فرنسا تفتح ملفات المتطرفين أمام الباحثين لفهم الظاهرة

ملف التطرف الذي أنشئت الحكومة الفرنسية في آذار/مارس 2015 يحصي أكثر من عشرين ألف شخص منخرطين في مسار تطرف.
عدد محدود من الباحثين سمح لهم الإطلاع على الملف
الحكومة تبحث عن فهم العلاقة بين الانحراف والتطرف

باريس - فتحت السلطات الفرنسية للمرة الأولى أحد أشد ملفاتها حساسية وهو الخاص بالمتطرفين الإسلاميين، أمام بعض الباحثين أملا في فهم الظاهرة أو منعها.

ومع إعلان الحكومة الفرنسية قرارها في نيسان/أبريل، أوضح رئيس الوزراء إدوار فيليب أن فرنسا تريد "أن تفهم بشكل أفضل" ظاهرة التطرف الإسلامي "ليس للتبرير بل من أجل رصد أفضل (للظاهرة) ومنعها بشكل أفضل وببساطة من أجل حماية أفضل" منها.

وفي غضون بضع أسابيع سيكون بإمكان الباحثين الذين تم اختيارهم، تمحيص نحو 11 ألف استمارة حول "ملف تقارير التطرف ذي الطابع الإرهابي".

وقال متخصص في هذه القضايا طلب عدم كشف هويته مبديا اغتباطه، "الأمر يتعلق بقاعدة عمل ضخمة"، مشيرا إلى محدودية المصادر الحالية لفهم الينابيع المعقدة للتطرف.

ويضيف الخبير أن "المصادر القضائية معقدة الوصول إليها ولا تشمل إلا القضايا المنتهية".

ويتابع أما المقابلات في السجن "فهي تنتج عملا نوعيا جدا، وهو مفيد، لكن هناك القليل جدا من الأعمال النوعية الواسعة النطاق" مشيرا إلى أن "فتح الملف سيتيح انجاز ذلك".

والملف حول التطرف الذي أنشأ في آذار/مارس 2015 بعد الاعتداء على أسبوعية ساخرة في فرنسا، يمكن أن يشكل منجما للباحثين. فهو يحصي أكثر من عشرين ألف شخص "منخرطين في مسار تطرف" و"يمكن أن يتوجهوا إلى الخارج إلى مسرح عمليات مجموعات إرهابية أو أن يرغبوا في المشاركة في أنشطة ذات طابع إرهابي".

ومن المدرجين في هذا الملف مثلا شريف شيكات الذي قتل خمسة أشخاص في كانون الأول/ديسمبر 2018 في ستراسبورغ شرق فرنسا أو ميكائيل شيولو الذي طعن حارسي سجن في آذار/مارس 2019.

ويوجد من بين 70 ألف سجين في فرنسا خمسمائة أدينوا بالإرهاب، و1200 شخص مصنفين كمتشددين، وفق وزارة العدل الفرنسية.

وكان خبراء ونقابيون أطلقوا صفارات الإنذار بشأن انتشار التطرف في السجون الفرنسية، ما دفع بالحكومة إلى التسريع ببناء سجون جديدة، لإيواء العناصر الخطيرة.

ويتم توصيف كل شخص مدرج في ملف التطرف الذي اعتمدته الحكومة من خلال عناصر متعددة يجمعها العاملون في أجهزة المخابرات.فرنسا

وطلب الكثير من النواب الوصول إلى هذا الملف. لكن تقريرا برلمانيا حديثا أكد أن بث معطيات الملف على نطاق واسع ينطوي على خطر "ضرب نجاعته كأداة استخبارات".

وللحد من هذه المخاطر سمح فقط لباحثي المعهد الوطني الفرنسي لدراسات الأمن والقضاء التابع لسلطة رئيس الوزراء، بالاطلاع على الملف، وبشكل محدود.

فلن يكون بإمكان هؤلاء الباحثين الاطلاع على كافة المعطيات، كما ستكون الاستمارات دون أسماء. ولا تعرف نسبة المعطيات التي ستتاح للباحثين.

ومن أهم الأشياء التي ترغب الحكومة في فهمها بشكل أفضل العلاقة بين الانحراف والتطرف رغم أن الرؤية القائمة على التسرب من عالم الانحراف إلى عالم التطرف باتت موضع تشكيك.

وأفاد تقرير لعالمي الاجتماع لوران بونيلي وفابيان كاريي سلم إلى وزارة العدل "أن الأفعال الأكثر جدية اقترفها أشخاص لم يكن يتوقع أن يقترفوها أي شبان يتحدرون من أسر مستقرة معظمهم مجهولون من الخدمات الاجتماعية وتلقوا تربية جيدة ومن أبوين عاملين".

وأشار تقرير آخر صاغه فريق البحث "قانون وعدالة" أنه "خلافا لفكرة شائعة، ليس المرور بعالم الانحراف مرحلة لازمة" للتطرف.

وقد تتيح معطيات الملف دراسة أشمل لهذه الصلة المحتملة بين العالمين ما قد يزعزع أفكارا نمطية بقوالب جاهزة.

من جهته، لفت توماس ليندمان أستاذ العلوم السياسية بجامعة فرساي-سانت-كينتن-إن-إيفلين من إلى أن "هناك على الأرجح بعض التشابه القليل في شخصيات من هم أقرب لدخول عالم التطرف، لكن لا يمكن الحديث عن نموذج محدد".

وقال "عند التدقيق نجد أننا إزاء شبان أعمارهم بين 18 و31 عاما يتحدرون من الأحياء المهمشة قليلا مع توفر استعداد ذاتي معين ولا يملكون التزاما مهنيا أو عاطفيا على سبيل المثال" بيد أنه أوضح أن كل ذلك ليس كافيا لتحديد أن شخصا ما يشكل تهديدا.

وشهدت فرنسا العديد من العمليات الإرهابية على يد متطرفين بوتيرة تعتبر أكثر من بقية البلدان الأوروبية، ويبقى ملف التطرف المحلي داخل فرنسا ودول أوروبية أخرى أيضا تحديًا كبيرا يتصاعد مع عودة المقاتلين الأجانب.

ففتح ملف التطرف أمام بعض الباحثين يأتي في وقت تجد في السلطات الفرنسية نفسَها مطالبة بإيجاد حلولا عاجلة لمسألة عودة الجهاديين وعائلاتهم من مسارح القتال.

 وبعد إعلان قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن انسحابها من سوريا، طالبت حليفتها، التي أعلنت عن القضاء على تنظيم داعش في سوريا، قوات سوريا الديمقراطية الدول بتحمل مسؤولية مواطنيها الذين كانوا يقاتلون مع الجهاديين والبالغ عددهم 6 آلاف مقاتل مع 15 ألفا من أفراد عائلاتهم.

والثلاثاء، رفضت أكبر محكمة إدارية في فرنسا طلب فرنسيات في سوريا إعادتهن إلى البلاد قائلة إن قاضيا لم يستطع الحكم في الأمر لأنه ينطوي على مفاوضات مع سلطات أجنبية.

وقالت المحكمة في بيان "يرفض مجلس الدولة طلبات قدمتها مواطنات فرنسيات يعشن في سوريا حاليا مع أطفالهن للعودة".

وذكرت مصادر فرنسية مطلع الشهر الجاري أن باريس أعدت منذ وقت قصير لائحة بأسماء 250 رجلا وامرأة وطفلا، محتجزين في مناطق الأكراد في سوريا، بغية إعادتهم، قبل أن تتخلى عن الفكرة خشية رد فعل الرأي العام المتردد بشأن عودة "الجهاديين" إلى دولهم.

وتواجه إدارة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون تحديات كبيرة، حيث تطرح تساؤلات ملحة حول الترسانة الأمنية والقانونية و الاجتماعية التي ستصادق عليها السلطات الفرنسية من أجل الحد من عواقب هذه العودة وتداعيات الكابوس الأمني الذي تشكله.