فكّر بطريقة مختلفة ولا تنشر أفكارك

صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي حرضتنا على التفكير من أجل التعبير عن أنفسنا، لكنها أيضا عرتنا بما يكفي لنكون أضحوكة أمام الآخرين لا نشعر بها إلا بعد فوات الأوان.
التفكير بطريقة مختلفة

تنصحنا جو إليسون محررة الأزياء في صحيفة فايننشيال تايمز الاستمرار بالتفكير بطريقة مختلفة، لكنها تناشدنا أيضا بالقول “بالله عليك لا تنشر تلك الأفكار على حسابك في مواقع التواصل الاجتماعي”!

هذا نوع من القلق يوصلنا إلى إن الإنسان صار أقلّ جودة، في مشاعره ونومه وسلوكه حتى في طريقة تفكيره وهو يسلك طريقا سريعا للكراهية. وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الأشخاص أكثر خطورة، لأنها تعمل فقط على تعظيم هفواتنا الخاصة.

لقد رفعت شركة أبل شعارها المثير “فكّر بطريقة مختلفة” عندما كان الرؤيوي ستيف جوبز يقودها باتجاه المجد التكنولوجي في حملة تسويقية شهيرة منتصف التسعينات من القرن الماضي، وبعد سنوات من أفول شعار مايكروسوفت الشهير “المعلومات عند أطراف الأصابع”.

كان هذا الشعار نوعا من عقيدة التقدّم عند أبل، يحرّض الناس على التفكير بطريقة مختلفة، لكن التاريخ أرانا صورة مختلفة أيضا عن ستيف جوبز، فسيرته تقول إنه كان فظا إلى درجة يمنع التفكير المختلف معه، ويقصي من يفكر خارج منظومته الرؤيوية. فحتى هؤلاء العباقرة مثل الجميع تقريباً، يحبون كثيرا كبح تلك الاختلافات عندما يتم تنفيذ الأعمال، وفق جو إليسون “يتحدث المبتكرون عن أن الحدود الوحيدة هي حدود خيالنا التي تبدو رائعة جداً إلى أن تصبح التخيلات جامحة فوق الحد”.

نقع جميعنا تحت تأثير الزلاقات السريعة في التفكير، لكننا لا نمتلك الكوابح اللازمة قبل لحظة السقوط، والمثير في الأمر أن سلوكنا التكنولوجي جعلنا نمعن في السقوط باعتباره نوعا من القوة والمكابرة، لهذا ترجونا إليسون أن نبقى نفكر دون أن نعّرف أنفسنا بما نفكر بشكل غير معتاد على منصاتنا الخاصة. وكأن الإنسان لم يشعر بحجم الاختلال الإنساني الذي يعيشه إلا بعد أن أعاد اكتشاف طريقة تفكيره بالنظر إلى الآخرين على منصته الخاصة.

صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي حرضتنا على التفكير من أجل التعبير عن أنفسنا، لكنها أيضا عرتنا بما يكفي لنكون أضحوكة أمام الآخرين لا نشعر بها إلا بعد فوات الأوان.

يمكن ان ندرك ذلك من الهراء المتواصل والبذاءة والهزالة والحمق والركاكة في التعبير، إلى درجة أن سياسيين ومشاهير يعبّرون عن آرائهم بلهجة سطحية دارجة وركيكة، وكأن اللغة باتت عاجزة أو غير جديرة بالوفاء.

كان الروائي الراحل أمبرتو إيكو قد أطلق رسالة مبكرة لإعادة التفكير بطريقة التفكير عندما تتعلق بالتعبير عن أنفسنا على المنصات الخاصة، فهو يرى في مواقع التواصل ميدانا يمنح حق الكلام لجيوش من الحمقى! والكارثة لا تكمن في الحمقى وحدهم بل في الذين يعتقدون أنهم يفكرون بطريقة مختلفة وهم يعرضون كماً هائلا من الخرافة والوهم والبغضاء والكراهية والتعصب بوصفها طريقة تفكير مختلفة. هذا يعني أن الشكوك صارت جديرة بأن تصبح حقيقة عن الإنسان العاقل الذي لم يعد نوعا منفردا!