عن الصدريين وخصومهم: مابعد الجدل البيزنطي!

لا يهم إن كان الصدريون متدينين أم غير ذلك فهذه العناوين تصيب بالنفور أو يتبعون مقتدى الصدر فهذا خيارهم وهم أحرار مايهمنا أنهم جزء من هذا البلد وقوة شعبية مهمشة.

بقلم: رعد أطياف

قولوا عن التيار الصدري ما شىتم، وأطلقوا عنان الخيال لسيناريوهات محتملة، فالذي أعرفه أن الصدريين سيمارسون السلطة بشكلها الأكثر إتقاناً ووضوحا بواسطة الانتخابات. بعبارة بسيطة: سيتمسكون بالحلول السلمية، وليس كما يتوقعه لهم بعض أخوتنا. ولا أظنهم سيتحولون إلى "فرق موت وإعدامات"! فلا بأس أن أطلب من أصدقائي أن يرحمونا بنبوءاتهم المخيفة، هذه مبالغات لا صحة لها.

الذي يهمني شخصياً ان هذه القوة الاجتماعية الجبارة سيرتفع منسوب خطابها السياسي بشكل أكثر احترافية، وستلتفت - ربما- إلى حقوقها المهضومة وخسائرها الفادحة وتحقق أكبر فائدة ممكنة من خلال تواجدهم في السلطة. بالتأكيد هذا ما نأمله بعد الدرس القاسي والويلات المتتالية من قبل السابقين. يصعب علينا الرهان في هذه الزاوية بالذات ما لم نرَ الجماهير تطالب بحقوقها مرارا وتكرارا.

كنت أراهن سابقا - قبل الانتخابات بعام- أن الخطوة القادمة للصدريين هي التنظيم، وتحقق بالفعل هذا الرهان وهم الآن في الخطوات الأولى لهذا التنظيم، ومن المؤكد أن هذا التنظيم الفتي سترافقه بعض التلكؤات، وربما سيستلهم الكثير من التجربة التنظيمية العريقة للحزب الشيوعي، وكم أتنمى أن تبقى قنوات الحوار وعقد المؤتمرات مستمرة بين الحزبين، ولكم أن تخمنوا كم سيتطور الصدريون بسبب هذا الاحتكاك، أعرف حجم الحساسية التي نبديها تجاه هذا التحالف، لكن لا نقاء مطلقا تماما، ولا تجربة تحظى بمثالية، وشخصياً أنظر لهذا التحالف لما يتركه من بصمات ثقافية على الاثنين، أما البعد السياسي فاتركه لذوي الشأن.

أتمنى من أخوتي العقلاء وليس غيرهم، أن ينسوا تاريخ الصدريين مثلما نسوا عقدين من الحصار الاقتصادي المدمر من قبل الاميركان، فقد ذهب نتيجة هذا الحصار الحقير نصف مليون طفل ولم تتأسف مادلين اولبرايت على ذلك، بل قالت بالفم المليان: أعتقد أن الثمن يستحق ذلك! ونصيحة من شخص مجرب: لا تتطرفوا كثيرا في نظرتكم تجاه الصدريين، فسيتحولون إلى أعداء ويستذكرون هذه العدائية تجاههم في كل مناسبة. إن كنتم تؤمنون بقيم التنوير، فجوهر هذه القيم هو التسامح والاعتراف بالآخر.

أعرف حجم الفساد والإفساد في كل قاعدة اجتماعية واسعة كالقاعدة الصدرية، وأعرف ممن تسلقوا وانتهزوا الفرصة تلو الأخرى للفساد والإفساد باسم آل الصدر والتيار الصدري. وهؤلاء فاسدون ولصوص والجرح النازف في جسد هذا التيار الشعبي. غير أن هذا الحال ليس سمة صدرية، وآخر ما نتورط به في هذه الكلمات هو النظرة النبوية!، النظرة المعصومة، التي تنظر للأشياء بنقاء مطلق لايوجد سوى في الأذهان، فالفساد ملة واحدة كما يقول الراحل هادي العلوي.

يتحدث الكاتب عامر محسن عن أزمةً عميقة في هوية اليسار، وتعريفه لنفسه، وإستراتيجيته في الغرب، مستشهداً بشكوى المفكر السلوفيني سلافوي جيجك ، من نمطين من السياسات  المثالية، وأحدهما.

  التيّارٌ راديكالي فرنسي ينادي، بما يسمّيه جيجك، «سياسة صافية» وجذرية من قبيل "المساواة الكاملة، مثلاً، أو الديمقراطية الراديكالية"، ولكنه لا يحظى بترجمة عملية .إن هذا التيار، في جوهره، ليس يسارياً ولا شيوعياً - بحسب جيجك  بل يستكمل التراث المتطرّف في الثورة الفرنسية وأهدافه الرومانسية..

ربما هذه القسوة في المقارنة نابعة من نفور هذا الفيلسوف من الأفكار التي لا ترافقها بدائل موازية، او جنوحها المثالي البعيد.

المهم في الأمر، وما يهمني هو هذه النظرة الجذرية لتيار واسع في العراق وضعت هذه المقارنة، مع الفارق بين النظرتين: الأولى تمتلك الرؤية ولها تاريخ عريق، والأخرى غارقة بالشخصنة والعدمية، لكي أوضح من خلالها معنى ان تكون رافضاً لكيان اجتماعي واسع بحجج واهية، وأنت تمارس عليهم شوفينية وقسوة في الأحكام، وتطلب منهم أن يتغيروا!

لا يهمني إن كان الصدريون متدينين ام علمانيين لا اخفي عليكم فهذه العناوين تصيبني بالنفور، او يتبعون السيد مقتدى الصدر فهذا خيارهم وهم أحرار، مايهمني أنهم جزء أصيل من هذا البلد، وقوة شعبية مهمشة؟! وسيتحمل السيد مقتدى الصدر مسؤولية تهميشهم إن لم يحثهم على المطالبة بحقوقهم، فهم ينتهون ويأتمرون بأمره.

فلنقرأ الأمور بعيدا عن ثنائية "أحب وأكره". فاتركوا هذه الثنائية تتولاها الدول الإقليمية تجاه الصدريين، فلهم من العداء الإقليمي مايكفي لينوب عنّا، أمّا نحن فعلينا تحديد عدونا الحقيقي.

رعد أطياف

كاتب عراقي