غياب الاستقرار السياسي يُضعف جهود مكافحة الإرهاب في تونس

باحث متخصص في شؤون التنظيمات الجهادية يرى أن ما يحدث في تونس هو تداعيات توظيف الدين في السياسة والتسامح مع الجماعات المتشددة عقب ثورة 2011 وإفلات مروجي خطابات التطرف من العقاب.
ضعف الخطاب الديني يلقي بتونسيين في أحضان قنوات تروج للعنف
المقاربة الأمنية لوحدها لا تكبح التطرف في تونس
العنف يتصاعد في تونس مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية

تونس - أعاد اعتداء نيس الذي نفذه تونسي وصل حديثا إلى فرنسا، طرح سؤال حول مدى مضي تونس في مكافحة الإرهاب خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها السلطات لوضع إستراتيجية ملائمة وسط غياب الاستقرار السياسي.

ويصعب تحديد ما إذا كان المشتبه به إبراهيم العويساوي (21 عاما) قد خطط للعملية انطلاقا من تونس أو بعد الوصول إلى أوروبا عبر مسارات الهجرة غير القانونية في منتصف سبتمبر/ايلول.

ولم تتبن الاعتداء على الكنيسة بمدينة نيس في 29 أكتوبر/تشرين الأولوأسفر عن ثلاثة قتلى، أي جهة.

ولا تزال تونس تشهد بين وقت وآخر عمليات إرهابية تستهدف أمنيين، وإنما بنسق أقل مقارنة بعام 2015 الذي شهدت فيه البلاد اعتداءات دامية أسفرت عن مقتل أمنيين وعناصر في الجيش وسيّاح.

ويقول رئيس منظمة اتحاد التونسيين المستقلين من أجل الحريات معز علي "نعوّل كليّا على المقاربة الأمنية ولا نعطي الأهمية الكافية للمقاربة الوقائية التي ليست في المستوى بعد في تونس".

ويشير علي إلى أنّ من أسباب تنامي الظاهرة الانقطاع عن التعليم وغياب "تأهيل الأطفال" وسط تنامي مؤشرات العنف في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة.

وتابع "لا يمكن أن ننتظر منهم إلا أن يتبعوا الطريق الخطأ، إما ركوب البحر (الهجرة غير القانونية) أو الالتحاق بالتنظيمات الجهادية"، مشددا على أن الوقاية يجب أن تشمل المدرسة والعائلة والسجون ودور الشباب لتعزيز الشعور بالانتماء المجتمعي.

ويقول رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب منير الكسيكسي "إذا أردنا مجابهة ذلك، يجب حصر الأسباب". وأمام تصاعد الظاهرة، أرست السلطات التونسية الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب عام 2016 لوضع المخطاطات الإستراتجية والتنسيق اللوجستي والاستشاري مع الوزارات.

لكن هناك تأخر في انجاز هذه الإستراتيجية وتنفيذها "بسبب غياب الاستقرار السياسي وتتالي الحكومات"، وفق الكسيكسي.

ومنذ عام 2011 تعاقبت تسع حكومات على السلطة ولم يدم بعضها إلا لأشهر قليلة بسبب التجاذبات السياسية.

هجوم نيس يعيد تسليط الضوء على جهود تونس في مكافحة الإرهاب
هجوم نيس يعيد تسليط الضوء على جهود تونس في مكافحة الإرهاب

وأوضح الكسيكسي أنه إضافة إلى تصاعد خطابات العنف في المجال السياسي عبر وسائل الإعلام، تطورت ظاهرة الانجذاب إلى الأديولوجيات المتشددة عبر انتشار خطابات الكراهية ضد المسلمين في الخارج، كما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مضامين تهدف إلى التطرف.

ويعتبر الباحث في التنظيمات الجهادية علية العلاّني أن ما يحدث في تونس هو تداعيات "توظيف الدين في السياسة" والتسامح مع الجماعات المتشددة في أعقاب 2011.

ولفت العلاّني وهو أستاذ جامعي وباحث في التيارات الراديكالية، إلى إفلات مروّجي الخطابات الدينية المتشددة من العقاب.

ويرى أن الخطاب الديني الموجود "ضعيف شكلا ومضمونا وليس جذابا وهو ما يدفع الشباب إلى البحث عن خطابات بديلة" عبر قنوات أخرى عادة ما تروّج للعنف.

والكثير من منفذي الهجمات المسلحة سواء في تونس أو في الخارج، من الشباب الذين كبروا مثل إبراهيم العويساوي في بيئة تشهد مستويات من العنف والاستهلاك المفرط للمخدرات، ثم حدثت لهم نقلة سريعة نحو الالتزام بالدين.

ولم يكن المشتبه فيه في اعتداء نيس معروفا لدى السلطات التونسية المكلفة بتتبع الجهاديين، وتمت مقاضاته سابقا فقط في قضايا تتعلق بالعنف والمخدرات. وهناك من تم استقطابهم وتأطيرهم للقيام بعمليات داخل أوروبا.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2016 قام أنيس العمري (24 عاما) وهو طالب لجوء تونسي رُفض طلبه ومعروف بتطرفه بخطف شاحنة واقتحم سوقا للميلاد مزدحما في وسط برلين، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا. وظهر اثر ذلك في مقطع فيديو وهو يعلن مبايعته لتنظيم الدولة الإسلامية.

وشهدت نيس كذلك في 14 يوليو/تموز 2016 اعتداء خلال الاحتفالات بالعيد الوطني، أدى إلى مقتل 86 شخصا. وصدم المهاجم محمد لحويج بوهلال وهو فرنسي تونسي يبلغ من العمر 31 عاما، بشاحنة كان يقودها، أطفالا وعائلات كثيرة وسياحا أجانب خلال أربع دقائق، قبل أن تقتله قوات الأمن.