غابت المحاججة وحضر الغلو.. الأدب التكفيري في قم

أحد مراجع تقليد الشيعة يواجه التكفير بسبب دعوته إلى مراجعة جذرية لفقهاء الشيعة في أصولهم الفقهية الكلامية في ما يتعلق بالمذاهب الإسلامية الأخرى.
دعاة ومفكرون يحذرون من انتشار التكفير في حوزة قم
سجالات بين رجال الدين الشيعة بسبب مرجع تقليد يخالفهم الرأي

طهران -  تعيش إيران على وقع جدل ديني فكري بسبب مخاوف من تشكل موجة تكفيرية داخل حوزة قم العلمية على خلفية تكفير الرئيس السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب محسن أراكي لكمال حيدري أحد مراجع تقليد الشيعة فقط لأنه قال في تصريحات قبل شهر لقناة العراقية إن "التكفير لا يقتصر على أهل السُنّة وقضية التكفير موجودة أيضا بين علماء الشيعة"، داعيا إلى مراجعة جذرية لفقهاء الشيعة في أصولهم الفقهية الكلامية في ما يتعلق بالمذاهب الإسلامية الأخرى".

وأضاف أن "علماء الشيعة في الوقت الراهن يؤمنون بالتكفير الباطني للسّنة وعلى الرغم من أن السنّة هم من المسلمين، يعتقد بعض رجال الدين الشيعة أن السنّة ليسوا مسلمين باطنا".

وليس ثمة ما يستدعي كل هذا اللغط الذي أثاره أراكي وانساق خلفه كثيرون من داخل الحوزة الدينية، إلا الغلو والانحراف إلى التطرف الديني والتحريض بما يغلق باب الاجتهاد والتفكير وبما يوجه إلى تبني رأي واحد ممعن في الانغلاق ومغرق في الإقصاء.

ويفترض أن الرأي وإن خالف المذهب والطائفة في هيئة دينية سواء شيعية أو سنّية أن يُشجع على الحوار والنقاش، لكن محسن أراكي دفع إلى مسار عكسي. والتكفير قضية حساسة خاض فيها العلماء من أهل السنّة والشيعة.

وأثار تكفير أراكي لكمال حيدر مخاوف عدد من المفكرين من حالة الشحن داخل الحوزة الدينية وقلقا من "تشكيل موجة من الاختناق وانتشار الأدب التكفيري في حوزة قم".

وأشارت رسالة حملت توقيع 15 مفكرا من الدعاة الحداثيين إلى أن جمعية مدرسي قم وصفت كمال حيدري بـ"كهف مليء بالشكوك"، معتبرة أنها ظهرت مرة أخرى كشرطة للحوزة.

وفي ردّه على تصريحات حيدري قال أراكي في بيان إنه رجل دين وقع في فخ أجهزة المخابرات العالمية، مضيفا أن "مرجع التقليد بدأ مؤخرا بعصيان كبير ونسب إلى علماء مذهب أهل البيت ادعاءات كاذبة ومزيفة وقاسية وعدائية بأنهم يكفّرون جميع المسلمين"، معتبرا ذلك "افتراء عظيم".

وبدلا من المحاججة دينيا وفكريا، نعت الرئيس السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب حيدري بأنه "فاسق ومن أهل البدع ودجّال".

وحرّض عليه بالقول "يجب على كل المسلمين أن يتبرؤوا منه وأن يخلعوا ملابسه الدينية"، مضيفا "أي تعاون معه وتأييده ودعمه بأي شكل من الأشكال، يعد فعلا حراما ومن يفعل ذلك فهو مجرم ويستحق العقوبة الإلهية".

وانساقت جمعية مدرسي حوزة قم في هذا مسار الغلو ببيان قالت فيه إنها تراقب كمال حيدري منذ سنوات، معتبرة أن "آراءه الباطلة قد ظهرت منذ فترة طويلة ورغم قبوله معظم التحذيرات والالتزام بتصحيح الأخطاء والتعويض عنها،  إلا أنه لم يَف بوعوده ولم يصحح منهجه".

وتابعت أنها "تحذر أعضاء المجتمع الإسلامي من فتنة أمثال كمال حيدري، فالطريق الذي سلكه هذا الشخص سيؤدي في نهاية الأمر إلى الانحراف والضلال".

ويقول موقع 'ايران واير' إن الحيدري هو رجل دين من أصل عراقي يعرف بأفكار دينية مختلفة وآراءه غير مقبولة لدى رجال الدين التقليديين.

ويشير الموقعون على الرسالة التي حذروا فيها من موجة الغلو والتكفير داخل الحوزة الدينية إلى ما وصفوه بـ"المفارقة المريرة" في هذه القضية فالفقيه محسن اراكي استخدم الأدب التكفيري ضد الفقيه الشيعي (كمال حيدري) بدل المحاججة ليبين أن "الفقه الشيعي ليس تكفيريا".

وتساءلوا "كيف يمكن لفقهائنا أن يدّعوا التقارب مع السُنّة وحتى الحوار مع الأديان الأخرى وقبل كل شيء الحوار مع من لا يؤمنون بدين، بينما لا يستطيع فقيه شيعي التحدث إلى فقيه شيعي آخر دون الأدب التكفيري؟."

آراء خلافية

ويبلغ الحيدري من العمر 64 عاما، لكنه يعتبر أصغر من بعض المقلدين الآخرين ومعروف في هذا المجال ولديه طلاب مشهورون وكان معاصرا لرئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران محمود هاشمي شهرودي وانتقل من العراق ليستقر في قم مع بداية الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي.

ومن القضايا الخلافية التي جعلت منه موضع استهداف من قبل جمعية مدرسي قم منذ سنوات آراؤه حول المرأة والحجاب والتصوف الإسلامي فمن أرائه أن تسعين بالمئة من الأحكام المتعلقة بالمرأة تتعلق بظرف زمني وثقافي معين لم تعد قابلة للتطبيق في الوقت الراهن، مشيرا إلى أن بعض الأحكام التي تعود إلى عهد نبي الإسلام محمد يمكن تطبيقها بعد 20 سنة مثلا، مضيفا "لكن يريدون تنفيذ أحكام 1400 سنة"! في إشارة إلى اختلاف ظرف وزمن تلك الأحكام.

ومن آرائه أيضا أنه يجب على الأب إجبار ابنته على ارتداء الحجاب "بأمر الخير" وبشرط "عدم الإضرار"، أما إذا لم تستمع الابنة إلى نصيحة الوالدين، فإن النصيحة والتعليم غير ملزمة.

لكن القضية الأكثر حساسية التي أثارت ردود فعل في الحوزة العلمية هي تلك المتعلقة يتعلق بآراء الشيعة تجاه المسلمين الآخرين.

ويقول الحيدري "الشيعة لم يعودوا يعتبرون الديانات الإسلامية مثل السنّة مسلمين. يمكن أن يكون هذا الاعتقاد مشابها لمعتقدات بعض الجماعات مثل داعش، التي تعتبرهم غير مسلمين وتطردهم من دائرة الإسلام"، مضيفا أن القصد هو القضايا والمناقشات الدينية في الحوزة، وليس الوضع السياسي والاجتماعي وطريقة تعامل الشيعة مع المسلمين الآخرين.

وقال في المقابلة التي أجرتها معه قناة العراقية والتي أثارت غضب مدرسي الحوزة الدينية وبعض رجال الدين "اعتقد علماء الشيعة اللاحقون في التكفير الباطني للسنّة. معناه أن أهل السنّة مسلمون في الدنيا والظاهر، لكنهم ليسوا مسلمين في الباطن وفي الآخرة".