فرنسا تتعهد بمكافحة "التطرف الإسلامي" بلا هوادة

رئيس الوزراء الفرنسي: نحن نعرف العدو. لم نتعرف عليه فحسب بل نعرف اسمه، إنه الإسلام المتطرف وهو أيديولوجية سياسية تشوه الدين الإسلامي.
منفذ هجوم نيس لا يزال في حالة حرجة
باريس تفرج عن 11 شخصا كانوا على ذمة التحقيق في هجوم نيس
كورونا يُعطل ترحيل العشرات من فرنسا ممن يشتبه بأنهم متطرفون
تواتر الهجمات الإرهابية يدفع فرنسا لتحريك ملف التطرف والهجرة
فرنسا تخوض 'معارك' على أكثر من جبهة لكبح التطرف والهجرة

نيس/باريس - قال رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستيكس اليوم السبت إن الحكومة ستواصل محاربة ما وصفه بـ"التطرف الإسلامي" بلا هوادة، بينما كان يشارك في تأبين ثلاث ضحايا قُتلوا في هجوم بسكين في مدينة نيس الجنوبية الشهر الماضي.

وقطع رجل تونسي يهتف "الله أكبر" رأس امرأة وقتل شخصين آخرين داخل كنيسة في المدينة الساحلية يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول قبل أن تطلق الشرطة النار عليه وتقتاده بعيدا.

وقال كاستيكس في كلمة ألقاها خلال مراسم التأبين "نحن نعرف العدو. لم نتعرف عليه فحسب، بل نعرف اسمه، إنه الإسلام المتطرف وهو أيديولوجية سياسية تشوه الدين الإسلامي"، مضيفا "إنه عدو تقاتله الحكومة بلا هوادة بتوفير الموارد اللازمة وتعبئة كل قواتها كل يوم".

وجاء هجوم نيس بعدما قطع رجل شيشاني المولد رأس معلم في إحدى ضواحي باريس يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول غضبا على ما يبدو من عرضه رسما كاريكاتيريا مسيئا للنبي محمد أثناء درس عن حرية التعبير.

ووقع هجوم نيس وسط غضب في أنحاء العالم الإسلامي بسبب دفاع فرنسا عن حق نشر مثل هذه الرسوم بدعوى حرية التعبير.

ولا يزال المشتبه بتنفيذه هجوم نيس والذي وصل من تونس في الآونة الأخيرة ويبلغ من العمر 21 عاما، في حالة حرجة بعدما أطلقت الشرطة النار عليه وتم نقله لمستشفى في باريس أمس الجمعة.

ورغم أن دوافعه مجهولة، فإن تحركاته معروفة. وقالت مصادر فرنسية وإيطالية إنه وصل أوروبا بشكل غير قانوني عبر جزيرة لامبيدوسا في 20 سبتمبر/ايلول. ثم وصل إلى مدينة باري (إيطاليا) في 9 أكتوبر/تشرين الأول وتلقى أمرا من السلطات بمغادرة البلد خلال سبعة أيام.

وعقب ذلك فُقد أثر الشاب حتى 28 أكتوبر/تشرين الأول حين اتصل بشقيقه ياسين القاطن بمدينة صفاقس في تونس. وقال ياسين عويساوي إن شقيقه "وصل إلى فرنسا حوالي الساعة 20:00.

ماكرون زار مراكز حدودية أعلن منها عن تعزيزات أمنية اضافية
ماكرون زار مراكز حدودية أعلن منها عن تعزيزات أمنية اضافية

وأضاف أنه ذهب إلى فرنسا لأنها أفضل للعمل"، ولم يستطع تفسير سلوك أخيه الذي صار متدينا منذ نحو عامين بعدما بدأ مشروعا صغيرا لبيع المحروقات بشكل غير قانوني في بلاده.

وفتحت نيابة مكافحة الإرهاب الفرنسيّة تحقيقا في الاعتداء الذي دفع فرنسا إلى رفع التأهّب إلى درجة "طوارئ لمواجهة اعتداء"، وهي الدرجة القصوى في إطار خطة "فيجيبيرات" لحماية الأراضي.

وبعد تسعة أيام من الهجوم، رُفِعَت جميع أوامر الحجز الاحتياطي، بما في ذلك عن قاصر يبلغ من العمر 17 عاما، اعتُقل بعد ظهر الأربعاء في المنطقة الباريسية.

وبالمجمل، احتجزت الشرطة 11 شخصا على ذمة التحقيقات وأطلقت سراحهم منذ بدء التحقيق الذي فتحته نيابة مكافحة الإرهاب، لا سيما بتهمة "الاعتداءات المتعلقة بمؤسسة إرهابية".

والجمعة، تم نقل المهاجم الذي أصيب بجروح خطيرة أثناء توقيفه وثبتت إصابته بفيروس كورونا المستجد بالطائرة وتحت حراسة مشددة من نيس إلى باريس.

وذكر مصدر قريب من الملف أن إبراهيم عويساوي نُقل إلى المستشفى في باريس لكن المحققين لم يتمكنوا من استجوابه.

وشهدت فرنسا مؤخرا عددا من الاعتداءات الإرهابية منها مقتل أستاذ التاريخ والجغرافيا صامويل باتي في 16 أكتوبر/تشرين الأوّل بقطع رأسه على يد لاجئ روسي شيشاني يبلغ 18 عاما أردَتهُ الشرطة في ما بعد، بسبب عرضه على تلاميذه في الصفّ رسوما كاريكاتورية اعتبرت مسيئة للنبي محمد أثناء درس عن حرّية التعبير.

وتعهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا بأن فرنسا لن تتخلى عن حرية التعبير ومن ضمنها حرية نشر رسوم كاريكاتورية. وأثارت تصريحاته أزمة مع العالم الإسلامي حيث خرجت تظاهرات احتجاجية وأطلقت دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية.

وزادت فرنسا تحركاتها لإبعاد المهاجرين المتطرفين المقيمين بشكل غير قانوني على أراضيها ومكافحة التهديد الإرهابي وشمل ذلك جهودا دبلوماسية وتعزيز تأمين الحدود وسلسلة توقيفات.

وقررت الحكومة تسريع حلّ الملف والتحرك على كلّ الجبهات عقب حصول ثلاث هجمات خلال شهر واحد، بين نهاية سبتمبر/أيلول ونهاية أكتوبر/تشرين الأول. وجرى الهجوم الأول أمام المقار القديمة لمجلة 'شارلي إيبدو' والثاني في كونفلان سانت أونورين والثالث في كنيسة السيدة العذراء في مدينة نيس.

وضمن تلك الجهود، بدأ وزير الداخلية جيرالد دارمانان جولة الجمعة تشمل خاصة دولا من المغرب العربي مع تركيز على موضوع "مكافحة الإرهاب والهجرة غير القانونية"، وفق ما أفادت أوساطه.

وانطلقت جولته صباح الجمعة في روما حيث صرح بأن المعركة "ضدّ الإرهاب هي معركة نخوضها ضدّ إيديولوجيا"، دعيا إلى "معركة ثقافيّة ضدّ هذه الايدولوجيا وتمويلها ومكان تواجدها ومَن يدعمها في الخارج".

وتوجه دارمانان في اليوم نفسه إلى تونس التي نقل إليها رغبة بلاده في ترحيل نحو عشرين مواطنا تونسيّا يُشتبه في أنّهم متطرّفون.

موجة غضب في العالم الاسلامي احتجاجات على موقف ماكرون من رسوم اعتبرت مسيئة للنبي محمد
موجة غضب في العالم الاسلامي احتجاجات على موقف ماكرون من رسوم اعتبرت مسيئة للنبي محمد

وقال وزير الداخليّة التونسي توفيق شرف الدين إثر لقائه الوزير الفرنسي "تحدّثنا في خطورة ظاهرة الإرهاب وهو تحدّ يواجهه العالم بأسره. يجب أن يكون هناك تعاون دولي".

وفي ما يتعلّق بعمليّات ترحيل محتملة لتونسيّين من فرنسا، أوضح شرف الدين أنّ "كلّ من يثبت أنّه تونسيّ مرحّب به في بلده والمسألة تخضع إلى نصّ قانوني والفصل 25 من الدستور يمنع أصلا رفض قبول عودة التونسي إلى بلده".

ويتحدث الوزير الفرنسي منذ أسابيع عن وجود قائمة تشمل 231 أجنبيّا مقيمين بطريقة غير قانونيّة في فرنسا وملاحقين بشبهات تطرّف. وينتمي سبعون بالمئة منهم إلى أربع دول، ثلاث منها من المغرب العربي فضلا عن روسيا التي يزورها دارمانان "في الأيّام المقبلة"، وفق أوساط الوزير.

وأوضحت المصادر نفسها أنّ هناك نحو ستّين تونسيّا في وضعيّة إقامة غير قانونيّة في فرنسا، 20 منهم عرضة للترحيل الفوري عقب استنفادهم كلّ الإجراءات، قائلة إنّ هناك عددا مقاربا من المغاربة والروس وآخر أقلّ من الجزائريين.

وأكّد الوزير الفرنسي أنّ هناك "تعاونا جيّدا لضمان عدم إطلاقهم بدون رقابة". ويزور دارمانان السبت مالطا حيث يلتقي وزير الخارجيّة، قبل أن يتوجّه إلى الجزائر الأحد ليلتقي نظيره كمال بالجدود ووزير الخارجيّة صبري بوقدوم، ويتوجّه إثر ذلك إلى المغرب.

وأفادت أوساط الوزير بأن من بين الأهداف هو منح تراخيص قنصلية لترحيل المعنيين في ظل القيود المفروضة على الحدود بسبب فيروس كورونا المستجد.

وتواجد جيرالد دارمانان إلى جانب الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارة الخميس لنقطة على الحدود الفرنسية الإسبانية جاءت لإظهار الرغبة في "تعزيز" مكافحة الهجرة غير القانونية وشبكات تهريب البشر "التي يتزايد ارتباط كثير منها بشبكات إرهابية".

وأعلن ماكرون مضاعفة عديد قوات الأمن المنتشرة عند الحدود الفرنسية من 2400 إلى 4800. وقال مدير حرس الحدود في المكان إنّ قوات الأمن أوقفت منذ بداية العام نحو 30 شخصا مصنفين على أنهم يهددون الأمن الوطني.

وأوضحت وزارة الداخلية الفرنسية أنه جرى حتى الآن ترحيل 26 من بين الأجانب الـ231 الذين تحدث عنهم دارمانان. كما يوجد "أكثر من مئة" في مراكز الاحتجاز الإداري التي يوضع فيها المقيمون بشكل غير قانوني في انتظار ترحيلهم.

ورغم صعوبة إجراء عمليات الترحيل حاليا، طلب وزير الداخلية من محافظي المناطق الاحتفاظ بجميع هؤلاء في مراكز الاحتجاز.

وأقرت وزارة الداخلية أنه "توجد صعوبة متزايدة" لإجراء الترحيلات "أولا بسبب كوفيد-19 وغلق الحدود. كما يجب على البلدان الأصلية قبول ترحيلهم ويتطلب ذلك وقتا. ويمكن أيضا لهؤلاء الأشخاص أن يقدموا طعونا إدارية، فيما يمنع القانون الدولي ترحيلهم إلى دول تشهد حروبا على غرار سوريا وليبيا".

من جهته أكد حسن نداو المسؤول في جمعية "ريفوجي كوسي" التي تقوم بأنشطة في عدة مراكز احتجاز إداري، أنه "من الواضح أن الأولوية تمنح لإيداع هؤلاء الأشخاص في المراكز".

ونبّهت سيلين غويو من جمعية "أسفام" من احتمال استعمال التهديد الأمني كمسوّغ "لتسهيل ترحيل عدد أكبر من الناس".