فاشية الفساد وأقلام للبيع

في بلد الملحمة التأريخية جلجامش التي تطرح اكبر القضايا الوجودية وهموم الإنسان للبقاء، الفساد يصبح عقيدة تترسخ يوما بعد يوم في مفاصل الدولة حيث هناك طبقة من المثقفين تورطوا بالفساد ويعملون على جعله ثقافة سياسية وادارية شرط اشراكهم في الأموال المنهوبة.

يقول أنطونيو غرامشي الفيلسوف الإيطالي  "المثقف الذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب المثقف!"

لاشك أن للمثقف دورا جدليا في أي بلد أو أي أزمنة لاسيما وأن الطبقة  المثقفة تتميز بمكانة مرموقة حتى عند السلاطين والحكام المستبدين عبر التأريخ، كما أن للمثقف أدوار ومشاركات فعالة في التحولات التاريخية، من حيث قدرته على الحشد والوصول للجماهير لبلورة رأي عام حول قضية بعينها.

الفساد في موطن جلجامش يتحول الى عقيدة

في بلد الملحمة التأريخية "جلجامش" التي تطرح اكبر القضايا الوجودية وهموم الإنسان للبقاء بات الفساد عقيدة تترسخ يوما بعد يوم في مفاصل الدولة، حيث هناك طبقة من المثقفين تورطوا بالفساد ويعملون على جعل الفساد ثقافة سياسية وادارية شرط اشراكهم في الأموال المنهوبة، والعشرات منهم يسهرون ويسكرون ويشاركون الحفلات الليلية استمتاعا بالاموال العامة التي تصرف للملذات.

حسن علوي
حسن علوي: الانشطار الثقافي مهد الطريق أمام الأميين

يقول حسن علوي السياسي والمفكر العراقي في تصريح حصري ""إن كلمة المثقف مشتقة أصلا من المستقيم كالرمح أي بمعنى المثقف رجل مستقيم،  و أن المثقف ليس جزءا من الفساد لكن المثقفين ليس لهم القدرة على تصدي الفساد ويؤكد بأن المثقف المستقيم يواجه الثقافة غير المستقيمة".

ويضيف علوي أن دور المثقف يتوقف على التطورات العلمية والاجتماعية التي وصل اليها العراق، الآن نسبة الأمية عالية جدا، وأن المثقف  في الدوائر الجاهلة الضيقة لن يكون قادرا على فعل شيء ! ، وأوضح علوي، أن العراق فيه تيارات ثقافية مختلفة بينها عربية قومية بعثية كردية، أدت هذه الاختلافات إلى انشطار الوحدة الإجتماعية الثقافية وأن ذلك الانشطار مهد الطريق بسهولة أمام الأميين ليستوحذوا على مسافات واسعة من المجتمع العراقي.

عدالت عبدالله
عدالت عبدالله: الثقافة لم تعد ذات اهمیة ٳلا في صیغ شعاراتیة حزبیة

الكاتب والصحافي الكردي عدالت عبدالله يقول في حديث حصري إن المثقف بات كائنا هامشيا و متفرجا لٲن النظام الاجتماعي و السیاسي متٲثران كثیرا بریاح عصر المعلومات و الاعلام الجدید و شبكاته و منصاته هي اساسا توعیة سطحیة غیر متعمقة ازاء عالم الاشیاء و مكامن الشؤون و الشجون، مضيفا أن التجربة العراقیة هي علی هذه الشاكلة تماما، حيث أن اغلب المثقفین صاروا یبتعدون عملیا عن الشٲن العام والدفاع عن القیم الازلیة والكونیة والوطنیة بأعتبارها مفرغة عن محتواها و لم تعد ذات اهمیة ٳلا في صیغ شعاراتیة حزبیة ومناسبات ثقافیة واكادیمیة استعراضیة لیس ٳلا، للٲسف.

واستطرد عبدالله بالقول" نحن نعیش في دهر مختلف تماما عما كان سائدا في ستینات القرن الماضي الذي كان للمثقف ادوار سیاسیة و اجتماعیة وثقافیة محوریة في معظم بلدان العالم، لاسیما، الدول الدیمقراطیة ، وذلك بفعل الآیدیولوجیة السائدة آنذاك التي تعظم دور المثقف ككائن مستنیر و ناقد و ذو تطلعات ٳنسانویة و اخلاقیة كانت یقیس بها فكریا كل ما كان یحدث و یجري في عالم الانسان و المجتمع والعالم، لافتا إلى أنه قد ولی ذلك الزمن الذي كان فیه المثقف شخصیة رائدة و مستقطبة للناس حول قیم كونیة مثل الحریة والعدالة والتسامح و التنویر، الآن نعیش في عصر مغري ولكن مفتت، هو عصر الثورة المعلوماتیة، وقد اصبح الكل/ عامة الناس، بفعل هذه الثورة تتوهم بٲنها تعرف كل شیئ و لا حاجة بعد للمثقف ان یتفلسف علیه!، و هذا هو عین الخطیئة الفكریة الطاغیة علی ٲذهان الناس، لٲنهم لا یعرفون للاسف ان المثقف له نزعتان بطبیعة الحال، الاولی هي المعرفة و الثانیة هي التغییر، ٳلا ان اعتقاد الناس و الطبقات المجتمعیة المختلفة بٲنه یعرف كل شیئ جعل المثقف غیر معني بشؤون التنظیر وانتاج المعرفة لعامة الناس، وان علیه ان یتفرغ لٲمور ثقافیة و معرفیة خاصة بحقل اختصاصه بل التراجع ایضا عن رغبة التغییر ایضا، لٲن لم تعد القوی المجتمعیة السائدة المخدورة بطغیان عصرها، مقتنعة بصیغ معینة للتغییر التي یطلقها المثقف لتغییر احوال البلاد والعباد عموما، وانما تؤمن وحسب صیغتها الخاصة، وهذا ما وراء تفتت هذه القوی المجتمعیة ، و في غیاب الحد الٲدنی من التفاهم والتنسیق بین هذه الصیغ المتباینة و المختلفة، تتلاشی دون ادنی شك مبدٲ توحید الجهود و المساعي الرامیة لتغییر احوال البلاد والعباد و هذا هو مرمی الانظمة والسلطات في كل مكان بالعالم".

علي الحياني
علي الحياني: المثقف المتملق أخطر أنواع المثقفين

أما الكاتب والصحافي العراقي علي الحياني فيصنِّف  المثقفين إلى ثلاثة أقسام، أولا؛ المثقف الخانع والساكت والخائف في كثير الأحيان من تطاول الميليشيات الطائفية، ثانيا المثقف الذي يختار الصمت إزاء مايجري وهوي يكتفي بمجاولات سياسية، أما المثقف الأخير فهو أخطر أنواع المثقفين وهو مثقف متملق للسلطة ومنافق مقابل الدنانير والفلوس على حد قوله.

ويوجه انتقادات لاذعة للمثقفين قائلا "أنه في الظروف الراهنة فأن دور المثقف لايزال محدودا ومختصرا على الندوات والمهرجانات وتوقيع الكتب والمنشورات في مواقع التواصل الإجتماعي، مشيرا إلى أنه يجب أن يكون دورالمثقف تنويريا في المجتمع كما أنهم لسان الشعوب وعليهم ارشاد الجميع، موضحا أن هناك ملفات خطيرة في البلاد وأن ملف الفساد ملف أعمق حيث مليارات الدولارات تُنهب من أموال النفط والمنافذ الحدودية والجمارك والضرائب وغيرها،هذه الأموال كان يجب وضعها في مكانها الصحيح، إذن ينبغي أن يترك المثقف المجاملات السياسية".

كما أشار الحياني إلى أنه في أقليم كردستان أيضا فإن المثقفين مقربون من السلطة أو الجهات الحزبية وليس هناك حركة ثقافية دؤوبة أو حركة تنويرية.

محمد البغدادي
محمد البغدادي: كتابات المثقفين بعد 2003 تختزل في قصص بعيدة عن الموضوعية

من جهته يشير محمد البغدادي الصحافي العراقي في تصريح حصري إلى أن المقاربات صعبة والحديث عن دور المثقف العراقي في الراهن السياسي والثقافي من غير الممكنات والأدوات التي يمكننا المبارزة بها ووصفها على انها غاية وليست وسيلة ، وهو مايدعوني بصلافة أن أقول " للأسف أن الفعل الثقافي لدى المثقفين العراقيين غائب تماما بل ومداهن في بعض الأحايين ، مضيفا أنه منذ عام 2003 غاب المثقف العراقي عن مشهد " المعارض " فيما اختزلت كتاباته في قصص بعيدة كل البعد عن الموضوعية ومماحكة السلطة ، لدواعي مصلحية مادية بحتة تكتفي بمقال يراد من خلاله تبرير الأخطاء السياسية الى جانب " تلميع ثقافة " التجهيل " للبعض الذي ينتمي الى طابور قيل عن فلان وما رواه فلان دون التاشير على مكامن الخلل ووصف العناوين بالبراقة.

وأوضح البغدادي أن المثقف العراقي بعد الصدمة (سقوط النظام البائد) مشرعن ومؤدلج ولاينتمي الى لغة التدقيق ولم يضع النقاط على الحروف لمسببات نعلمها نحن ممن عاصر التشضي العراقي في مجال "التثقيف" وهي قائمة تطول لو قمنا بجردها في أتون أزمة توعوية ثقافية ملحة.

ديغول يرتجف أمام سارتر المثقف

صفحات التأريخ تشهد لمواقف بطولية للمثقفين الحقيقيين  من حيث مقارعتهم للأنظمة الاستبدادية والفاسدة على مر العصور، إذ أن شخصية المثقف شخصية كارزمية تهاب منها السلطات والأنظمة الحاكمة على غرار جان بول سارتر الذي كان شارل ديغول الرئيس الفرنسي يحسب له ألف حساب يخاف بل يرتجف صادما من خبر أعتقاله واقتياده للسجن!، لكن بحسب الكثير فأن معظم المثقفين باتوا أداة للجهات السياسية يكتبون ويرشدون بل ويخططون مستخدمين بنياتهم الثقافية والفكرية لصالح القوى المتسلطة لقاء مكافآة وهدايا، قصارى القول؛  إن الفساد في العراق وراءه فاشية ثقافية مثل الفاشية الفكرية التي تمسك بها موسوليني كان يروج لها في ايطاليا بغية احتكار السلطة واحتلال أجزاء من العالم علما أن الساسة والقادة في العراق لايمكن المقارنة بهم بزعيم الفاشية الايطالي موسوليني على الأقل فكريا.