عندما تخطئ المعارضة

المعارض الذكي هو الذي يختار المواد التي يعرضها لكي يكسب احترام الناس. هذا لا يشمل نهش الأعراض.

يحب الجمهور أفلام وبرامج الإثارة التي ما إن تبث حتى يصل عدد مشاهديها الى الآلاف خلال ساعة وهذه طبيعة البشر، فهم يحبون الحديث عن الشيء غير المألوف، ولكن هذه وظيفة برامج الترفيه والتسلية، وليست برامج المعارضة، فالمطلوب من المعارضة الإقناع وليس الإمتاع، لأن هدف هذه البرامج هو إقناع الجمهور بالتحرك لوقف التجاوزات والفساد وتغول المسؤولين على المال العام، فلا بد من مخاطبة العقول من خلال إبراز الأدلة والإحصائيات والوثائق المسربة والتسجيلات وغير ذلك مما يقنع المتابع بضرورة التحرك. ولكن الخطأ الفادح الذي تقع فيه المعارضة هو تناول أعراض المستهدفين وتوجيه السباب والشتم، وصحيح أنها أداة جيدة لجذب المتابعين وجعلهم ينتظرون الحلقات لكي يضحكوا، ولكن في النهاية فإن أصحاب البرامج لن يحققوا أهدافهم ولكن يقنعوا الشارع بعدالة قضيتهم.

"فلان مثلي، فلانة ملابسها شبه عارية، فلان ضبط في السرير مع سائحة وتم تصويره، فلانة التقت بفلان في شاليه، فلان استغل سكرتيرته جنسيا، فلانة تم تصويرها بالبكيني على شاطئ البحر"، فأين الفساد ونهب المال وخيانة الوطن في هذا كله، لا شك أن المتابع سيقول "هذا المسؤول عايش حياته" أو ربما يشك في كل ذلك ويقول "صور مفبركة لعنهم الله". ويخطئ المعارض هدفه، ويذهب تعبه هباء.

إن المعارض الذكي هو الذي يختار المواد التي يعرضها لكي يكسب احترام الناس، حتى لو لم ينجح في تحقيق عدد كبير من المشاهدات، لأن الذي يشاهد البرنامج يريد أفكارا، أما الذي يشاهد برامج السب والشتم فهو يريد التسلية، ولن يحرك المحتوى فيه ساكنا، وهناك الكثيرون نجحوا بالفعل من تحقيق ملايين المشاهدات وصارت الشركات تعلن في برامجهم ولكن في النهاية، سيقول الناس عنه أنه مجرد "أزعر". وعندما يذكر المعارضون لا يذكر اسمه.

من جانب آخر، اصبح لدى الشعوب وعي بما هو جوهري وما هو على هامش الموضوع، وهم يعرفون أن قادة الدول العظمى متزوجون من نجمات الأفلام الإباحية، ولم يؤثر ذلك على مصداقيتهم وطريقة حكمهم الفعالة، كما أنهم يدركون أن الحياة الشخصية ليس لها علاقة بأسس الحوكمة الجيدة، وها هو ترامب في طريقه الى العزل عن الحكم بسبب انتهاك الدستور، ولم يعب أحد عليه زواجه من نجمة أفلام التعري، ولكن عندما تعلق الأمر بثوابت الديمقراطية الأميركية وتجاوز القانون، تحرك البرلمان وباشر التحقيق واتخذ القرار بالمضي قدما في إجراءات العزل وطرحها للتصويت.

والمضحك في الأمر أن الذين يبثون برامجهم موجودون في الخارج، أي أنه لا يوجد من يسجنهم أو يقتلهم ومعهم مساحة كبيرة لتناول قضايا في صلب طريقة الحكم وسيادة القانون، وكل الذين يخرجون معهم من القصص الشيء الكثير، فلماذا التركيز على الجانب الشخصي في برامجهم؟ إن هذا يسيء لهم ويفقدهم متابعيهم الجادين والذين يبحثون عن التجاوزات الحقيقية وليس مسائل التعري والعلاقات الخاصة.