على قطر أن تعترف بأن الأسد قد فاز

التريث السعودي في إعادة سوريا للصف العربي كان مرتبطا باستطلاع موقف إيران.

لم يكن اصدار وزراء خارجية الدول العربية للقرار القرار 8914 بشأن سوريا، أمرا مفاجئا، بل ان هذا القرار في الأساس قد أتى متأخرا وكان من المفروض أن يتم عبر قمة الجزائر العام الماضي. ولكن رغبة الرياض في تأجيله كانت واضحة خاصة وان الخلاف نظام الملالي الذي يعتبر حليف بشار الأسد الرئيسي في المنطقة كان لايزال قائما في تلك المرحلة وكان لزاما أن لا تستعجل الرياض خطوات التطبيع والعودة السورية الى جامعة العرب ريثما يتم الفصل مع طهران في ملفات لها أبعاد لا تقل أهمية عن الشأن السوري كالملف اليمني واللبناني. ولا يمكن اغفال أن للخلاف الأميركي السعودي دورا كبيرا في تحريك المياه الراكدة التي حالت دون اعادة الاعتراف بشرعية الأسد "عربيا" وان كنا نربط عودة سوريا الى جامعة العرب، بفضل السعودية فان هذا لا يعني تقزيم الدور المصري والأردني والجزائري في ذلك ولكن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها هي أن جميع الدول العربية باستثناء قطر كانت تنتظر المباركة السعودية في ملف "سوريا".

صحيح أن هذه العودة لن تقدم شيئا لسوريا. فلا ثقل أو وزن للجامعة العربية ككيان سياسي فاعل في المجتمع الدولي لم يتمكن من معالجة مشاكل داخلية كبيرة كمسألة المصالحة الفلسطينية وقضية التدخل الخارجي في المسألة الليبية وقضية الصحراء، ومؤخرا أزمة السودان، ولكن لا يمكن اغفال أن قرار وزراء خارجية العرب قد اعطى الضربة القاضية للمعارضة السورية التي بقيت متشبثة ببصيص الأمل القطري الذي استمر متشبثا بفكرة تغيير النظام السوري من الخارج الى آخر لحظة، وهي فكرة غير واقعية ما دام الأسد قد اجتاز مرحلة الأعاصير بسلام بعد دخول روسيا في المعادلة.

ربما يتساءل الكثيرون حول إمكانية تغيير الموقف القطري من نظام الأسد والذي كنت قد كتبت بصدده مقالا منذ شهرين تحت عنوان "كيف ستتعامل قطر تجاه الاجماع العربي بشأن سوريا" وتوقعت أن تتعامل سوريا مع هذا الاجماع ببرود كي لا تضع نفسها في عزلة كما بينت ان هنالك حسابات أخرى تجعل قطر تتردد في تغيير موقفها من نظام الأسد لما فيه من ضرر على الشراكة الاستراتيجية التي تجمعها مع واشنطن، ولكن ماذا لو تغير الموقف الأميركي تجاه الأسد من رفض تام له الى "محاولة الاستثمار فيه" وهو ما سيحدث عن قريب خاصة وان الإدارة الاميركية تحاول اليوم تصحيح أخطاء الماضي والتودد من الرياض قدر الإمكان في محاولة لتصحيح مسار علاقتها التاريخية مع دول الخليج تحت غاية "قطع الطريق أمام بكين وموسكو"، وهنا ستحتاج الإدارة الأميركية الى تليين مواقفها مع الرياض الى اقصى درجة وقد تضطر الى اظهار توافق في وجهات النظر في المسألة السورية على مضض.

قطر ذهبت بعيدا في عداءها ضد نظام الأسد ولم تضع في الحسبان "خط الرجعة" ونسيت أن أحد أهم القواعد في لعبة السياسة هي قاعدة "الرابح والخسران" وقاعدة "تقاطع المصالح" وهما قاعدتان يتقنهما أردوغان الذي فتح الباب يوما لحماس واغلقه عندما تقاطعت مصالحه مع اسرائيل، وفتح الباب يوما لإخوان مصر واغلقه عندما توصل الى تفاهمات مع مصر في ملف الغاز وملف ليبيا وخاصم الامارات والسعودية في مرحلة ثم صالحهما في مرحلة أخرى عندما وجد نفسه بحاجة الى أموال الخليجيين، ومول المعارضة السورية في بداية الأحداث ولكنه تخلص منها عندما أصبح لزاما الاعتراف بفوز الأسد والتطبيع معه لحماية مصالح تركيا، ويؤسفني وصف من يرى في تلك السياسات والاتجاهات والتناقضات نفاقا بـ"الجاهل بدواليب السياسة" وغير قادر على فهم أساليب الأنظمة في إدارة الصراعات وحماية مصالحها.

لقد أصابت قطر في مصر عندما تصالحت مع السيسي، وأخطأت في سوريا عندما أصرت على مواصلة السير عكس التيار. ولكن ربما لايزال الوقت مبكرا لتصحيح الخطأ بطريقة لا تضعها في حرج، كأن تبدأ أولا في تليين بياناتها في الأمم المتحدة ضد النظام السوري وتبحث عن مفردات أخرى بعيدة عن مسألة تدويل الجرائم التي وقعت في سوريا خلال فترة "الشتاء العربي" فالاستجداء بواشنطن أو الغرب لتحقيق ذلك أمر مضحك فكيف لك أن تطالب من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين والافغانيين بذلك وكيف لك أن تقنع إدارة بايدن أو غيرها أن رحيل الأسد سيكون ميلادا لشمس مشرقة في سوريا. فالمسألة الآن تحتاج الى أن تعي قطر بأنها تبادلت الأدوار مع سوريا، ذلك لأن بشار الأسد قد خرج من العزلة وأن إصرارها على موقفها منه يضعها في شبه عزلة عربية، بل ان التفكير في الدخول في عملية إعادة اعمار سوريا والاستثمار في قطاع العقارات والسياحة أفضل من الخروج من "المولد بلا حمص".