فلسطينيات يكسرن القوالب التقليدية لعمل المرأة

داليا الدراويش تقود شاحنة من الحجم الثقيل ووفاء الأدهمي تنجح في مجال الفن التشكيلي وآسيا عامر تؤسس أول مطعم نسائي في دلالة على تحديهن الصعوبات ونظرات المجتمع الذكوري.

القدس – تتجه الأنظار إلى شاحنة ضخمة في شوارع مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية المزدحمة، إذ تجلس داليا الدراويش خلف المقود استعدادا لامتحان قيادة من الحجم الثقيل … في خطوة لا تزال محصورة في عدد قليل جدا من النساء الفلسطينيات.
تستعد داليا الدراويش (21 عاما) للخضوع لامتحان سياقة الشحن الثقيل لتنضم إلى نساء فلسطينيات قليلات يقدن هذا النوع من الشاحنات وهو أمر بالنسبة لها يتعدى قيادة شاحنة.
تقول داليا "الأمر رمزي للإناث وجديد(…) هذا يشي بأننا نستطيع عمل كل شيء، كامرأة يمكنك العمل أو قيادة شاحنة أو أي شيء آخر طالما تتمتعين بالصحة".
وتضيف "أنا واثقة من نفسي، لا أخاف، أعرف كيف أقود الشاحنة".
وداليا وهي أم لطفلين، واحدة من بين نساء فلسطينيات يزداد عددهن في مدينة الخليل يحاولن إحداث تغيير داخل مجتمعهن المحافظ والتأكيد على حقوق المرأة.

داليا الدراويش
'أنا واثقة من نفسي، لا أخاف'

تقول درويش إنها واجهت الصعوبات وتعرضت للانتقاد من كلا الجنسين أثناء تدريبها العملي على القيادة، لكن انتقادات الرجال كانت الأقوى.
وتضيف المهندسة المعمارية "البعض ساندني لكنهم قلة (…) والبعض الآخر كان يقول بصوت عال أثناء مروري في الشارع ويتساءل ما شأنك والعمل على الشاحنة؟".
وفي "المدرسة الأهلية للسياقة" كانت داليا ترتجف قليلا قبل بدء الامتحان، فيما مدربها عصام بداوي يشرح لها تفاصيله.
وبعدما أظهرت قدرتها على فصل المقطورة وإعادة وصلها، صعد الاثنان إلى حجرة القيادة وانطلقا.
شهدت الأشهر الأخيرة احتجاجات واسعة في الأراضي الفلسطينية بعد مقتل شابة عشرينية على يد عدد من أفراد عائلتها بعدما نشرت عبر تطبيق إنستغرام صورة تجمعها بشاب تقدم لخطبتها.
وفي حين لم يصدر بيان رسمي يؤكد أن هذا الدافع الحقيقي لقتلها، تفيد روايات مقربين منها بذلك.
ويطالب المحتجون بتوفير المزيد من الحماية للنساء داخل الأسر كما يطالبون بالمساواة في المجتمع الفلسطيني.
وكشفت دراسة أجراها البنك الدولي العام الماضي أن 58% من النساء المؤهلات اللواتي تراوح أعمارهن بين 25 و34 عاما عاطلات عن العمل، تقابلها نسبة 23% في صفوف الرجال.
وأظهر مسح القوى العاملة للربع الثاني من العام 2019 الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أن معدل البطالة يصل إلى 44% في صفوف النساء في مقابل 22% عند الرجال.
كانت وفاء الأدهمي في طفولتها تحلم بأن تكون فنانة تشكيلية، لكن لم تسنح لها الفرصة لاستكمال دراستها.
وأرجأت وفاء (46 عاما) التي تزوجت وانجبت ستة أولاد، مشاريعها.
وقبل خمس سنوات وبعدما كبر أولادها، عادت وفاء لممارسة شغفها.
درست وفاء الفن التشكيلي من خلال مقاطع فيديو عكفت على مشاهدتها على موقع يوتيوب.
تقول وفاء "دورات الفن والرسم مكلفة ولم يكن عندي الوقت (…) لذلك قررت أن أتعلم بمفردي".
وتضيف "كل فنان له أسلوبه الخاص وأردت أن أوجد أسلوبا خاصا بي".
لذلك، فكرت وفاء بأن ترسم لوحات ثلاثية الأبعاد، فابتكرت معجونا خاصا يمكن أن ترسم عليه لاحقا، بعد تجارب استمرت ثلاث سنوات.
وهكذا انطلقت وفاء في عالم الفن التشكيلي من غرفة الجلوس في منزلها ومن حولها أطفالها.
وتصب الفنانة التشكيلية المعجون على قماش اللوحة ومن ثم تقوم بتوزيعه والرسم عليه.
وتنتهي العملية بلوحة فنية ثلاثية الأبعاد تقول وفاء إنها تنفرد بهذا الأسلوب من الفن التشكيلي بين الفنانين الفلسطينيين.
وتستوحي الفنانة الفلسطينية التي اكتسبت شهرة محلية، أفكارها من معالم فلسطينية شهيرة مثل مسجد قبة الصخرة في القدس الشرقية المحتلة وصولا إلى أعمال سريالية مستوحاة من لوحات الرسام الأميركي جاكسون بولوك.

انتقادات الرجال كانت الأقوى
انتقادات الرجال كانت الأقوى

وحقق معرضها الفني الأخير الذي عرضت خلاله 40 لوحة، نجاحا باهرا.
وتطمح الأدهمي بأن يصبح اسمها معروفا على مستوى الوطن العربي والعالم.
وفي الخليل أيضا، أسست آسيا عامر (31 عاما) أول مطعم نسائي في المدينة على ما تؤكد.
وتقول عامر إن الفكرة وراء "مطعم الملكة" إعطاء النساء مساحة خصوصية تجعلهن يشعرن بأنهن في المنزل.
ويمكن للنسوة المحجبات أن يخلعن حجابهن في المطعم إذا رغبن في ذلك.
تقول آسيا "أشعر أنه من حق المرأة أن يكون لها مكان يمكنها الاسترخاء فيه من دون قيود ومراقبة من الناس"
وتضيف "أنا نموذج للنساء الفلسطينيات اللواتي لا يبقين في المنزل لطهي الطعام والاعتناء بالأطفال فقط".
وبالعودة إلى "مدرسة السياقة"، تسحب درويش المقطورة قبل أن تركنها، ويبدو عليها التوتر في الوقت الذي يكتب المدرب فيه النتيجة.
يقول بداوي "أنا سعيد لأعلن أنها نجحت في الامتحان".
ويضيف "نفذت كل ما طلبته منها خلال الامتحان ببراعة".
ولم تقرر داليا بعد ما إذا كانت ستعمل سائقة شاحنة، فهي تولي رعاية أطفالها أهمية كبرى في الوقت الحالي.
لكنها تريد أن تساعد في تغيير موقف المجتمع من قيادة المرأة للشاحنات.
تقول داليا "طرأ تطور بسيط على المجتمع أحدث نوعا من التغيير لكن لا يمكن القول إن هناك نقلة نوعية".
وتضيف "تبدل الوضع بعض الشيء. نشهد تطوراً في المجتمع، لكنه ليس بمثابة نقلة نوعية. التغيير الكبير يكون عندما تقود المرأة الشاحنة من دون أن تلقى ردود فعل، (..) ثمة تغيير إيجابي إنما محدود".