غرايبة يؤكد أن التطرف نزعة فردية تستفحل في غياب العقل 

فاطمة الزبيدي: الوسطية هي الموقف الوسط بين اتجاهين أو فكرتين يجمع بينهم وان كان مستقلا اأو مختلفا عنهما.
"منتدى شومان" يحتفي بكتاب "التطرف" للباحث إبراهيم غرايبة
التطرف يعني الزيادة في التطبيقات والأفكار الدينية على النحو الذي يتجاوز جوهر الدين

عمّان ـ رأى الباحث والصحافي إبراهيم غرايبة، أن مسألة التطرف ظاهرة اجتماعية متصلة بمتغيرات عديدة، وتشغل جميع العالم، مبينًا أن التطرف نزعة فردية تستفحل في غياب العقل الاجتماعي.
جاء حديث غرايبة، خلال احتفاء منتدى عبدالحميد شومان الثقافي، أمس الاثنين، بإشهار كتابه الصادر حديثا "التطرف" بدعم من المنظمة العربية للتنمية والديمقراطية، حيث تحدث في الحفل بالإضافة إلى المؤلف، كل من سعود الشرفات، فاطمة الزبيدي، بينما قدّمت المتحدثين سمر محارب.
وذهب غرايبة إلى أن التطرف الديني صعد منذ سبعينيات القرن العشرين، وصحبته موجات من الكراهية والعنف التي تحولت إلى متوالية من العمليات الإرهابية والرد عليها، ثم إلى صراعات وحروب أهلية طاحنة عصفت بكثير من الدول والمجتمعات، واستنزفت موارد هائلة، ونشأت في الوقت نفسه بطبيعة الحال عمليات واسعة للمواجهة والدراسة والفهم.
واضاء غرايبة على مفهوم التطرف، الذي اعتبر أنه يعني الزيادة في التطبيقات والأفكار الدينية على النحو الذي يتجاوز جوهر الدين، وهو، يصطدم مع فلسفة الدولة والحريات والحقوق، مشيرا إلى أن الكراهية تعد أخطر ما يصل إليه التطرف. 
ولفت إلى أن الكتاب يتكون من تسعة فصول: الأول جينالوجيا التطرف، ما التطرف؟ من أين جاء هؤلاء المتطرفون - تعريف التطرف في المفهوم والواقع، وتتبع التطرف بما هو سلسلة من التشكلات والسياقات والمشاعر والأفكار، وعرض مجموعة من الدراسات التي تناولت ظاهرة التطرف". 
بدورها، اعتبرت مديرة وحدة السياسات الاجتماعية في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، فاطمة الزبيدي أن تفسير ظاهرة التطرف ليس سهلا، مبينة أنها ظاهرة معقدة، ولا بد من إشراك مختلف العلوم في تفسيرها من علوم الاجتماع إلى النفس إلى الانثروبولوجيا والتاريخ والسياسة، وتوظيفها من أجل فهم هذه الظاهرة والوقوف عليها. 

الواقع المأساوي الذي نمر فيه حاليًا، خصوصا في ما يتعلق بالتطرف استطاع المؤلف غرايبة أن يناقشه ويسلط الضوء عليه بدقة متناهية

وحول التميز بين التطرف والاعتدال، بين الزبيدي أن مفاهيم ومصطلحات من قبيل الوسطية والاعتدال والتطرف واضحة ومحددة، لكن لا يمكن اقتباسها في الشرق إلا باقتباس الفلسفة والفكرة المنشئة لها، حيث تبدو لدى فهمها في الخطاب الإسلامي السائد او المتبع مختلف اختلافا كبيرا تحتاج إلى خطاب إسلامي جديد.
وبحسبها، فإن التطرف هو الاختلاف عن العقد الاجتماعي السائد أو الخروج عليه، أما الوسطية فهي الموقف الوسط بين اتجاهين أو فكرتين يجمع بينهم وان كان مستقلا اأو مختلفا عنهما، مبينة أن في ذلك ثمة افتراضات عدة أساسية حاكمة تعمل في الغرب ولا تعمل في الشرق العربي والإسلامي.
ونبهت الزبيدي إلى أن المؤلف قدم مقاربة بين الكراهية والتطرف الديني من منظور اجتماعي، كما نظر إلى التطرف على أنه مؤشر اجتماعي، لافتة إلى أن الدولة تقع عليها مسؤولية مراجعة سياساتها وبرامجها الاجتماعية والثقافية والتأكد من خدمة تطلعات المواطنين وتشجعيهم على الاندماج الاجتماعي والمشاركة الاقتصادية.
ولفتت إلى أن استقرار العلاقات الاجتماعية يقوم على وجود بناء معياري مرتبط بالسلوك بحيث يكون هناك قبول أو اتفاق جماعي على هذا البناء، مؤكدة أن انعدام المعايير تعرض سلوك الأفراد إلى الفوضى وتخرجهم عن المعايير المقبولة في مجتمعاتهم مما يعرضهم إلى الانحراف والتطرف. 
أما مؤسس ومدير عام مركز الشرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب د. سعود الشرفات فرأى في قراءته لكتاب الغرايبة أن الكتابة عن التطرف، هذه الأيام، يحتاج إلى بصيرة استشرافية وإحساس ومعرفة عميقة بمعنى الدين كحاجة إنسانية.
ولفت الشرفات إلى أن المؤلف دفعنا لمزيدٍ من اليقظة، والتحفز، والدهشة التي تعني الشعور بخروج الظواهر عن مألوف خبرتنا ومعتقداتنا، ليضعنا أمام لجاجةُ السؤال؛ مؤكدا أن ميزة الكائن المُفكر هي في طرح الأسئلة، وليس في الإجابات المتلعثمة؛ أو المزهوة بادعاء المعرفة.
ونقلا عن كتاب غرابية، بيَّن الشرفات أن التدين منتج حضاري اجتماعي يعكس الحالة الاجتماعية والسياسية في المجتمع، ويأخذ بالعادة أشكالاً مختلفة ومتعددة للمتدينين، والتطرف ذو طبيعة واحدة مهما تعددت أشكاله، وأسبابه.
ورأى أن العولمة أثرت بآلياتها المختلفة، خصوصا التكنولوجية على زيادة انتشار ظاهرة التطرف العنيف والإرهاب من خلال تفتيتها العنيف للبنى الاجتماعية، وضغطها للمكان؛ مما أدى إلى تحطيم الحواجز الجيوسياسية والنفسية، وعمق الشعور بالمواجهة بين البشر.

وأكد الشرفات على أهمية دور وتسارع تأثير "الشبكة العالمية" على حياتنا المعاصرة وعلى ظاهرة التطرف العنيف والإرهاب في تعليمنا المدرسي والجامعي، إلى جانب العديد من القوانين والأنظمة والتشريعات الناظمة للحياة السياسية في الأحزاب والتنظيمات وتشكيل الحكومات والمؤسسات الحكومية.
كيف نواجه التطرف والإرهاب؟ أجاب الشرفات "ميزة الغرايبة في كل نتاجه الفكري منذ ثلاثة عقود - وليس في هذا الكتاب فقط - أنه لا يتحدث عن المشاكل والمعضلات دون أن يطرح وجهة نظره الخاصة والحلول التي يرى أنها تساهم في حل معضلاته".
 وبين الشرفات هنا، أن "معالجة" أسباب ظاهرة التطرف العنيف والإرهاب، يتحقق بمشاركة واسعة من كافة الأطراف الفاعلة في المجتمع ابتداء من الدولة، إلى مؤسسات المجتمع المدني إلى الأفراد الفاعلين في المجتمع؛ بهدف "الإصلاح والحوار والانتماء والمشاركة والتسامح والحرية والتأهيل المجتمعي، وتطوير التعليم والمناهج ووسائل الإعلام.
فيما بينت محارب، خلال تقديمها للاحتفائية أن الواقع المأساوي الذي نمر فيه حاليًا، خصوصا في ما يتعلق بالتطرف استطاع المؤلف غرايبة أن يناقشه ويسلط الضوء عليه بدقة متناهية. 
وفي ختام الندوة الاحتفائية وقَّع المؤلف كتابه الجديد للحضور.
غرايبة، يكتب في الصحف الأردنية والعربية. تناول في كتبه ودراساته مجالات الفكر الإسلامي، والعمل الاجتماعي، والتنمية والإصلاح، وعروض الكتب، والثقافة، كما عمل في مجال الدراما وقدم برنامجا تلفزيونيا عن الكتب. من مؤلفاته "جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، الحركة الإسلامية والحقوق والحريات، شارع الأردن: رؤية للإصلاح والتنمية في الأردن، الخطاب الإسلامي والتحولات الحضارية والاجتماعية، وغيرها".