عندما ينام الآباء طويلا ماذا يفعل الأطفال؟

"المدينة النائمة" رواية تصلح للكبار والصغار معا ويمكن اعتبارها أيضًا حكاية رومانسية للبنات.
الرواية كتبت بلغة بسيطة رائعة، ترافقها بعض اللوحات التوضيحية بريشة الفنان التشكيلي صالح بك
هل تتخيلون ما قد يحدث إن سيطر النوم على كل من لديهم أطفال؟
الأطفال أثناء رحلة البحث عن شقيقهم الأصغر يواجهون أناس غريبي الأطوار

تتمتع الفكرة التي تشكل محور رواية "المدينة النائمة" للروائي التشيكي مارتن فوينكا بفرادة لافتة في رؤيتها ونسيجها حيث تقوم على مغامرة في عالم نام فيه كل الآباء، عالم نشب فيه صراع شرس على البقاء، أطرافه أطفال يعيشون وسط من تبقوا من الكبار، ليواجهوا بؤس العالم وما يحفل به من صراعات تلقي بظلال كثيفة عليهم. 
الرواية الصادرة عن دار الكتب خان وترجمها د. خالد البلتاجي كتبت بلغة بسيطة رائعة، ترافقها بعض اللوحات التوضيحية بريشة الفنان التشكيلي صالح بك. رواية مثالية ومسلية للشبيبة يجدون فيها مغامرة شيقة وبعض من المبادئ الأخلاقية.    
في الصباح، وكما هي العادة في كل يوم، تستيقظون لتجدوا أن الوالدين ما زالا نائمين. أمر طبيعي، رغم أن عادة الآباء والأمهات هي الاستيقاظ قبل أولادهم. لكن عندما يستمر نومهم حتى الظهيرة، ويمتد إلى المساء، وإلى اليوم التالي، ويظلون على هذا الحال رغم النداء عليهما، والصراخ فيهما. هنا لا يصبح الأمر عاديًّا. هل تتخيلون ما قد يحدث إن سيطر النوم على كل من لديهم أطفال؟ هذا بالفعل ما حدث في هذه الرواية "المدينة النائمة". 
يقول البلتاجي إن أربعة أشقاء، أكبرهم كريستوف، والتوأمان إيما وكريستينا، والصغير صامويل. عاشوا حتى وقت قريب في أسرة سعيدة. استيقظوا ذات صباح ليجدوا أنفسهم في موقف رهيب. سقط والداهم في نوم غامض، وعليهم أن يواجهوا الحياة بأنفسهم، وحدهم دون والديهم. يعرفون أن كل آباء وأمهات العالم قد ناموا. والأسوأ هو اختطاف الصغير صامويل من قبل رجل مجهول ادعي بأنه سيأخذه إلى المدرسة ليرعاه مع باقي الأطفال. 

البعض تعجبه الحكايات الخرافية، والبعض الآخر روايات الخيال العلمي التي يقترحها على أولاده للقراءة أو يختارها لنفسه. لكن فضلًا عن هذين النوعين يوجد نوع آخر يصلح للكبار والصغار

يقرر الأطفال ترك منزلهم والذهاب بحثا عن شقيقهم الصغير. يبدأ صراع الأطفال اليومي الذي لا ينتصر فيه سوى الأقوياء، والماكرين وعديمي الرحمة. لكنهم في الوقت نفسه يعرفون قيمة اتحادهم وائتلافهم، ومساعدة أحدهم للآخر، وعدم الاستسلام. هل سينجحون في استعادة شقيقهم الأصغر. وهل سيستيقظ والداهما؟
ويضيف أن الروائي مارتن فوينكا يضع الأطفال أثناء رحلة البحث عن شقيقهم الأصغر في مواجهة مع أناس غريبي الأطوار، متشددين دينيين، ومغتصبي أطفال، ومتنمرين ولصوص ومدمني خمور، ومجانين. يشير فوينكا إلى أن الإنسان لا يمكنه أن يحسب لمساعدة الآخرين له أي حساب وأن عليه أن يعتمد على نفسه. يرى العالم قاسيًا وقادرًا على أن يلتهم أي شخص بلا هوادة، يعتصره ويذيبه فيه إلى الأبد. يلتقون أيضًا خلال رحلة البحث عن شقيقهم مع نماذج طيبة من أناس ترغب في تقديم يد العون لهم، ومساعدتهم في الوصول إلى شقيقهم، ونماذج أخرى من الحالمين الذين لا يفعلون شيئًا سوى التمني، وغيرها من النماذج البشرية. 
ويلفت البلتاجي إلى أن تصرفات الأطفال الأربعة جاءت مغايرة لأعمارهم التي أعلن عنها الراوي إلى حد ما. صامويل البالغ من العمر ستة أعوام يتصرف وكأنه في عامه الرابع، وكريستوف الكبير البالغ من العمر خمسة عشر عامًا يتصرف أحيانًا مثل صبي صغير. كل الأطفال يتصرفون أحيانًا كأطفال مدللة لا يمكنها الاعتماد على أنفسها. لنعترف أن كريستوف الكبير غريب الأطوار بعض الشيء. فعندما نام والداهم لم يفكر أحدهم بالتواصل مع أصدقائهم. السؤال هو: هل لهم أصدقاء بالأساس. الكتاب يشير إلى أسلوب التربية المعاصرة، عندما يحقق الوالدان لأبنائهم كل ما يريدونه، ويفعلون عنهم ولهم كل شيء. فينشأ الأطفال وسط فقاعة ذهبية بعيدة عن الواقع، يتبعها اصطدام بالواقع الذي غالبًا ما يكون قاسيًا ويدفعهم إلى التنكر له. 

صراع الأطفال اليومي
صراع شرس على البقاء

ويرى أن موضوع الرواية يتعرض لقضية شكل العالم لو حكمه أناس بلا أطفال، ويفعل فيه الشباب ما يحلو لهم. ويقول "ربما لم يفرد الأديب مساحة كافية في الرواية لطرح هذه الفرضية ومناقشة آثارها. الخط الرئيسي للحدث يدور حول مصائر الأطفال - أبطال الرواية ومشاعرهم تجاه ما يحدث من حولهم، غضبهم أحيانًا، وبكاؤهم أحيانًا أخرى. إظهارها على أنهم يتمتعون بالشجاعة الكافية والنضج من أجل استعادة شقيقهم الأصغر صامويل.
الرواية تربوية إلى حد كبير. الأطفال الأربع مدللون إلى حد ما، عدائيون أحيانًا ويتشاجرون مع بعضهم كثيرًا، وهو أمر معتاد بين الأشقاء الصغار، لكنهم رغم ذلك قادرون على أن يتحدوا، يتمتعون بالشجاعة، ولا ينفكون يعبرون عن تفوقهم الأخلاقي على كل من يلتقونهم، بصورة مبالغ فيها أحيانًا نتيجة لتربية ذرعت فيهم هذه الأخلاق منذ الصغر. ربما كان السبب في ذلك هو أن يرى شقيقهم الأكبر البالغ من العمر خمسة عشر عامًا أن تدخين السجائر نقيصة أخلاقية لا تغتفر، وما إلى ذلك من تصرفات. أحيانًا تدعوهم أخلاقهم هذه إلى التعالي على الآخرين، وإظهار أنفسهم بأنهم هم من يعرف، ويحلل ويتحكم في الأمور.. الخ". 
البعض تعجبه الحكايات الخرافية، والبعض الآخر روايات الخيال العلمي التي يقترحها على أولاده للقراءة أو يختارها لنفسه. لكن فضلًا عن هذين النوعين يوجد نوع آخر يصلح للكبار والصغار. إنها "المدينة النائمة" التي يمكن أن تعتبر أيضًا حكاية رومانسية للبنات.
يذكر أن مارتن فوينكا كاتب ومستكشف وناشر، ولد في براغ عام 1963 لعائلة ضمت للتربية والتعليم، في 2013 تم انتخابه رئيسا لاتحاد الناشرين والمكتبات في التشيك من أعماله "الأسرار النائمة" و"العدالة". فيما المترجم د. خالد البلتاجي أستاذ مساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس وأستاذ زائر بجامعة مومنسكيهو في براتسلافا سلوفاكيا.