فائزان بنوبل للكيمياء يحذران من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي
ستوكهولم - يأمل اثنان من الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل في الكيمياء الذين كوفئوا لكشفهم أسرار البروتينات بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، في أن تتيح أبحاثهما "تقدما علميا مذهلا"، لكنهما حذرا الأربعاء من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي.
ومُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024 للأميركي ديفيد بيكر مناصفة مع البريطاني ديميس هاسابيس والأميركي جون جامبر، تقديرا لكشفهم أسرار البروتينات بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي وعلوم الكمبيوتر، حيث تلعب الجزيئات دورا أساسيا في كل وظائف الكائنات الحية تقريبا.
وأشادت لجنة الجائزة خلال الإعلان عن الفائزين في العاصمة السويدية ستوكهولم، بهؤلاء الباحثين الذين نجحوا "في فك رموز هياكل البروتين المذهلة"، وباكتشافاتهم التي "تقدم إمكانات هائلة".
وقال جون جامبر خلال مؤتمر صحافي في لندن مع ديميس هاسابيس إن هذه الجائزة "تمثّل الوعد في علم الأحياء الحسابي".
ويتولى هاسابيس وجامبر إدارة شركة "غوغل ديبمايند" Google DeepMind. وقد طورا سنة 2020 نموذج ذكاء اصطناعي يسمى "ألفافولد2" AlphaFold2 لتحديد بنية البروتينات.
وأضاف جامبر "نريد أن نجعل العالم مكانا أفضل ولدينا أدوات قوية بشكل لا يصدق تتيح ذلك. وسنتمكن في النهاية من جعل الناس يتمتعون بصحة جيدة بفضل العمل الذي ننفذه بواسطة الذكاء الاصطناعي"، متمنيا أن "تكون الجائزة علامة" على أنه وزميله نجحا في "فتح الطريق للكثير من جوانب التقدم العلمي المذهل".
أما هاسابيس فأوضح أن أبحاثهما قد تساهم بقدر كبير في التوصل إلى أدوية، مما يقلل وقت العمل المطلوب "من عقد تقريبا أو أكثر إلى… بضعة أشهر ربما".
إلا أن هاسابيس (48 عاما) حرص على التحذير من المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، "أحد أكثر التقنيات التحويلية في تاريخ البشرية".
ولاحظ أن لديها "إمكانات كبيرة جدا للخير… ولكن يمكن استخدامها أيضا للشر"، مضيفا "علينا فعلا التفكير مليا كلما أصبحت هذه الأنظمة والتقنيات أكثر قوة"، قائلا "أنا أؤمن كثيرا بالبراعة البشرية"، معتبرا أن البشرية تستطيع أن تحل الكثير من أصعب مشاكلها "إذا توافر الوقت الكافي، والإمكانات الكافية والعدد الكافي من الأشخاص الأذكياء".
وكان الرجلان اللذان جرى التداول باسمهما بين المرشحين لهذه المكافأة، قد حصلا بالفعل على جائزة لاسكر المرموقة في عام 2023.
وقال هاسابيس لوكالة "تي تي" للأنباء على إثر إعلان الأكاديمية عن فوزه بالجائزة مناصفة مع جامبر وبيكر "لقد شعرتُ بالذهول وفقدت الإحساس بالواقع لبضع دقائق".
وأكد هاسابيس لرويترز "من الصعب تصديق الأمر صراحة، إنه لحدث هائل حقا"، مضيفا "تعرفنا على ديفيد بيكر في السنوات القليلة الماضية. واضطلع ببعض الأعمال الرائدة في تصميم البروتينات… لذا، فإنه من الرائع حقا أن أتلقى الجائزة معهما".
وحول عمله مع جون جامبر، قال هاسابيس "لقد كان تحديا حقيقيا لعلم الأحياء الحسابي"، متابعا "لقد استخدمنا كل تقنيات التعلم الآلي الحديثة والبنية المعروفة التي اكتُشفت خلال السنوات الخمسين الماضية، وتمكنا من بناء نظام قادر على طي وإيجاد بنية كل بروتين معروف علميا تقريبا".
وهذه هي الجائزة الثانية التي تُمنح هذا الأسبوع لأعمال استُخدم فيها الذكاء الاصطناعي، مما يبرز الأهمية المتزايدة لتعلم الآلة والنماذج اللغوية الكبيرة للعلوم.
وأفاد هاسابيس "لدي دائما شغف بتقنية الذكاء الاصطناعي… لكنها، مثل غيرها، من التقنيات القوية متعددة الأغراض، يمكن استخدامها لأغراض خبيثة إذا وقعت في الأيدي الخطأ".

وحصل بيكر على نصف الجائزة عن عمله بمجال "تصميم البروتين الحسابي"، في ما حصل هاسابيس وجامبر على النصف الآخر من الجائزة عن عملهما في مجال "التنبؤ ببنية البروتين".
وبيكر المولود عام 1962 حصل على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من جامعة بيركلي الأميركية عام 1989، ويشغل حاليا منصب رئيس معهد تصميم البروتين بجامعة واشنطن.
أما هاسابيس المولود عام 1976 فأكمل تعليمه الجامعي في جامعة كامبريدج البريطانية، وهو أحد مؤسسي شركة الذكاء الاصطناعي "ديب مايند" التابعة لشركة غوغل.
وجامبر المولود عام 1985 فأكمل تعليمه الجامعي في جامعة فاندربيلت الأميركية، وحصل على درجة الدكتوراه بجامعة شيكاغو.
وقال بيكر إنه كان نائما عندما اتصلت به الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، مضيفا لرويترز "رن الهاتف وبدأوا بإخباري عن الجائزة ثم بدأت زوجتي في الصراخ بصوت عال… كان الأمر عبثيا بعض الشيء في بادئ الأمر لكنه رائع للغاية".
وتابع أن هدف عمله في تصميم البروتينات الجديدة هو حل المشكلات مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والأمراض الجديدة، قائلا "ما قمنا به في تصميم البروتينات هو اكتشاف كيفية طريقة لصنع بروتينات جديدة يمكنها حل مشاكل جديدة".
وأفادت الأكاديمية أن بيكر تمكن في عام 2003 من استخدام الأحماض الأمينية، التي غالبا ما توصف بأنها اللبنات الأساسية للحياة، في تصميم بروتين جديد لا يشبه أيا من الموجودة حاليا.
وفتح هذا الباب أمام التخليق السريع لبروتينات مختلفة يمكن استخدامها في مجالات مثل الأدوية واللقاحات والمواد متناهية الصغر وحتى أجهزة الاستشعار الصغيرة.
وتحدث هاينر لينكه رئيس لجنة نوبل للكيمياء عن مساهمة بيكر قائلا "طور أدوات كمبيوتر تمكن العلماء حاليا من تصميم بروتينات جديدة مذهلة بأشكال ووظائف جديدة تماما، مما يفتح إمكانيات لا حصر لها لتحقيق أعظم المنافع للبشرية".
وتُمنح جوائز نوبل منذ عام 1901 للأشخاص الذين عملوا "من أجل مصلحة الإنسانية"، وفقا لرغبة مبتكرها المخترع السويدي ألفريد نوبل.
وفي العام الماضي، مُنحت جائزة نوبل في الكيمياء لثلاثة علماء عن أبحاثهم حول الجسيمات النانوية التي تسمى النقاط الكمومية، وهم منجي الباوندي ولويس بروس وأليكسي إكيموف، المولودون على التوالي في فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
كما الحال مع جوائز نوبل الأخرى، تعرضت جائزة الكيمياء لانتقادات بسبب افتقارها إلى التنوع والمساواة، فمنذ عام 1901، لم يتخطّ عدد النساء اللواتي فزن بها الثمانية من بين أصل 114 فائزا.
ويستمر الموسم مع جائزة نوبل للآداب الخميس، ونوبل السلام الجمعة في أوسلو. ومن المقرر تسليم جائزة نوبل في الاقتصاد التي مُنحت لأول مرة عام 1969، الاثنين المقبل.
وبالنسبة للفائزين بنسخة 2024، فإن الشيك المصاحب للجائزة تبلغ قيمته أحد عشر مليون كرونة (1.07 مليون دولار)، يجري تقاسمه في حالة تعدد الفائزين.