فلول داعش حجر عثرة أمام التنمية في شمال سيناء

تغير أساليب المتطرفين بشن هجمات فردية عن طريق القنص وزرع العبوات الناسفة بالمنازل والحقول، يعرقل جهود القاهرة على تنفيذ مشروعات طموحة في شبه الجزيرة المصرية.
خطر الجماعات المتطرفة في سيناء يعرقل وصول مساعدات غربية إلى مصر

القاهرة - بدأت مصر العمل على تنفيذ مشروعات طموح للتنمية في شبه جزيرة سيناء التي تحدها قناة السويس والحدود المصرية مع إسرائيل وقطاع غزة، غير أنه وبعد تغير أساليب المتطرفين لا تزال هناك بعض الجيوب التي لم يتحقق فيها الاستقرار بعد، رغم حملة عسكرية مكثفة للجيش.

وعندما عادت أسرة المزارع المصري محمد القلجي إلى قريتها في شمال سيناء الشهر الماضي بعد أن طرد الجيش المتطرفين الإسلاميين منها، لقي ابنه مصرعه في انفجار لغم في حظيرة أغنام.

وتقول مصادر أمنية ومحللون إن الهجمات واسعة النطاق على مواقع الجيش والحكومة انحسرت، غير أن المتطرفين غيروا أساليبهم إلى شن هجمات فردية يستخدمون فيها القناصة ويزرعون العبوات الناسفة.

وتضيف المصادر أن قدرة المتطرفين على اجتياح قرى لفترات قصيرة قرب بئر العبد في شمال غرب سيناء خلال صيف العام الجاري، تكشف أن الأمن لا يزال هشا في الوقت الذي لم تُعالج فيه مشكلة البطالة والإهمال بالكامل.

وقالت مصادر أمنية إن 15 شخصا على الأقل سقطوا قتلى في انفجار عبوات ناسفة حول بئر العبد منذ العاشر من أكتوبر تشرين الأول الأمر الذي أثار قلق السكان وسلط الضوء على المخاطر التي تواجهها مشروعات التنمية.

وقال القلجي (39 عاما) إن "8 انفجارات لعبوات حتى الآن في قريتنا، خلفت أكثر من 12 قتيلا مدنيا بين سيدات ورجال وأطفال"، مشيرا لهجر الكثير منازلهم خشية احتواءها على ألغام مزروعة.

وفي حين أن جنوب سيناء يقع فيه منتجع شرم الشيخ المؤمّن تأمينا شديدا ومواقع سياحية أخرى، فإن قطاعا كبيرا من شبه الجزيرة ذات التضاريس الوعرة شبه خال من السكان ولا يحظى بتنمية كافية.

وكان إسلاميون بدأوا حركة تمرد في شمال سيناء بعد الإطاحة بحكم الرئيس الإخواني محمد مرسي في العام 2013.

ولقي مئات من رجال الشرطة والجيش مصرعهم كما سقط أكثر من ألف مدني قتلى وفقا لما ورد في البيانات الرسمية.

واجتذب تنظيم ولاية سيناء الذي بايع تنظيم الدولة الإسلامية التأييد من سكان من البدو في المنطقة يشكون من التهميش وهو اتهام تنفيه الحكومة.

وفي الشهر الماضي أعلنت الحكومة في الذكرى السنوية لحرب 1973 التي أدت إلى استعادة مصر سيطرتها على سيناء، عن مشروعات في مجالات الإسكان الاجتماعي والمياه والطرق والمناطق الصناعية والتعليم والرعاية الصحية.

وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مراسم افتتاح جامعة ومتحف في شرم الشيخ إنه تم إنفاق ما بين 600 و700 مليار جنيه مصري (38-44 مليار دولار) على التنمية في سيناء في الأعوام الستة الأخيرة.

وفي شمال شرق سيناء أقام الجيش منطقة عازلة ودمر أنفاقا يقول إن المهربين استخدموها في إرسال أسلحة ومقاتلين بين مصر وقطاع غزة الذي تديره حركة حماس.

وقال محمد عبدالفضيل شوشة محافظ شمال سيناء للتلفزيون المحلي إنه يتم إطلاق مشروعات جديدة كل يوم في مدن بمختلف أنحاء المحافظة.

وردا على اتصال من رويترز أرسل المركز الصحفي التابع للهيئة العامة للاستعلامات في مصر مقطع فيديو رسميا يقول فيه السيسي إن التصدي للإرهاب في سيناء لن يحول دون التنمية الحقيقية فيها.

ومن المشروعات الجديدة أكثر من ألف بيت للبدو بعد أن شكا بعض السكان من أنهم يفضلون البيوت الملحقة بأرض زراعية على الشقق السكنية التي تبنيها الحكومة.

وقال الشيخ عبدالله جهامة رئيس جمعية مجاهدي سيناء والذي شارك في حرب 1973 إن مشروعات التنمية مثل التجمعات السكنية والزراعية ساعدت بشكل كبير على استقرار البدو ليتحولوا من بدو رحل إلى سكان مستقرين.

وأضاف أن الدولة زادت من اهتمامها بالتنمية في سيناء خلال الخمس سنوات الماضية من خلال حفر الأنفاق وإقامة الكباري وشق الطرق وحفر الآبار وإقامة المدارس.

وقال "إننا نطالب بالمزيد من المشروعات التنموية خلال الفترة المقبلة والدولة تسير بهذا الاتجاه".

سيناء تعاني هشاشة أمنية رغم جهود القوات المصرية في مكافحة الإرهاب
سيناء تعاني هشاشة أمنية رغم جهود القوات المصرية في مكافحة الإرهاب

مساعدات خارجية

للمساهمة في انتشال المنطقة من براثن الفقر نفذت الولايات المتحدة مشروعات لتوفير مياه الشرب قيمتها 50 مليون دولار في شمال سيناء. كما قدمت دول عربية مساعدات.

وقال المحلل الأمني أوديد بيركويتز إن هجمات المتطرفين انخفضت إلى 15 هجوما في الشهر من 40 هجوما في أواخر 2017 مع سعي مصر لتحسين الأمن على حدودها مع قطاع غزة وليبيا.

إلا أنه أضاف أن السيطرة بصفة مؤقتة على مناطق عمرانية حول بئر العبد ونشاط المتطرفين بوتيرة أقل في شمال شرق سيناء وكذلك محاولات شن هجمات قرب قناة السويس تظهر كلها مدى استمرار التحديات التي تواجهها الأجهزة الأمنية.

وقال مصدران أمنيان مصريان إن عمليات القنص التي يشنها المتطرفون والتي انتقلت غربا من حدود غزة إلى مشارف مدينة العريش، زادت إلى ما لا يقل عن 18 عملية بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2020 ارتفاعا من 16 عملية في العامين 2018 و 2019 معا.

كما عمد المتشددون إلى خطف من يتهمونهم بالتعاون مع الدولة وقتلهم.

وقال مصدر أمني إسرائيلي إن الجيش المصري يسيطر على الأرض غير أن استمرار الهجمات يبعث على القلق.

وقالت المصادر الأمنية إن تنظيم ولاية سيناء عمد تحت وطأة العمليات الأمنية إلى زيادة نشاطه حول بئر العبد التي يمكن الوصول إليها عبر دروب صحراوية من الجنوب.

وقال أحد المصادر إن بئر العبد منطقة صحراوية مفتوحة من الصعب مراقبتها.

وقال صاحب ورشة ميكانيكا في بئر العبد اسمه حسن شعراوي، "الإرهابيون سابوا الشيخ زويد وقراها وجاءوا إلى بئر العبد. الفترة الأخيرة سمعنا وشاهدنا عدد من اعتداءاتهم على الطرق". ويقتصر السفر إلى شمال سيناء على سكانها.

وقال دبلوماسي إن بعض المانحين الغربيين أرجأوا مشروعات بسبب المخاوف الأمنية أو لعدم وجود شريك محلي يمكنه العمل بمعزل عن السلطات.

وأضاف الدبلوماسي "إنها منطقة عسكرية لا يمكنك العمل فيها دون موافقة أمنية ولذا لا يمكنك التحقق من سير المشروعات".

وقال عدد من السكان إنهم تسلموا شققا جديدة من الدولة في رفح المجاورة لغزة أو في مدن أخرى بعد تدمير بيوتهم.

لكن آخرين قالوا إنهم يفضلون البقاء في مدينة الإسماعيلية الواقعة على الجانب الآخر من قناة السويس ومازالوا يخشون العودة.

وقالت أليسون مكمانوس الزميلة الباحثة في مركز السياسة العالمية "من المؤكد أن قدرات المتطرفين تراجعت لكن ليس إلى الدرجة التي تؤمن للمحافظة سلامة سكانها أو التنمية الاقتصادية".

وأضافت "في الأغلب تنمية شمال سيناء على نطاق واسع لا تزال رؤية بعيدة المنال".