تحاكي رقص الدروايش، وتسمى رقصة "المولوي" المعروفة شعبياً برقصة "الملوي" وهي الرقصة الأشهر في المناسبات الدينية لا سيما أيام الموالد، وتتطلب مهارة فائقة على التوازن والثبات وقدرة على تحريك "التنورة" خلال الحركة اللولبية المتسارعة التي يؤديها الفنان.

الفرقة قدمت أيضاً، "رقصة العصايا" التي ترمز الى الفتوة والقوة وتحاكي زمان الحارات الشعبية المصرية القديمة، ورقصة "الزفة" بالطبل والمزمار أو "الزمّار" كما يسمى في اللهجة الشعبية المصرية، حيث ألقيت مجموعة من الأناشيد الشعبية المرافقة التي نشرت الفرح والبهجة، وهو ما أسهم في منح الزائرين متعة مضاعفة وتجربة لا تنسى.