عوالم "شيطان" أكثر وعورة وجرأة
بلوفديف (بلغاريا) ـ صدر حديثاً عن دار الدراويش للنشر والترجمة في مدينة بلوڤديڤ البلغارية المولود الشعري الثالث للشاعر السوري علاء زريفة بعنوان "شيطان" ويقع في 113 صفحة من القطع الأوروبي المتوسط.
كتاب "شيطان" يستقي من فعل الرفض الثوري جدواه المحاكية لواقع بائس مخلوق على الخطيئة واللعنة المسبقة. ويحاول أن يقدم نصوصاً أشبه بالصفعات المدوية التي تنتهي بارتكاب الجريمة الإبداعية الأجمل بقتل الآب ببعديه المادي والمعنوي، محاولاً الاتكاء حسب آرثر رامبو على جماليات القبح وأنسنة الموجود أو "الديزاين" - الكائن الانساني، وتقديسه على حساب السماوي الذي مات واندثر!
دون أن يدعي معرفة ثابتة مطلقة ولا أن يكون تطهيرياً بالمعنى الأرسطوي أو انفعالاً تسجيلياً لمصير مأساوي لبطل تراجيدي، بل التطهير الذي ينجم عن مشاهدة العنف يشكل عملية تنقية وتفريغ لشحنة العنف الموجودة مما يحرره من أهوائه، ويبث فيه روح التغيير الواعي، الذي يعززه الحضور الجمعي لذوات متعددة حرة. ويحاول أن يرتدي قناع الفطري العنيف.
شيطان يختلف عن "المسيح الصغير" - وهو الديوان الأول للشاعر عن نفس الدار البلغارية - الذي يبدو دعوة للثورة بمعناها الخاص والفكري واستخراج المدلول من وحي الكلمة التي تحيي وتميت. ومخالفاً لـ ”شوكولا” - الإصدار الثاني عن دار دلمون للطباعة والنشر في دمشق عام 2018 الذي كان فسحة ضوء أخيرة في سرداب عالم يبدو أنه نزع ورقة التوت الرومانسية.
في "شيطان" صراخ بطولي منفرد. بحيث يعيد الشاعر الكتاب مرافعة ذرية قابيل وما بعدها، وهناك معارضة لكل شيء بدءاً من قدس الأقداس السماوي مروراً بكل ما هو فلسفي وديني وسياسي. فهو لا يعترف بأي شيء أو فكرة، ويقف على حافته الفردية ناظراً نحو الهاوية. ورغم أنه يرتكز على الفعل الشيطاني مختصراً بمفردة "لا" ولكن يجعلها لا نهائية ومواجهة للعدم ولظلم الولادة والحياة مع خطيئة تلاحقنا حتى الموت، مواجهة مع السلطة الأبوية الجاثمة! ورفض أيضاً لمقابلها الأنثوي المتواطئ مع هذا المقدس.
عوالم "شيطان" أكثر وعورة وجرأة، لأنها تشهر سيفها لغوياً محاولة إنهاء عصر الغيبية الفكرية، وهو بمثابة جريمة ترتكب في وضح النهار.