فتحي حسين عامر يجوب عالم الترجمة الصحفية
يشكل كتاب الباحث د.فتحي حسين عامر في كتابه "مدخل إلى الترجمة الصحفية" محاولة مهمة للتعرف على عالم الترجمة الصحفية انطلاقا من تاريخ الترجمة ومفهومها ومداخلها وإجراءاتها وأنواعها، والفرق بين الترجمة التحريرية والشفوية، متجها بعد ذلك إلى الترجمة الإعلامية مفهومها وأهميتها وأنواعها ومقوماتها وصعوباتها، مخصصا فصلا كاملا لقاموس ترجمة الكلمات والجمل الهامة في الاعلام، وآخر لقاموس كلمات وجمل مترجمة من العربية إلى الانكليزية في الاعلام، خاتما بقاموس المصطلحات الإعلامية عربي انكليزي.
يؤكد عامر في الكتاب الصادر عن دار العربي أن الترجمة أصبحت على اختلاف أشكالها لغة عالمية وضرورة قومية في قرية كونية تكثر فيها التحولات وتتسارع بين أرجائها التغييرات، بفعل ثورة الاتصالات وانفجار المعلومات، وبمساعدة نسيج وسائل الاتصال الجماهيرية ومختلف الشبكات الالكترونية والأنظمة الرقمية التي تتيح نقل المعطيات والمعلومات المتدفقة وما استجد على الساحة الدولية على جناح السرعة وباللغة التي نفهمها، بدون الترجمة ينقطع حبل التواصل ويسود الضلال في غيابها. ومنذ أن انتشر الإنسان على وجه الأرض ونشأت الأمم والشّعوب بألسنة متباينة لحكمة ربّانية وسرّ من أسرار الكون الإلهية. كما ان الترجمة نشاط إنسانيٌّ موغل في القدم. ظلّ مُلازمًا الحضارة البشريّة، وستبقى الحلقة الّتي تربط بين البشر.
ويضيف "كان لابدّ من همزة وصل القرابة وتستبعد الغرابة، تمثّلت في هذا الفعل اللّغوي بشقّيه التحريري والشّفوي الذي يسّر سبل التّواصل والتّحاور بين الناس. وكم زادت الحاجة إلى الترجمة في عصرنا هذا لاسيما بعد الانفجار المعلوماتي وثورة تكنولوجيا الاتّصالات التي نعيشها ونراها كل يوم، فتحوّل هذا النّشاط الديناميكي الفعّال من مجرّد نقل للمعارف من نسق لغوي إلى أخر؛ إلى فهم وتفسير لحركيّة المجتمع الدّولي المتسارعة وتحوّلاته المفزعة. هذا ما أثقل كاهل المترجمين. فاشتدّت مسؤوليّاتهم وتعقّدت في إحداث توازن بين أمم كوكبنا مساهمين في تنامي معادلة الأخذ والعطاء وتكافئها.خاصّة مع التدفّق المعلوماتي الجارف والهجرة المصطلحية المتزايدة في ظلّ الكثير من التحوّلات الاقتصادية والسّياسية والثّقافية، تلك الّتي أفرزتها العولمة وحرب المعلومة الشّرسة".
ويرى عامرأن الترجمة الإعلامية شكلت عصب العمل الإخباري في عالم زمن تتزاحم فيه الأحداث والأزمات كمادة دسمة لا يستخلص ماؤها إلا بالترجمة. هذا ما استوعبته مختلف الفضائيات العربية والأجنبية، مسخرة لها كل الوسائل والإمكانيات لإنجاحها.وفي ظل معطيات المجتمع المعلوماتي الحديث، فرضت سوق الترجمة تخصصات جديدة واعدة، فزادت الحاجة إليها أكثر؛ في الوقت الذي تشهد فيه جامعات ومعاهد عربية تراجعا في إعداد طلبة في مختلف أنواع الترجمة يلبون هذا الطلب.
ويتابع "على الرغم من اتساع نطاق الترجمة، إلا أن صناعة الترجمة لا تزال مجزأة إلى حد كبير. هذا لأن أفضل 100 شركة ترجمة تحقق أرباحًا تتراوح من 450 مليون دولار إلى أقل من 4 ملايين دولار. وفي الوقت نفسه، فإن الأرباح قيد الزيادة، ومن المقدر أن تنمو الصناعة إلي أكثر من ذلك في المستقبل، وفي المقام الأول على خلفية المتعاقدين العسكريين ووكالات التعهيد الخاصة للترجمة.وتهدف الترجمة اللغوية الجيدة إلى سد فجوة الاتصال من خلال مساعدة الشركات على الوصول إلى جمهور عالمي متعدد المتغيرات من خلال التحدث بلغة يمكن لعملائها فهمها والتواصل بها. سواء كانت أعمالًا تقليدية كالمقاولات والبناء أو مشروع ناشط عبر الإنترنت، فإن خدمات الترجمة إلى جانب ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت تقدم سوقًا مربحة لم يكن ممكنًا قبل 20 أو 30 عاماً. هذا هو السبب في استيقاظ الناس للترجمة الجيدة وأهميتها في عصر العولمة والتطورات التكنولوجيا المعاصرة.
ويعتبر عامر أن الترجمة الإعلامية من أهم أنواع الترجمات في العصر الحديث لأنها العامل الأساسي في نقل الأخبار والمعلومات ووسائل انتشارها عالميًا. فضلًا عن أن للترجمة الإعلامية أهمية بالغة، فهناك الصحفيون الذين يحررون الأخبار والتقارير التي يطلقها بها رؤساء التحرير والمسؤولون عن المحطات الإذاعية والبرامج الإخبارية الذين يتابعون الأخبار ويضعونها ضمن تسلسل الأولوية لنشراتهم التي يعدونها علي هذا الأساس. ونظرًا لأن معظم البلاد لها نظام إعلامي خاص به يتماشى مع إطار ثقافي ونظام قانوني يحكمه فضلًا عن السياسة الإعلامية التحريرية الخاصة بكل بلد، وهو ما ظهر جليًا نتيجة لتطور الترجمة الإعلامية في العصر الحديث، ويجب مراعاة أن لكل دولة نظامها الخاص في مجال السياسة والصحافة والإعلام. وتأتي أهمية الترجمة الإعلامية في العصر الحديث من كونها حاجة ملحة من أجل الاطلاع علي الأحداث التي تدور في الدول والمجتمعات.
ويلفت إلى الترجمة الإعلامية تتطلب خبرات ومهارات عمل عالية في هذا المجال، مثل المقدرة علي مواجهة عوائق ومشكلات الترجمة بشكل مهني، وسرعة في الاستجابة لتجنب التأخير في تحرير المواد الإخبارية والأنباء العاجلة، وذلك بترجمة المصطلحات الإعلامية بشكل دقيق والتأكد من ترجمة سياق الجمل وصياغتها اللغوية بالشكل الأمثل، لأن النصوص الإعلامية تحتوي على كثير من المصطلحات والعبارات الدلالية. ومن المهم تجنب ترجمة النصوص والعبارات بأسلوب ركيك أو غير واضح أو أخطاء صياغة النصوص الإخبارية أو أخطاء أسلوب النقل والترجمة أو إضافة بعض الكلمات التي تخدم سياق النصوص أو ما يؤدي إلى اختلاف المعنى أو عدم الحيادية !هناك أمر آخر وهو تعمد نقل الأكاذيب عبر الترجمة الإعلامية غير الصحيحة بهدف تحقيق أغراض خاصة لدولة ما أو جهة ما وهذا الأمر يدخل في نطاق أخلاقيات الترجمة الإعلامية وهو ما لا يصح ولا يتفق مع أمانة الكلمة في أي عصر من العصور".
ويذكر عامر أن الترجمة هي واحدة من أهم الوظائف في المجتمع الحديث. ومن الطبيعي بعد تقارب العالم كله بمشاركة وتبادل المعلومات والتواصل أن يكون هناك طلب مستمر وحاجة غير مسبوقة لترجمة الأفكار من لغة إلى أخرى، حيث تلعب الترجمة دورًا حيويًا في أداء الشركات الدولية والحكومات على حد سواء. وقد كان لدينا حوادث في تاريخ البشرية، حيث بدأت حروب كاملة فقط بسبب سوء التفسير، وقطعت العلاقات التجارية بسبب فشل الاتصالات. لم تعد الترجمة مجرد عملية لترجمة الكلمات، ولكنها تطورت إلى تحويل للمعنى والنوايا.