
فصائل تتبع القيادة السورية متورطة في أحداث الساحل
اللاذقية (سوريا) – بعد قتل الشاب السوري سليمان رشيد سعد وشق صدره وانتزاع قلبه من بين ضلوعه ووضعه فوق جثته، اتصل الجناة من هاتفه المحمول بوالده وتحدوه ليأتي ويأخذ الجثة الملقاة بالقرب من صالون حلاقة.
صار اسم سليمان (25 عاما) رقم 56 على قائمة مكتوبة بخط اليد تضم 60 قتيلا، من بينهم عدد من أبناء عمومته وجيرانه وستة أطفال على الأقل من قريتهم التي تقع على الساحل السوري. ويقول والده رشيد سعد "شقوا صدره واقتلعوا قلبه. ووضعوه على صدره".
حدث ذلك في وقت متأخر من مساء يوم 8 مارس/آذار في قرية الرصافة. ولم تكن أعمال قتل العلويين انتهت بعد.
كان مقتل سليمان ضمن موجة من أعمال القتل نفذها مقاتلون سنة في مناطق يقطنها العلويون على ساحل البحر المتوسط، في سوريا من السابع إلى التاسع من مارس/آذار. ووقعت أعمال العنف بعد تمرد استمر يوما واحدا نظمه عسكريون سابقون موالون للرئيس المخلوع بشار الأسد، وقالت الإدارة الجديدة إنه أسفر عن مقتل المئات من قوات الأمن.
وكشف تحقيق أجرته رويترز تفاصيل المجازر، وحدد تسلسل قيادة المسؤولين عن أعمال القتل من المهاجمين إلى رجال يعملون جنبا إلى جنب مع حكام سوريا الجدد في دمشق. وخلصت إلى أن ما يقرب من 1500 علوي سوري قُتلوا، وأن العشرات في عداد المفقودين.
ويبين التحقيق أن 40 موقعا مُختلفا شهدت عمليات قتل انتقامية وهجمات وأعمال نهب استهدفت الأقلية الدينية التي طالما تم ربطها بنظام الأسد. وألقت موجة القتل التي استمرت لأيام الضوء عن الاستقطاب المتجذر في سوريا، والذي لم تستطع الحكومة الجديدة التغلب عليه بعد، بين مؤيدي النظام القديم سواء ضمنيا أو فعليا وأولئك الذين كانوا يأملون في نجاح الثورة على الأسد في نهاية المطاف.
ويكن كثيرون في سوريا مشاعر استياء تجاه العلويين، الذين تمتعوا بنفوذ كبير داخل الجيش والحكومة خلال حكم بشار الأسد على مدار 20 عاما.
وظهرت تلك النتائج في الوقت الذي ترفع فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدريجيا عقوبات مفروضة على سوريا تعود إلى عهد الأسد. ويسبب هذا التقارب إحراجا لواشنطن، فالحكومة السورية الجديدة يقودها فصيل إسلامي كان يعرف من قبل باسم (هيئة تحرير الشام) التي تم حلها بعد الإطاحة بالأسد، وكانت في الماضي فرعا لتنظيم القاعدة في سوريا يحمل اسم جبهة النصرة.
وتخضع الهيئة، التي كان يتزعمها سابقا الرئيس السوري أحمد الشرع، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ عام 2014.
وصار الشرع، وهو مسلم سني مثل غالبية السوريين، رئيسا في يناير/كانون الثاني بعد أن قاد هجوما خاطفا انتهى بإسقاط نظام الأسد والسيطرة على دمشق.
وما لا يقل عن عشرة فصائل تضم أجانب وتخضع حاليا لسيطرة الحكومة الجديدة ضالعة في أعمال القتل التي وقعت في مارس/آذار. ويخضع ما يقرب من نصف هذه الفصائل لعقوبات دولية منذ سنوات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان من بينها القتل والخطف والاعتداءات الجنسية.
وفي مقابلة مع رويترز بعد أيام قليلة من عمليات القتل، ندد الشرع بالعنف باعتباره تهديدا لجهوده لتوحيد البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا "أقرب الناس" إليه.
وقال "نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين… لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا".

ومن بين الوحدات التابعة لهيئة تحرير الشام سابقا التي كشف التحقيق تورطها جهاز الأمن العام، وهو جهاز فرض القانون الرئيسي، والفرقة 400 وهي فرقة من مقاتلي النخبة، ولواء عثمان.
كما تورطت فصائل مسلحة سنية انضمت حديثا لصفوف القوات الحكومية، من بينها فرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة اللتان فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليهما لضلوعهما في عمليات القتل.
ولم يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على وحدات هيئة تحرير الشام السابقة، كما لم تفرض الولايات المتحدة أي عقوبات تتعلق بأعمال القتل.
وأمر الشرع بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث الساحل ولجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي.
وذكر ياسر الفرحان، المتحدث باسم لجنة تقصي الحقائق، أن الرئيس سيتسلم ما خلصت إليه من نتائج في غضون أسبوعين، إذ تعكف اللجنة حاليا على تحليل المعلومات، ثم تكتب تقريرها النهائي بناء على شهادات ومعلومات جُمعت من أكثر من ألف شخص، بالإضافة إلى إحاطات من مسؤولين واستجوابات لمعتقلين. ونصح بالتريث في النشر.
وقال "اللجنة الآن بمرحلة فحص وتحليل المعلومات، لاستخلاص النتائج وكتابة التقرير، ولا نستطيع الإجابة قبل أن ننتهي، حرصا على أمانة الحقيقة ومقتضيات التحقيق".
وأضاف "أنصح بأن تتريثوا في النشر لحين الاطلاع على تقريرنا النهائي، فقد استمعنا إلى أكثر من ألف شاهد وشاهدة من العائلات، استمعنا أيضا لإحاطات المسؤولين الحكوميين، والمجتمع المدني والوجهاء، استجوبنا عددا من الموقوفين، وجمعنا الكثير من الأدلة، أتوقع أنكم ستجدون في النتائج شيئا مفيدا لاستجلاء الحقيقة من جوانبها ومصادرها المتعددة". وأضاف "التقرير سيعرض على السيد رئيس الجمهورية بعد أسبوعين تقريبا، والوقت أمامكم ليس بعيد".

وخلصت رويترز إلى أن عمليات القتل مستمرة حتى يومنا هذا. ووفقا لستة مقاتلين وقادة وثلاثة مسؤولين حكوميين فقد ساورت المخاوف الحكومة السورية الجديدة من فقدان السيطرة على منطقة الساحل خلال انتفاضة أنصار الأسد. وأصدرت أوامر قاطعة في السادس من مارس/آذار بسحق محاولة انقلاب من "فلول" النظام السابق.
وكان عدد كبير من الرجال الذين تلقوا الأوامر انضموا إلى صفوف قوات الأمن الحكومية الجديدة منذ شهور قليلة، ويتبنون تفسيرا متشددا للشريعة الإسلامية.
وفي ذلك اليوم، اندفع البعض ليفسر كلمة "فلول" على أنها تعني كل العلويين، وهم أقلية من مليوني شخص يحملهم كثيرون في سوريا مسؤولية جرائم عائلة الأسد التي تنتمي لهذه الطائفة.
وصرح أحمد الشامي محافظ طرطوس، وهو مسؤول في الحكومة الجديدة، بأن العلويين ليسوا مُستهدفين. وأقرّ بوقوع "انتهاكات" بحق المدنيين العلويين، وقدر عدد القتلى في المحافظة بنحو 350 شخصا، وهو ما يتوافق مع ما توصلت إليه رويترز أيضا. ولم تنشر الحكومة هذا الرقم مطلقا.
وقال الشامي "الطائفة العلوية ليست موجودة عندنا ضمن أيا قائمة من قوائم لا سوداء ولا خضراء ولا حمراء ليست مصنفة علي أنها طائفة مجرمة ولا بد يتحقق القصاص منها. الطائفة العلوية ظُلمت كما ظُلم عموم الشعب السوري وهذا الأمر احنا ثبتناه موجود عندي كمحافظ لطرطوس وكذلك الأمر السيد الرئيس في زيارته إلي طرطوس استمع للناس ووقف على حقيقة كثير من المسائل". وأضاف "الطائفة في حاجه للأمان وهذا واجب علينا كدولة راح نحققه".
وأشار أنور العوني، وهو متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، إلى أن التكتل ندد "بالجرائم المروعة المرتكبة بحق المدنيين من قبل جميع الأطراف"، لكنه لم يوضح سبب عدم فرض عقوبات أيضا على وحدات هيئة تحرير الشام.
وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من السوريين قُتلوا منذ عام 2011، عندما تحول قمع الأسد للاحتجاجات إلى حرب أهلية. ولاحق النظام أي معارضين مُشتبه بهم. ولكن السُنة، الذين شكلوا أبرز الجماعات المسلحة المعارضة للأسد، كانوا مستهدفين على نحو خاص.
وكان بعض المهاجمين الذين تحركوا للتعامل مع انتفاضة مارس/آذار يحملون قوائم بأسماء الرجال الذين يريدون استهدافهم، بما في ذلك أعضاء سابقون في فصائل مؤيدة للأسد حصلوا على عفو مؤقت من الحكومة الجديدة.
وظهرت لاحقا أسماء أفراد عائلات بأكملها في قوائم القتلى التي كتبها شيوخ القرى بخط اليد. ووصف عدد من الناجين كيف تم تشويه جثث ذويهم.
واحتشد مقاتلون، كثير منهم ملثمون، في معاقل الحكومة الجديدة في إدلب وحمص وحلب ودمشق. وفي مقاطع فيديو ظهرت قوافل مدرعات تنطلق إلى غرب سوريا، وعلت صيحات المسلحين ليلا مرددين "سنية، سنية" و"بدنا دم العلوية".

وأظهرت الكثير من مقاطع الفيديو مقاتلين يعمدون إلى إذلال علويين، إذ أجبروهم على الزحف والنباح مثل الكلاب. بينما أظهرت مقاطع أخرى، بعضها صوّره المقاتلون أنفسهم، أكواما من الجثث الغارقة في الدماء.
وكان من بين القتلى عائلات بأكملها، بما في ذلك نساء وأطفال وعجائز ومعاقون، في عشرات القرى والأحياء ذات الأغلبية العلوية.
وفي أحد الأحياء كانت هناك 46 امرأة بين 253 قتيلا، وفي قرية أخرى كان هناك 10 أطفال ضمن 30 قتيلا. وفي حالة واحدة على الأقل، أُخليت بلدة علوية بأكملها خلال الليل تقريبا وحل السُنة محل مئات السكان فيها.
وكان السؤال الأول الذي طرحه المقاتلون لدى وصولهم على السكان ذا دلالة كبيرة، وفقا لأكثر من 200 شاهد وناج، وهو "أنت سني أم علوي؟".
كان عبيدة شلي وشقيقه التوأم هما أصغر أفراد عائلة سنية تضم تسعة أبناء وبنات في إدلب بشمال غرب سوريا، حسبما تقول شقيقتهما ياسمين.
وسافر التوأمان إلى ليبيا للعمل مرتزقة. ومنذ عامين انضما إلى جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام في إدلب، حيث كانت الجماعة تُدير حكومة موازية.
تقول ياسمين إن المطاف انتهي بشقيقها شلي (23 عاما) وهو يرتدي زي جهاز الأمن العام الأسود ويحرس نقطة تفتيش قرب مدينة بانياس، وهو ما تؤكده رسائل صوتية أرسلها لها عبر تطبيق واتساب.
وعند غروب الشمس تقريبا في يوم السادس من مارس/آذار، تعرضت نقطة التفتيش ومواقع أخرى تابعة لجهاز الأمن العام في محافظتي اللاذقية وطرطوس لهجوم، مما أسفر عن مقتل العشرات من عناصر الأمن.
ووفقا للحكومة الجديدة وسكان، كان المهاجمون يقودهم ضباط لا يزالون موالين للأسد. وانضم إلى الضباط شبان فقدوا سبل عيشهم عندما فصلت الحكومة الجديدة آلاف الموظفين العلويين وفككت أجهزة الأسد الأمنية، وفقا لمقابلات مع السكان، بمن فيهم زعيم محلي وصف الأمر بأنه تحرك عفوي من أشخاص يائسين.
وأرسل شلي رسالة صوتية لشقيقته في حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء يخبرها بأن نصف الرجال من حوله سقطوا قتلى. وبدا هادئا ومستسلما لمصيره. وقالت "كان يحاول أن يرى طريقة ليخرج الجثث". وسألته لماذا لم يهرب فأجاب "ما في مفر". وعلمت ياسمين أن شقيقها قُتل بعد ذلك بساعتين.
وشنّت قوات موالية للأسد أيضا هجمات في بانياس، أكبر مدن طرطوس. وسيطرت على الطريق الرئيسي بالمدينة وعلى المستشفى وهاجمت المقر الأمني للحكومة الجديدة، حسبما قال أبو البحر وهو مسؤول أمني متمركز في بانياس كان يقضي تلك الليلة في إدلب.
وقالت الحكومة السورية إن "المئات" من قواتها قتلوا في الانتفاضة، لكنها لم تُعلن عن أسماء أو إحصاء دقيق.
وفرض الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو/حزيران عقوبات على ثلاثة ضباط سابقين موالين للأسد، قائلا إنهم مسؤولون عن قيادة مجموعات مسلحة "أججت التوتر الطائفي وحرضت على العنف".
وقال حمزة العلي، وهو ضابط بجهاز الأمن العام مسؤول عن بلدة القدموس التي تبعد نحو 30 كيلومترا إلى الشرق، إن أفرادا من نظام الأسد "كانوا يريدون أن يقوموا بانقلاب وإعلان الساحل منطقة مستقلة".
وطلبت وزارة الدفاع تعزيزات من جميع الفصائل التي انضمت مؤخرا إلى القوات الحكومية. وتعالت النداءات من المساجد في جميع أنحاء البلاد تدعو إلى الجهاد.
وقال محمد الجاسم، وهو قائد فرقة السلطان سليمان شاه التي تعرف أيضا باسم العمشات، إنه كان في مستشفى في تركيا لأسباب صحية عندما اندلاع القتال. وأضاف أنه سرعان ما أُضيف إلى مجموعة على تطبيق تراسل يديرها مسؤول كبير في وزارة الدفاع قال إنه يعرفه فقط باسم أبو عهد.
وأبو عهد الحموي هو الاسم المستعار لحسين عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع. وصدرت أوامر لفرقة الجاسم بإعادة فتح الطريق الساحلي السريع (إم1) الذي يربط بين اللاذقية وجبلة. وقال إن قواته اتخذت مواقع خارج مدينة جبلة.
ومع استمرار المذابح، أعلن عبد الغني أن العملية بمنطقة الساحل تسير وفق المخطط لها بهدف الحفاظ على السيطرة على المنطقة وأيضا "تضييق الخناق علي بقايا عناصر ضباط وفلول النظام السابق"، وفقا للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا).
وخلف الكواليس، كان عبد الغني يدير مجموعة تراسل على تيليغرام بين زعماء فصائل وقادة بالجيش نسقوا تحرك الحكومة لقمع انتفاضة أنصار الأسد، وفقا لعشرات الرسائل النصية والصوتية المتبادلة بينه وبين قائد كبير من فصيل آخر.
وأكد مصدران أن اسم المستخدم على تيليغرام هو عبد الغني، وأن أبو عهد هو اسمه الحركي. وقال إنه قدم شهادته للجنة التي تحقق في عمليات القتل.
وأشارت الرسائل إلى مواقع وتحركات القوات، بما في ذلك رسالة من عبد الغني عند الجسر المؤدي إلى قرية المختارية، حيث كانت ترتكب مذابح. وقال ننار حواش، المحلل البارز في مجموعة الأزمات الدولية، إن عمليات القتل قوضت شرعية الحكومة الجديدة بين السوريين، وخاصة الأقليات.
وأضاف "نشر وحدات معروفة بعدائها لطوائف تعتبرها خصوما، ولها سجل حافل بالانتهاكات، أدى إلى نتائج متوقعة… لقد تقاعسوا عن الوفاء بواجبهم الأساسي في توفير الحماية".
وفي إشارة إلى ضعف سيطرة الحكومة على مقاتليها، واجهت الفصائل المندمجة حديثا في صفوف القوات الحكومية بعضها البعض في شوارع القرى في بعض الأحيان، وفقا لشهود في ثلاثة مواقع مختلفة ووصفوا جميعا رؤية أحد الجانبين يحاول حماية المدنيين المذهولين من رجال يرتدون الزي الرسمي يحاولون قتلهم.
ويمتد الطريق السريع (إم4) من البحر المتوسط إلى الداخل، بينما يمتد الطريق السريع (إم1) إلى الجنوب بمحاذاة الساحل قبل أن يتجه شرقا قرب لبنان.
ووقعت المذابح التي بدأت قبل فجر السابع من مارس/آذار في معظمها على هذين الطريقين. وكانت بلدات كثيرة عبارة عن مجتمعات زراعية، تنتشر فيها بساتين الليمون والبرتقال في مارس/آذار، وحقول خضراوات تنمو بكثرة على مدار العام بفضل مناخ البحر المتوسط. وتعرضت قرية المختارية، أول قرية على طريق (إم4) الذي يربط إدلب واللاذقية، لهجوم حوالي الساعة السادسة صباحا.
وقال ثمانية شهود إن حشودا من الرجال، بينهم كثيرون يرتدون زي جهاز الأمن العام، اقتحموا الأبواب لإخراج الرجال وأجبروا بعضهم على الزحف واقتادوا آخرين بعيدا.
واستمر إطلاق النار نحو ساعة. وعندما توقف كان 157 شخصا قد قتلوا، أي ما يقرب من ربع سكان المختارية، وفقا لقائمة أعدها أحد وجهاء القرية.
وكان من بين القتلى 28 فردا من عائلة عبد الله، و14 فردا من عائلة درويش، و11 من عائلة الجهني، وفقا للقوائم التي جمعها الناجون ومشايخ القرية. وقالت امرأة فقدت والدها وإخوة لها "الرصاص كان زي المطر يا أختي ما عرفين نروح وين أو كيف نهرب".
وشاركت امرأة أخرى فقدت 17 من أقاربها لقطة شاشة (سكرين شوت) من فيديو. وأشارت إلى كومة من الجثث في اللقطة وقالت "هذه عائلتي". ورسمت سهما على الشاشة يشير إلى جثة رجل يرتدي سترة باهتة اللون، وأرسلت الصورة قائلة "هذا زوجي".
وقال سكان إن القرية كانت شبه خالية بعد مرور أيام على المذبحة. وتعفنت ثمار البرتقال على أشجارها في غياب من يحصدها.
وذكر علي ملحم، مؤسس مجموعة السلم الأهلي السورية، وهي منظمة تُوثق الانتهاكات وتتوسط في النزاعات، أن القرى التي شهدت أكبر قدر من سفك الدماء هي تلك التي ينتمي سكانها إلى فرقة فرعية من الطائفة العلوية وهي الكلازية.
وأضاف ملحم وزعيم بارز في الطائفة العلوية أن عائلة الأسد كانت من العلويين الكلازيين، وكذلك العديد من كبار مسؤولي الأمن في عهده. ومن بين الأماكن المرتبطة بالكلازية قرية الصنوبر، وهي منطقة زراعية عدد سكانها حوالي 15 ألف نسمة، تتخلل منازلهم حقول الخضراوات.
وقال ثلاثة قرويين إن قوة النخبة التابعة لهيئة تحرير الشام، والمعروفة بالفرقة 400، انتقلت إلى الصنوبر في ديسمبر/كانون الأول، ووعدت بأن تُترك البلدة في سلام تحت القيادة الجديدة. ووصفوا الحياة بأنها متوترة، لكنها محتملة.
وذكر شهود أنه في وقت مبكر من يوم السابع من مارس/آذار، تجمع رجال من الفرقة 400 ومئات التعزيزات وبدأوا عمليات القتل. وأفاد 17 شاهدا بأن تسعة فصائل منفصلة شنت هجمات.
وقال شاب إنه رأى مقاتلين من الفرقة 400 يطلقون النار أثناء اقتحام منزله. وقُتل 11 من أقاربه. ونجا الشاب بعدما اختبأ في مخزن بالطابق العلوي.
وشاركت فرقة السلطان سليمان شاه أيضا في الهجمات، وفقا لناجين تعرفوا على شارات الفرقة. وبرزت الفرقة كفصيل مدعوم من تركيا خلال الحرب الأهلية في سوريا، وتخضع لعقوبات أميركية منذ عام 2023، إذ تتهمها وزارة الخزانة الأميركية بانتهاكات "من بينها الملاحقة والخطف".
وقال الجاسم إن الاتهامات "مختلقة" ووصف رجاله بأنهم يتمتعون بقدر كبير من الانضباط.
ووفقا لقوائم قُتل 236 من الصنوبر. وكان معظمهم شبانا تتراوح أعمارهم بين 16 و40 عاما. وكان من بين الجرحى امرأة حامل، أجهضت لكنها نجت من إصابات بطلقات نارية.
وقالت امرأة شابة إن زوجها كان يزور جارهم عندما اقتحم مسلحون البيت وصعدوا إلى الطابق العلوي وبدأوا بتحطيم كل شيء باحثين عنه.
وذكرت أن المجموعة غادرت وجاءت بعدها أخرى. ثم جاءت مجموعة ثالثة، احتضن قائد المجموعة أطفالها ووعدهم بعدم التعرض لأذى.
وأطلقت مجموعة رابعة النار على المبنى. ووصلت مجموعة خامسة من المقاتلين، يرتدون عصابات رأس خضراء، برفقة مترجم. ولم يكونوا يتحدثون العربية، ولم تتعرف على لغتهم.
وقال شهود إن المقاتلين سرقوا الطعام لإفطار رمضان، واحتفلوا في الخارج بينما كانت النساء المذعورات ينظرن من النوافذ.
وأظهرت صورة من الصنوبر، أكدها اثنان من العلويين الناجين في القرية، رسالة مكتوبة على جدار أحد المنازل "كنتم أقليات صرتم نوادر".
ولمدة 48 ساعة أو أكثر، وقفت نساء علويات ثكالى يحرسن جثث آبائهن وإخوتهن وأزواجهن وأبنائهن. ولم تكتشف عائلات كثيرة حجم العنف إلا عندما خرجت إلى الشوارع التي فاحت من جنباتها رائحة الموت، أو حاولت إبعاد الكلاب التي كانت تمزق الجثث.
وفي بانياس، بالقرب من المكان الذي شهد الهجوم الذي نفذه موالون للأسد على نقطة التفتيش وأوقد شرارة أعمال القتل الانتقامية، كان هناك 253 جثة تحتاج إلى دفن.
وفي مدينة جبلة بلغ عدد القتلى العلويين 77، وفقا لثلاثين فردا من عائلاتهم. وذكر ستة شهود ومسؤول أمني في جبلة أن البلدة استهدفتها الفرقة 400 وكل من لواء عثمان وفرقة السلطان سليمان شاه وفرقة الحمزة والحزب الإسلامي التركستاني، المكون من الويغور ومقاتلين أجانب آخرين.
وقال الجاسم قائد فرقة السلطان سليمان شاه إن رجاله دخلوا جبلة وغادروا لأنهم رأوا "خروقات كثيرة"، ولم يرغبوا في أن يتم تحميلهم مسؤولية عمليات قتل لم يرتكبوها. ولم يرد ممثلو الفصائل الأخرى على الأسئلة.
وفي جبلة، تدخل جار سنّي للمساعدة في نقل زوج رشا غصن المصاب بجروح قاتلة، على الرغم من اعتراض عنصرين من الأمن العام. وبمساعدة جارها، وافقت سيارة إسعاف على نقل زوجها إلى اللاذقية، لكن الأطباء هناك لم يتمكنوا من إنقاذ حياته.
وقالت السيدة وهي تقف بجوار الجثة في المشرحة المكتظة إن ضابطا في جهاز الأمن العام مسؤولا عن سجلات الوفيات رفض إصدار شهادة وفاة لأن المتوفي علوي. وذكرت بينما ترتجف يداها وساقاها وهي تتذكر ما حدث أن الضابط "قال: كافر!" ثم ابتعد.
وأصبح الكثير من القرى والأحياء العلوية في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة خاوية على عروشها بعد الهجمات، وخيم السكان بالآلاف في القاعدة الروسية القريبة خوفا من مذابح جديدة.
ولا يزال استهداف العلويين مستمرا حتى يومنا هذا. وقال باولو سيرجيو بينيرو رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بسوريا التابعة للأمم المتحدة إن السلطات أبلغت المنظمة أنها اعتقلت العشرات من المشتبه بهم، جاء ذلك في تقريره إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية في 27 يونيو/حزيران.
ففي الفترة من 10 مايو أيار إلى الرابع من يونيو حزيران، قُتل 20 علويا بالرصاص في محافظتي اللاذقية وحماة، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان. ولم تُعرف هوية الجناة.
واعتقلت أجهزة الأمن العام، أربعة مقاتلين على الأقل من الفصائل المسلحة بتهمة "ارتكاب انتهاكات بحق المدنيين". إلا أنه لم تُوجَّه أي اتهامات لأشخاص بشأن مقتل العلويين في مارس/آذار.
ولم تعلن الحكومة بعد حصيلة القتلى، وقالت الأمم المتحدة إن العدد الذي أعلنته والذي بلغ 111 قتيلا أقل من الرقم الحقيقي.
وفي ديسمبر/كانون الأول، قبل ثلاثة أشهر من مذابح منطقة الساحل، أصدر الرئيس الشرع سلسلة من قرارات الترقيات في محاولة لتوحيد الجيش. وكان من بين الذين حصلوا على ترقيات قائد فصيل جيش الإسلام وأيضا قائد فرقة السلطان سليمان شاه، الجاسم، الذي ترقى إلى رتبة عميد وصار قائدا لوحدة في الجيش السوري.
وحصل قائد الفرقة 400، أبو الخير تفتناز، على ترقية إلى رتبة عميد في ديسمبر/كانون الأول، ثم إلى رتبة لواء في يونيو/حزيران، وفقا لبيانات وزارة الدفاع. وذكر أحد مقاتلي الفرقة 400 أن تفتناز تولى مسؤولية محافظتي اللاذقية وطرطوس.
وتمت ترقية سيف بولاد أبو بكر، قائد فرقة الحمزة المدعومة من تركيا، إلى رتبة عميد بعد عمليات القتل، وفقا لحسابه على تويتر.
أما الحزب الإسلامي التركستاني، وهو فصيل يضم عددا كبيرا من المقاتلين الأجانب، والذي كشفت رويترز عن ضلوع مقاتليه في عدد من الهجمات، فقد اندمج بالكامل في الجيش في مايو/أيار. وكان زعيمه من بين الذين تمت ترقيتهم في ديسمبر/كانون الأول.
وفي 30 مايو/أيار، أصدرت وزارة الدفاع لائحة لقواعد السلوك والانضباط العسكري تحظر الإساءة إلى المدنيين والتمييز ضدهم وإساءة استخدام السلطة.
واستهداف المدنيين عمدا جريمة بموجب القانون الإنساني الدولي، ويعتبر الضباط الذين يتقاعسون عن منع أو معاقبة مرتكبي مثل هذه الهجمات مسؤولين بموجب مبدأ مسؤولية القيادة. وتقف قرية أرزة كمثال قاتم على دائرة الانتقام التي لم توقفها الحكومة الجديدة بعد.
واستخدم نظام الأسد أرزة كنقطة انطلاق لمهاجمة مناطق المعارضة مثل قرية خطاب المجاورة عام 2013. ولم يكن هناك من بين العشائر من هم أكثر تأييدا للأسد من آل سليمان. وشكلت العشيرة ربع عدد فصيل يضم 90 فردا من الموالين لنظام الأسد في أرزة اشتهر بمداهمة بلدة خطاب قبل أكثر من عقد من الزمن لاعتقال المعارضين.
وفي السابع من مارس/آذار، ووفقا لأربعة سكان سابقين ومقطعي فيديو، قاد رجال من قرية خطاب هجوما على بلدة أرزة أسفر عن مقتل 23 شخصا، بما في ذلك أفراد من عشيرة آل سليمان، وفر من تبقى من سكان القرية وعددهم 1200.
وقال الشهود الأربعة إن رجال خطاب أحضروا الضحايا إلى الساحة الرئيسية وسألوا زعيمهم أبو جابر الخطابي "ها يا شيخ؟" وأوضحوا أنه إذا رد "الله أكبر" كان يتم إطلاق النار على الضحية، وهو ما فعله في كل حالة تقريبا.
وقال الخطابي "جميعهم مجرمون… إنها العدالة الإلهية كما جعلتونا مشردين ستكونوا مشردين وكما قتلتونا ستقتلون".
واستولى المهاجمون على المنازل المهجورة. وقال الخطابي إن أرزة لم تعد موجودة. ونشر على فيسبوك صورة للافتة باسم القرية الجديد وهو “خطاب الجديدة".