'على قَرن الكركدن' صداقة القيروان وروما

رواية الكاتبة الإيطالية فرانشيسكا بيلّينو، المعروفة باهتمامها بقضايا العالم العربي تحكي قصة امرأتين من تونس وإيطاليا تجدان الطريق إلى ثورتهما الخاصّة.

ميلانو (ايطاليا) - صدرت عن منشورات المتوسط في إيطاليا، الطبعة الورقية للرواية الجديدة للكاتبة الإيطالية فرانشيسكا بيلّينو، المعروفة باهتمامها بقضايا العالم العربي وثقافات بلدان البحر الأبيض المتوسط، وحملت عنوان: "على قَرنِ الكَرْكَدَن".
 ترجمت الرواية عن الإيطالية المترجمة سوسن بوعائشة، وراجع الترجمة ودققها المترجم التونسي الكبير أحمد الصمعي. وكانت الرواية قد أُتيحت "إلكترونياً" وبالمجَّان طيلة شهر مايو/أيار 2020، في مبادرةٍ من المتوسّط وبتعاون مشترك مع كل من موقع "ألترا صوت" ومنصة الكتب العربية الإلكترونية "أبجد"؛ تضامناً مع القرَّاء في منازلهم، بإهدائهم كتاباً جديداً بالكامل ليكون معهم وهم يقضون وقتهم في الحجر حفاظاً على حياة العالم.

في روايتها "على قرن الكَرْكَدَنّ"، تروي فرانشيسكا بيلّينو وبأسلوبٍ سينمائيٍّ تشويقيٍّ، ذكرياتِ ماري مع مريم، والتي تمرُّ أمامَنا كشريطَ فيلمٍ على الطريق؛ بين الحياةِ في روما والعطلات الصيْفيّة في القيروان، تستحضرُها الكاتبةُ بكلٍّ تفاصيلها، ولا تتوقّف عندها، بل تتقاطع مع ما كانت تعيشه تونس؛ أيَّام الثورة، ساعاتٍ قليلة بعدَ طرد بن علي، والذي يتصادف مع موت مريم.
في هذهِ الأجواء المشحونَةٍ والمُضطربَة، تصلُ ماري من إيطاليا. هي الآن خارجةٌ من المطار، مصدومَةٌ ومشوَّشَة، ولا شيءَ يشغلها إلَّا الوصول إلى مدينةِ القيروان، لحضور جنازةِ صديقتِها. كان هادي، أوَّل سائق عرَض عليها خدمته، ليُصبحَ دليلَها على خارطةِ بلدٍ يعيشُ على وقعِ الاضطراباتِ السّياسيّة التي رافقت التحرُّرَ من الديكتاتورية، وما صاحبها من آمالٍ واحتجاجات، واحتفالات ومشادّات، تنعكس، في صورٍ متسارعةٍ خلال الرِّحلة، على زجاجِ سيّارةِ أجرةٍ بالية.
رواية "على قرن الكَرْكَدَنّ" تحاول الإجابة عن سؤال؛ كيفَ تتحوَّل الصداقة بين ماري الإيطالية التائهة ومريم التونسية المُهاجرة إلى إيطاليا بدافعِ الحبّ والهروبِ من زوج أمّها المستبدّ؛ إلى بحثٍ عميقٍ عن الذَّات، تتكشَّفُ سُبلُهُ الخفيّة بشكلٍ مُدهشٍ في آخر الكتاب الذي نكتشف بين دفَّتيهِ، قصّةَ امرأتين تجدان الطريق إلى ثورتهما الخاصّة، وما كان ليكون تطابق اسميْهما في لغتينِ وثقافتينِ مختلفتيْن محض صدفة.

أخيراً جاء الكتاب في 280 من القطع الوسط.

أصداء الرواية:
لقيت الرواية أصداء متعدِّدة من طرف القرَّاء الذين اطلَّعوا على النسخة الإلكترونية المجَّانية، حيث نقرأ من "غودريدز" بعض الآراء التي أشادت بالعمل وترجمته، وهنا كتب أحمد جندية: "وضعت الكاتبة فرانشيسكا بيلينو في الرواية شريحة من الحياة والحالة التونسية وقت الثورة تحت المجهر. لا أبالغ إن قلت أنها ربما تفوَّقت أو تميَّزت، لو أن طرحاً عربياً أراد قولبة مثل هذه الأفكار في رواية، والسبب أن بيلينو أحاطت بالتفاصيل، وربما عايشتها. واحتفظت إلى جانب ذلك بالقدرة على النظر من خارج دائرة الانتماء للتقاليد العربية التي قد تُسبِّب التعامي التلقائي عن بعض التفاصيل لمن هو ابن البلد واللغة، فما يُعتبر طبيعي جداً بالنسبة إليه بحكم العادة، يُشكل موضع تساؤل وتدقيق للقادمين من خارجها. لفتت انتباهي الطريقة التي جمعت فيها بين الديكتاتوريتين، الكبرى والصغرى في العالم العربي: ديكتاتورية الحكم، وديكتاتورية الأسرة والسلطة الأبوية في المنظومة المجتمعية العربية".
فيما ذهبت القارئة ناديا إلى القول: "رواية بسيطة، بسردٍ سلس، نقلتني الى تونس عبر علاقة مقدسة؛ صداقة بين مريم وماري إبان بدايات الثورة التونسية بعد حرق البوعزيزي لنفسه إثر احساس القهر الذي ألَمَّ به .اللَّافت في الرِّواية كذلك التَّرجمة الجيدة، كدتُ من خلالها أنسى أنَّها لكاتبةٍ أجنبية".
في الصحافة، وفي مقالٍ للجزائرية سارة سليم في الأخبار اللبنانية، نقرأ تحت عنوان "بيننا وبين فرانشيسكا بيلينو ماء وملح و... رواية": "نرصد داخل السرد مغامرات ماري وهي تحكي تفاصيل زيارتها تونس، وما تركته تلك الزيارة في نفسها. إذ أنها وصفت لنا علاقة الصداقة التي نشأت بينها وبين مريم التونسية في إيطاليا. يشي حديثها عنها بالكثير من الصدق الذي يحفل بالعلاقات الإنسانية ويلغي الحواجز الجغرافية والدينية".
كما كتب الفلسطيني حسام معروف في موقع إرم نيوز مقالاً بعنوان "على قرن الكركدن" للإيطالية فرانشيسكا بيلينو.. حياة أخرى على هامش الثورة التونسية"، نقرأ منه: "عمدت الروائية الإيطالية إلى منح القارئ فرصة للتفكير في مستقبل السرد، بقيامها بزج عنصر التشويق في طريقتها السردية، حيث أبقت أسئلة محورية عالقة على مدار سير عجلة الأحداث، مثل: ما السبب في موت ماري التي لم يسبق لها أن عانت من الأمراض؟ تخمينات عديدة تظهر في الأفق: هل قتلت من أهلها؟ هل شاركت في الثورة و قتلت خلال الفوضى؟ وهاجس آخر فعّلته فرانشيسكا مع خيطها السردي، ألا وهو، من يكون السائق هادي؟، والذي تستمر مخاوف ماري منه على مدار سير عجلة السيارة، وحتى في توقفها".

من الكتاب:
قد تدخل تونس التاريخ، باعتبارها أوَّل دولة عربية قادرة على الإطاحة برئيس دولة، بفضل صيْحة شعب تصمُّ الآذان. وهو شيء يصعب التَّنبُّؤ به! ومن ناحية أخرى، فإن الثورات غير مُنتظَرة. ولا تُبرمَج. ما يُميِّز الثورات هو عنصر المفاجأة.
إن ما يحدث حالياً في تونس يخصُّني أنا أيضاً. ويخصُّ كامل حوض البحر المتوسِّط. ولكنْ، أنا، المتفرِّجة الظَّرفيَّة، كيف لي أن أفهم معاناة الشعوب العربية ومآسي التُّونسيِّيْن؟ لعلَّني لم أفهم شيئاً حتَّى ممَّا تعانيه مريم.
يتبادر إلى ذهني أنها في أصعب اللحظات التي تمرُّ بها كانت تنطوي على نفسها، وتغرق في تفكير عميق، في نوع من التَّأمُّل، وغالباً ما يصعب مشاركتها ذلك، لأنها تُبقي جزءاً محصَّناً لا يمكن النفاذ إليه. كانت تبدو هادئة وصبورة، بينما بداخلها كانت تفور غلياناً. كانت ترغب في التَّخلُّص من كلِّ أشكال القصور، والعُقد، ومن عواصف ماضيها الهوجاء، لتُفسِح المجال للفرحة، ولكنها كانت نادراً ما تُفصح عن أحلامها وعن مآسيها.
ولم تكشف لي جزءاً من عذابها العاطفي الكبير إلَّا يوم انتقلْنا إلى الشُّقَّة في حَيِّ "بينيتو".
- "منذُ فترة وأنا أبحث عن عواطفي"، قالت فجأة، بإحباط وقلق.
سألتُها في ذهولː "ماذا تقصدين بقولكِ إنكِ تبحثين عن عواطفكِ؟"
- "أبحث عن إنسانيَّتي، يبدو لي أنني فقدتُها. أشعر وكأنني مجمَّدة"، أضافت بنبرة حزينة. توقَّفتْ بُرْهَة، ثمَّ استأنفت قائلة:
- "أتوق إلى الذوبان. عندما كنتُ طفلة، كانت جَدَّتي تقول لي إن العواطف تختفي في المياه. ربَّما ينبغي عليَّ البحث عنها هناك".

عن الكاتبة:
فرانشيسكا بيلّينو؛ كاتبة وصحفية ومراسلة رحلات، تتعاون مع العديد من الصحف الإيطالية والأجنبية، بالإضافة إلى الكتابة للإذاعة والتلفزيون، ناشطة مهتمّة بثقافات البحر الأبيض المتوسّط، حقوق المرأة، وقضايا الهجرة.
من مؤلَّفاتها "بادئة الله"، 2008. "نظرة إلى البعيد"، 2010. "ملح"، 2013. كما أصدرت كتابين عن أسطورة المغني لوتشو باتّيستي، وعددًا من القصص نُشرت في أنطولوجيات مختلفة. في عام 2009، حصلت على استحقاق في مسابقة "بريميو كورنيستا – بييرو باسّيتّي" وفي عام 2013 حصلت على جائزة "تاليا" الصحفية. في 2014 توجت بجائزة "لو كوستا دامالفي ليبري"، وفي سنة 2015 حازت على جائزة "لو ماريا تيريزا دي ليفز" الوطنية وجائزة "براتا"، ثمَّ في 2016 جائزة "مارزاني".