عزل البشير يربك خطط أردوغان الجيوسياسية في السودان

البشير أنشأ شبكة علاقات محلية وإقليمية ودولية معقدة يصعب معها على المجلس العسكري الانتقالي أو الحكومة المدنية المرتقبة، تفكيكها وإعادة بنائها بما يحفظ سيادة وأمن السودان.

سقوط البشير يسلط الضوء على مصير اتفاقية سواكن
البشير سهّل التغلغل التركي في فضاءات جغرافية سودانية تعتبر مجالا حيويا لأمن السعودية ومصر
سواكن تعتبر مجالا حيويا للأمن القومي العربي
تركيا تنفي صحة أنباء عن أمكانية إلغاء اتفاقية جزيرة سواكن
ارتباط وثيق وتاريخي للبشير وأردوغان بجماعات الإسلام السياسي

أنقرة/الخرطوم - سلط عزل الرئيس السوداني عمر البشير الضوء على الاتفاقيات التي أبرمت في عهده خاصة منها الاتفاقيات التي مسّت سيادة السودان ومنها اتفاقية سواكن التي فرطّ بموجبها البشير في الجزيرة الإستراتيجية لتركيا خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم في نهاية العام 2017.

ومنذ إعلان الجيش عزل البشير، شدّدت تركيا على ضرورة انتقال سلمي للسلطة وأكدت على احترام الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، في الوقت الذي باتت تخشى فيه إلغاء السلطة الانتقالية لاتفاقية سواكن وهو أمر من شأنه أن يعيد خلط الأوراق التركية في المنطقة ويربك جهودها في ترسيخ وجودها وتموقعها في واحدة من أهم المجالات الإستراتيجية والفضاءات الجغرافية التي تعد مجالا حيويا لأمن المنطقة وخاصة لأمن السعودية ومصر.  

وبوجود سلطة جديدة يديرها المجلس العسكري لفترة انتقالية يتم خلالها أو بعدها تشكيل حكومة مدنية (لاتزال موضع سجال بين العسكر وقادة الاحتجاجات)، باتت اتفاقية سواكن على المحك.

 لكن لم يصدر حتى الآن أي قرار أو ما يوحي بأن السلطة الانتقالية ستلغي الاتفاقيات التي وقعها البشير أو تعيد النظر فيها على اعتبار أنها لاتزال تبحث عن تثبيت نفسها وليست بحاجة لفتح جبهات أخرى.

وقد يعاد طرح الاتفاقية المثيرة للجدل كونها تعدا تفريطا في جزء مهم من السودان لتركيا دون استشارة الشعب ودون أي وجه حق قانوني حتى وان أدرجها النظام السابق ضمن التعاون الاقتصادي مع تركيا.

ويبقى هذا احتمالا واردا، رغم أن أنقرة نفت اليوم الجمعة نفيا قاطعا صحة ما أوردته وسائل إعلام حول إمكانية إلغاء الاتفاقية التي منحت تركيا حقا كاملا في إدارة الجزيرة الإستراتيجية وإعادة تأهيل مينائها.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي في تصريحات صحفية اليوم الجمعة، إن الأنباء الواردة في الإعلام حول إمكانية إلغاء الاتفاقية المبرمة بين تركيا والسودان بشأن جزيرة سواكن السودانية، لا تعبر عن الواقع.

وأكّد أن الوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، تعمل على ترميم الآثار العثمانية الموجودة في الجزيرة.

وكانت وسائل إعلام أوردت في وقت سابق أنباء حول إمكانية إلغاء الاتفاقية المتعلقة بجزيرة سواكن والتي وقعتها تركيا والسودان عام 2017.

وعلى هامش زيارته إلى السودان في ديسمبر/كانون الأول 2017، تعهّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء سواكن.

لم يبق من زيارة أردوغان إلى تركيا إلا أوسمة رمزية واتفاقيات مجهولة المصير
لم يبق من زيارة أردوغان إلى تركيا إلا أوسمة رمزية واتفاقيات مجهولة المصير

وأربك سقوط البشير الحسابات التركية وخطط أردوغان للتمدد في إفريقيا من بوابة السودان وتمرير أجندة جماعات الإسلام السياسي في المنطقة.

وتقع جزيرة سواكن على الساحل الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان عند خطي عرض 19.5 درجة شمال وطول 37.5 درجة شرق وهي مجال حيوي للأمن القومي العربي.

وفرطت السودان في الجزيرة الإستراتيجية التي تكتسي أهمية تاريخية ورمزية للأتراك كونها كانت تدار مباشرة من السلطان العثماني، في الوقت الذي يمثل فيه التمدد التركي في المنطقة خطرا على الأمن القومي العربي حيث يشكل البحر الأحمر مجالا حيويا لأمن كل من مصر والسعودية.

وعززت تركيا التي يسود التوتر علاقاتها مع السعودية ومصر، استثماراتها في السودان خلال الفترة السابقة لسقوط البشير.

وتعتزم تركيا إعادة بناء ميناء سوداني يرجع للحقبة العثمانية على ساحل البحر الأحمر وبناء مرفأ لصيانة السفن المدنية والعسكرية بموجب اتفاق توصل إليه الجانبان خلال آخر زيارة قام بها أردوغان للخرطوم.

والأمر لا يتعلق بالبحث عن منافذ اقتصادية خارجية ولا بتعزيز العلاقات التجارية مع السودان بقدر ما هو تحرك جيوسياسي للتموقع وزيادة التأثير والتدخل في شؤون المنطقة.

وأنشأ البشير شبكة علاقات محلية وإقليمية ودولية معقدة يصعب معها على المجلس العسكري الانتقالي أو الحكومة المدنية المرتقبة، تفكيكها وإعادة بنائها بما يحفظ سيادة وأمن السودان.

واتفاقية جزيرة سواكن ضمن هذه الشبكة المعقدة التي تتداخل فيها المصالح الاقتصادية مع الأجندة الجيوسياسية لتركيا الطامعة في فتح المزيد من المنافذ في المناطق التي تعتبر مجالا حيويا لأمن عدد من الدول العربية.

وكان السودان قد قلّص إلى حدّ كبير من تغلغل إيران في مفاصله، فيما عزز علاقاته مع دول الخليج العربي، لكنه سرعان ما ارتمى في أحضان تركيا وقطر وهو أمر من شأنه أن يؤثر على مستوى العلاقات السياسية والتجارية مع دول المنطقة التي تنظر لأي تحرك قطري وتركي بعين الريبة على خلفية سجلهما في دعم جماعات الإسلام السياسي والفكر المتطرف.  

وسواكن الإستراتيجية كانت في عهود سابقة ممرا تجاريا مهما وكانت تخضع مباشرة للسلطان العثماني، والتفريط فيها يمثل خطوة رمزية مهمة لتركيا التي تعمل على توسيع نفوذها في إفريقيا من بوابة السودان.