عين ثالثة .. للاستشارات النفسية والزوجية

رضوى فرغلي: غالباً نعيش محاطين بضغوط الأسرة والعمل وعلاقات مزدحمة وجافة، علاقات أصبح معظمها مثل الهيكل العظمي، لا يكسوه لحم المحبة ولا نبض التواصل.
بعضنا لا يعرف الفرق بين اختصاصي العلاج النفسي، والطبيب النفسي
الطبيب النفسي متخصص في علاج المرضى النفسيين بالأدوية

القاهرة ـ من أحمد مروان

مثل قطار سريع تمر الحياة بنا، لا تتوقف كثيراً أمام مشكلاتنا، ولا ننتبه لأوجاعنا أحياناً، في كل الأحوال تمر الأوجاع، وعلينا أن نختار طريقة التفاعل معها وكيف نحقق وجودنا فيها، وبأي شكل سوف نستجيب لضغوطها واختباراتها ومطباتها الإنسانية!
وتؤكد الباحثة رضوى فرغلي في كتابها "عين ثالثة .. استشارات نفسية وزوجية" أننا غالباً نعيش محاطين بضغوط الأسرة والعمل وعلاقات مزدحمة وجافة، علاقات أصبح معظمها مثل الهيكل العظمي، لا يكسوه لحم المحبة ولا نبض التواصل، لولا وجود بعض المقربين الذين يهتمون بمشاعرنا ومعاناتنا الصامتة، وحين تبخل علينا الظروف بمثل هؤلاء المقربين لا نجد إنساناً يشاركنا الشكوى، ويعتمد هدوءنا النفسي أو عدم استقرارنا الداخلي على نوع رد الفعل الذي نتخذه تجاه إحباطات الحياة وعلى درجة الوعي والنضج لدينا.
وتضيف الباحثة: يلجأ البعض إلى المعالج النفسي ليفهم ظروفه، ويتعاطف مع ما يمر به حتى وإن كان على خطأ، يسانده ليتجاوز أزماته النفسية والاجتماعية، وربما بعضنا لا يعرف الفرق بين اختصاصي العلاج النفسي، والطبيب النفسي. الأول تخرج في قسم علم النفس وحصل على الماجستير والدكتوراه في الجانب الإكلينكي، إضافة إلى خبراته في العلاج النفسي عبر سنوات من التعامل مع المرضى والأسوياء ويمتلك رصيداً كبيراً من الإلمام بنظريات العلاج النفسي المختلفة، وحدساً إنسانياً وحساً إكلينيكياً عالياً، وقدرة على التحليل تمكنه من إقامة علاقة متزنة ومستقرة مع المريض أو المفحوص وقدرة على فهم الظواهر الإنسانية والنفس البشرية المركبة والمتشابكة والقدرة على إيجاد حلول لها لتخرج من أزمتها ومساعدة الشخص على الاستبصار بنفسه ومن حوله وتعبير أفكاره ومفاهيمه للأفضل. أما الطبيب النفسي، فهو من تخرج في كلية الطب فرع الطب النفسي، وهو متخصص في علاج المرضى النفسيين بالأدوية.
خجل اجتماعي

غياب الاهتمام النفسي والعاطفي يجعل الأبناء يعانون قصوراً في تطور قدراتهم وانخفاض الثقة بالنفس، والخجل الاجتماعي، والشعور بالرفض من المجتمع، والتأخر الدراسي، واضطرابات النطق، والقلق المبهم. وهو أكثر عرضة من غيرهم مستقبلاً لتعاطي المخدرات وانحراف السلوك

رصدت الباحثة في كتابها في 45 مشكلة نفسية وزوجية، هي حصيلة بعض اللقاءات المباشرة في عيادتي أو عبر الرسائل على صفحات الفيسبوك. أرادت من خلالها تقديم نماذج لمشكلات الحياة التي تواجه شريحة كبيرة من المجتمع في البيت والمدرسة والعمل ومع أولادهم وشركاء حياتهم، بهدف أن يستفيد القارئ الذي يعاني مشكلات مشابهة ولم تمكنه ظروفه من الذهاب لعيادة المعالج النفسي، ومن الممكن أن تكون هذه الاستشارات مثل علامة على الطريق تنبه البعض إلى تجنب حدوثها أصلاً في حياته من باب الحكمة القائلة "الوقاية خير من العلاج".
وتؤكد الباحثة: اعتمدت في مناقشتي للقضايا المتعلقة بهذه الاستشارات على قناعتي العلاجية، وهي أن العلاج النفسي ليس وعظاً أو إرشاداً دينياً، والمعالج النفسي ليس رجل دين يحلل هذا السلوك ويحرم ذاك، هذه ليست مهنته، ولا مهمته أن يحكم أخلاقياً على الأشخاص أو يفرض عليهم مرجعية معينة بتعسف، وظيفة المعالج أن يتقبل المريض كما هو ويحاول تفهم مشكلته ومساعدته على فهمها أيضا ومساندته ليجد حلولاً تناسب ظروفه وشخصيته، وتنمية ذاته لتصبح أقوى في مواجهة مشكلات الحياة واتخاذ القرارات وإدارة علاقاته مع الآخرين بتوازن، حتى تتحقق له درجة جيدة من الصحة النفسية.
لذلك، لا تتطرق الردود غالباً إلى النصائح المباشرة التي توجه القارئ إلى رأي بعينه يتخذه المعالج نيابة عنه، وإنما تدعو صاحب المشكلة إلى التفكير من زوايا مختلفة وتمنحه فرصة لمراجعة أفكاره وسلوكه ونظرته للأمور، وبالتالي اتخاذ قرارات مستنده إلى وعي أكبر وحرية نفسية أعمق، وتكون مناسبة لطبيعته الشخصية وظروفه الحياتية، فوظيفة المعالج النفسي أن يفتح للإنسان الباب للإختيار المسئول بين عدة بدائل وعليه أن يحدد هو خياراته.
وتضمن الفصل الأول من الكتاب استشارات تتعلق بالحياة الزوجية والجنس واضطراباته، تلك المشكلات التي نحمل تجاهها مشاعر متناقضة ما بين الخجل ونظرات الريبة والإدانة، وما أكثر التناقضات التي نعيشها عندما نواجه مشكلة جنسية ما، معظمنا لا يعترف بها ولا يسعى إلى حلها، بل يحتفظ بها داخل غرفة سرية، لا يطلع عليها أحد، ظناً أن إخفاءها وتجاهلها هو الحل الصحيح، فنجد الرجل أو المرأة، يتألم ألماً شديداً من فقدانه المتعة ومع ذلك يستحي من مراجعة معالج متخصص تحت وطأة الحرج والخوف من افتضاح أمره وعدم قدرته على الاعتراف بالمشكلة، ومع مرور الوقت وعدم المواجهة تنشأ مشكلات أخرى أكثر تهديداً لعلاقتنا مع أنفسنا وشريك حياتنا مثل: زيادة الخلافات الزوجية لأن الطرفين غير قادرين على حل المشكلة الأساسية، وبالتالي يحدث لها إزاحة على أمور حياتية أخرى مثل الخلافات على الأكل وتدريس الأولاد والأمور المادية، وهي في ذاتها ليست السبب الحقيقي للخلاف. 

45 مشكلة نفسية وزوجية
نماذج لمشكلات الحياة 

ومن يعاني مشكلات جنسية دون مواجهتها، أكثر عرضة للتوتر والقلق واضطرابات النوم والعصبية والمزاج الاكتئابي، كما يعاني مشكلات مهنية وواقعية كثيرة نتيجة عدم انسجامه مع نفسه، وقد يلجأ البعض إلى بدائل مشوهة من ممارسة الجنس، مثل الاستنماء والجنس الافتراضي والجنس عبر التليفون وإدمان المواقع الإباحية، واستعمال المنشطات بطريقة خاطئة وغيرها، وهو ما يفسد الصحة والحياة الزوجية.
لذلك، فإنه من الضروري التعامل مع مشكلاتنا الجنسية بوعي وتحرر من الأفكار الخاطئة، فلا يصبح الجنس مثل مارد لعين يطاردنا أينما ذهبنا، ويظل مسيطراً على تفكيرنا وحياتنا بكل الطرق الإيجابية والسلبية، بينما هو في الحقيقة فعل حميم وتواصل راقٍ.
ويتضمن الكتاب أيضاً، في الفصل الثاني منه، بعض مشكلات الأطفال والمراهقين، حيث يفشل الوالدان في مواجهتها نتيجة عدم الوعي التربوي أوالانفصال النفسي عن الأبناء، فنجد آباء مثلاً لا يتذكرون في أي مرحلة يدرس أولادهم، ولا يعرفون تواريخ ميلادهم، ولم يجلسوا معهم جلسة مودة وتفاهم ليسألوا عن أخبارهم، لم يستمعوا يوماً لأحلامهم وهواجسهم، كذلك الأبناء لا يعرفون شيئاً عن أبويهم، وبعض الأسر تعيش في عوالم مختلفة يجمعها فقط مكان النوم، وربما يتراسلون عبر "الواتساب" أو "الفيسبوك" أو غيرها من وسائل "التواصل الافتراضي"، فتحولت معظم العلاقات إلى "افتراض" وليس حقيقة.
إن غياب الاهتمام النفسي والعاطفي يجعل الأبناء يعانون قصوراً في تطور قدراتهم وانخفاض الثقة بالنفس، والخجل الاجتماعي، والشعور بالرفض من المجتمع، والتأخر الدراسي، واضطرابات النطق، والقلق المبهم. وهو أكثر عرضة من غيرهم مستقبلاً لتعاطي المخدرات وانحراف السلوك.
لاشك أن العلاقة المتناغمة بيننا وبين أنفسنا، ومع شركائنا في الحياة، هي ما تخفف كثافة الهموم ورتابة العيش وتجعلنا نحيا بأقل قدر من الخسائر وأكبر قدر من التوافق والإشباع.
يذكر أن كتاب "عين ثالثة .. استشارات نفسية وزوجيةط للباحثة رضوى فرغلي، صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. (وكالة الصحافة العربية)