عندما يكون الصراع في اليمن من أجل السلطة

كل يدعي الوطنية، وأن الآخر عميل ورجعي ومرتزق، إذن من هم غير الوطنيين في هذا الشعب المغلوب على أمره؟
سنستمر في انتاج الأزمات ما دمنا نصرّ على فرض تصورنا على الآخرين
الصراع لا أقل ولا أكثر هو صراع من أجل كرسي الحكم مصبوغ بشعارات استهلاكية

نحن واهمون إذا اعتقدنا أنا سنتجاوز الكوارث، التي حلت باليمن، بذات الأدوات والأطراف، التي كانت ومازالت تثخن في الوطن الجراح، تنظر للحلول من خلفياتها العصبوية الإقصائية، وصراعها مع الأطراف الأخرى، الوطن في نظرها، هو مقدار ما تكسبه من سلطة أو ثروة، والذي لا يمكن أن تناله إلا إذا أزاحت الآخر أو حددت له مساحة معينة، يتحرك فيها، بما لا يؤثر على مكاسبها، هكذا ترى أغلب النخب والقوى السياسية الوطن، ولأجل ذلك هي تسعى وتناضل.

المواطن اليمني، بل السياسي والمثقف والمفكر والصحفي والإعلامي، باتت رؤاهم وأفكارهم ومواقفهم، أسيرة قوى، تتصدر المشهد السياسي والنضالي، تنخر في جسد الوطن تعصبا وتخندقا وراء شعارات، وتصيد أخطاء؛ لتضمن لها موطئ قدم في السلطة.

الدولة والجمهورية التي تزعم كل القوى المتصارعة أنها تناضل من أجلها، هي التي تفترسها، وتحكم السيطرة عليها؛ لتفرض توجهاتها على الآخرين، ولتحمي وتحصن مصالحها، ومراكز النفوذ التابعة لها.

لو أن قضايا التنمية وهموم المواطن كانت هي السبب الأبرز لكل الصراعات، وهي الغاية المرجوة منها، لما استمرت الصراعات لهذا الوقت الطويل، لو أن استقرار اليمن كان هو ما يؤرق كل أطراف الصراع، لما كان الصراع بهذه الحدة، نحن أمام متاجرة بآلام ومعاناة الناس، رفع شعار الوطنية، وفي ذات الوقت غرق في الفساد والوصولية والانتهازية، وتوجبه خناجر الموت والجوع والانقسام لصدور اليمنيين.

كل يدعي الوطنية، وأن الآخر عميل ورجعي ومرتزق، إذن من هم غير الوطنيين في هذا الشعب المغلوب على أمره؟ المواطن الذي يدفع ثمن صراع، فرض عليه، لن يستقر اليمن، بنفس الوجوه أو الأدوات أو القوى أو النخب، التي أوصلتنا لهذا المنزلق الخطير والوضع المأساوي.

سنستمر في انتاج الأزمات، طالما نصر على فرض تصورنا على الآخرين، وطالما استمرينا في دائرة التحيزات والتخندقات الحزبية أو المذهبية أو المناطقية، العابرة للهوية الوطنية، والتي لا يستفيد منها غير مراكز قوى ونفوذ، خنقت وتخنق مستقبل وطن في دهاليز أوهامها، القادمة من أدغال الماضي ونفسياتها المأزومة.

ليعيدوا الأمر للشعب اليمني، هو الذي يحدد من يحكمه عبر صندوق الاقتراع، ليقلعوا عن الوصاية عليه وعن مصادرة حقوقه، في اختيار من يحكمه، الصراع لا أقل ولا أكثر هو صراع من أجل كرسي الحكم، مصبوغ بشعارات استهلاكية، تبقي الشعب اليمني مخدرا أو في غيبوبة مستديمة.