فنانة سعودية يغريها سكب الألوان

ليلى جوهر تؤكد أن هاجسها هو الكشف عن المكنون في أغوارها.
الاحتكاك عبر الورش والفعاليات المختلفة يسهم في التغذية  البصرية
الفنانون العرب يسعون على الدوام لتطوير أدواتهم الفنية

ليلي جوهر، فنانة تشكيلية سعودية ثورية المشاعر، مشغولة علي الدوام بماهية اللون، وبالكشف عن المكنون في أغوار النفس البشرية. وفي أغوار ذاتها، وحريصة علي تعظيم القيمة اللونية في نتاجها الفني. وتهتم ليلي جوهر بتذوق الأعمال الفنية، وتقف كثيرا أمام "مغريات اللوحات التشكيلية" وذلك بحسب قولها.
وهي تنتمي لجيل جديد من الفنانات التشكيليات السعوديات، اللاتي يحملن في أيديهن فرشاة، وفي اليد الأخرى نبراسا لإضاءة الطريق للأجيال القادمة، لتشجيعهن على إثراء المشهد التشكيلي السعودي، وذلك في ظل عصر جديد على أرض المملكة ضمن محاور رؤية 2030، التي وضعها ولى العهد الأمير محمد بن سلمان وبرعاية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أصبح فيه للمرأة موقعا جديدا تحت أشعة شمس المملكة، ومن الوجوه الفنية المتميزة من ذلك الجيل، الفنانة التشكيلية والكاتبة ليلى جوهر، التي تعد من الوجوه النسائية المتألقة في المشهد التشكيلي السعودي، والتي خاضت مشوارا حافلا ومليئا بالمثابرة والطموح والعطاء الجاد جعلها تستحق أن تكون إحدى الفنانات اللاتي نجحن في إثبات حضورهن بالمشهد التشكیلي السعودي، بفضل ما أبدعته ریشتها من لوحات يقف أمامها المتابعون للفن التشكيلي بكل تقدير واحترام لما أبدعته تلك الأيدي.
بيت الفنانين التشكيليين 
وللتعرف أكثر على مراحل مسيرتها الفنية، ورصد رؤيتها لحاضر ومستقبل الحركة التشكيلية العربية، ومدى لحاقها بالركب العالمي.. كان لـ "ميدل إيست أونلاين" هذا الحوار مع الفنانة التشكيلة السعودية ليلي جوهر:

fine arts
الإهتمام بالتغذية البصرية

وفي بداية الحوار حدثتنا جوهر عن بدايتها كفنانة تشكيلية، فقالت بأن انطلاقتها كفنانة تشكيلية جاءت من خلال عضويتها في بيت الفنانين التشكيليين في عام 2000، ولفتت بأنها كانت محظوظة حيث وجدت كل ما تطمح إليه من خلال الإنخراط وسط كوكبة رائعة من المبدعين من الفنانين والفنانات أعضاء بيت الفنانين التشكيليين، وإدارته حينذاك برئاسة الفنان القدير هشام بنجابي، ونائبه الفنان عبدالله النواوي، وأنها كانت تمارس الرسم قبل قبل انضمامها للبيت كهاوية ومحبة للفن، وأنها لاحظت وقتها الإعجاب بأعمالها التشكيلية، وطلب إقتناء لوحاتها من المحيطين بها، فكان قرارها بالسعي لصقل قدراتها وأدواتها الفنية.
ليلي جوهر أشارت إلى أنها شاركت في دورات وورش عمل جماعية، في كل من الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة العربية السعودية، بجانب حرصها علي حضور الأمسىات التثقيفية، وخاصة تلك التي كانت تقام في دارة الفنانة التشكيلية القديرة صفية بنت زقر، والمركز السعودي للفنون التشكيلية الذي كانت تشرف عليه القديرة منى القصبي. وبأنها درست مباديء وأسس الرسم وتقنية اللون، وأسس البورتريه بتقنية الزيت، وشاركت بدورات في فن الباستيل، بجانب المشاركة في المعارض التشكيلية الجماعية، وبالفاعليات والاحتفالات الوطنية، مثل معارض وزارة الثقافة والإعلام، ووكالة الشؤون الثقافية في الرياض، وكان أول حضور فني لها هو المشاركة بالمعرض التاسع عشر للفن السعودي المعاصر عام 2006، ومعارض المقتنيات ومعارض الفنانات التشكيليات السعوديات، وأيضا المشاركة من خلال الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون جدة والرياض وأغلب معارضها محليا ودوليا. وأنه خلال تلك الفترة من التدريب والمشاركة، وبالبحث والتجريب، تمكنت من الوصول لأسلوبها الفني الخاص، وأقامت معرضها الشخصي الأول تحت مسمى "الإنسان والطبيعة" وقدمت من خلاله خلاصة تجاربها مع اللون عبر استخدام الزيت والاكليريك.
وتابعت الفنانة ليلي جوهر بقولها: بأن الاحتكاك عبر الورش والفعاليات المختلفة، مع مجموعة كبيرة من الفنانين بالمملكة، ومن داخل مدينة جدة، ومن مختلف المناطق في وطنها المملكة العربية السعودية، بينهم شخصيات فنية رائدة، ساهمت في تغذيتها  بصريا وتعزيز هويتها الفنية، والارتقاء بفكرها وتسهيل إيصال رسالتها الجمالية والإنسانية للمتلقي.
دلالات ورموز
وأضافت جوهر قائلة: إن الهاجس المصاحب لها دوماً في كل أعمالها هو الإنسان في دلالات ورموز وتعابير مجردا من الشكل ومنصهرا مع الطبيعة لتأثيرها على سلوكنا كبشر، وفي تناغم لوني تجريدي بعناصره الغنية. وأنها أنجزت أعمالها في تسلسل لوني بقيم متناغمة وثراء فني، ومن خلال ذلك صارت لها توجهات فنية خاصة، وفلسفة أقامت من خلالها معارضها الشخصي ووجل نتاجها الفني.
ولفتت الفنانة ليلي جوهر، إلي أنه في بداية ممارستها الفنية تعاملت مع الأسود والأحمر، ومن ثم تدرجت في سلم الألوان، وحازت لوحاتها في بداية مسيرتها الفنية، على مراكز متقدمة لعامين متتاليين، ونالت من خلالها جوائز ودروعا في أتيليه جدة للفنون لمديره هشام قنديل، ومن الرائد الدكتور الراحل عبدالحليم رضوي، والفنان القدير طه الصبان في معرض الواعدات في دورتيه  السادسة والسابعة.
ورأت الفنانة والكاتبة ليلي جوهر بأنه "من الطبيعي أن يتنقل الرسام المبتدئ والهاوي عند بدء ممارسته الرسم بين عدة مدارس إلى أن يصل بعد تجارب ومراحل في اتجاه مستقل به يجد ذاته كفنان، فيطور من أدواته ويعزز من أسلوبه إلى أن يتمكن منه ويصير له بصمة في عالم الفنون، وهنا نستطيع أن نطلق على نتاجه إبداعا وليس رسما، وهكذا كانت بدايتها، غير أن اللون وعناصره وتقنيته كانت محور إهتمامها".
 وتقول جوهر: بأنه بجانب  حرصها علي التطوير المستمر لأدواتها الفنية، كانت تحرص على دراسة النقد والتغذية البصرية .. ". فوجدت نفسها متذوقة للأعمال بدرجة تطغي على عطائها كفنانة، وأنها تستمتع كثيراً بالوقوف أمام مغريات اللوحات التشكيلية المعروضة للفنانين والفنانات بجميع مستوياتهم في الجاليريات، فكانت تقارن وتدرس تلك اللوحات وتعود لمكتبتها الزاخرة بكتب الفن والتاريخ الفني، والمدارس النقدية الفنية، وعلم النفس، للبحث عن المذاهب والمدارس الفنية وتاريخها، وتبحر مع ما يعرض هنا وهناك من فنون، وأنها تجد في ذلك متعة لا يمكن وصفها، وإثارة مشوقة لكشف الرموز والتعابير والدلالات التي تشتمل عليها لوحات الفنانين منذ نشأة الفن في العالم وعبر القارات، وأنها لم تغفل عن قراءة وتتبع نشأة الفن وتأسيسه في المملكة العربية السعودية، حتى قام مستقلا بكيانه في ظل ما أولته الدولة من رعاية وتأسيس مدروس. 

fine arts
الرجل والمرأة كائنان مكملان لبعضهما البعض

القيمة اللونية
وأكملت الفنانة ليلي جوهر: "اكتشفت أنني بطبيعتي إنفعالية وثورية المشاعر، ويغريني سكب اللون بكثافة والمزج المباشر على المسطح وضربات الفرشاة السريعة والقوية بهدف الحصول على نتيجة مبهرة تشبع طاقتها، فلم تكن تهتم بالتفاصيل والتكوين بقدر انشغالها بماهية اللون، وفي الغالب ما تتعرض لوحاتها المنجزة في كثير من الأوقات إلى الهدم لأجزاء من تكوينها على حساب القيمة اللونية، فكل ما يشغل هاجسها حينها هو الكشف عن المكنون في أغوارها، وأن تتنفس من خلال اللون وخلق عالم غير مرئي، وأنها ترى بأن الفرشاة هي نبض اللوحة فتختارها بعناية فائقة عند الشراء، والجيد منها يعطي نتائج مبهرة، وهي مدادها للتعبير عن للبوح والسرد، وأنها ترى على الدوام بأن اللوحة بمساحتها البيضاء مرايا تعكس الحقائق وتحيلها لعوالم أخرى، وأنها حين تنطلق في الرسم تتأمل ما لديها من فرش وتختار الأجود منها، وأن أنماط الرسم تنوعت لديها، فرسمت على الكرتون والشرائح من الخشب وأيضا على الجداريات وورق متنوع الملمس والشفافية، وأنها مارست الرسم على قشر البيض، كما أنجزت لوحات (كولاج) من قصاصات الصحف مع استخدام العملات النقدية،  وكانت – بحسب قولها - تجربة نتج عنها لوحة وثائقية شاركت بها مع جمعية الثقافة والفنون الأم بالرياض، بدعوة من مديرها حينذاك الدكتور محمد الرصيص في معرض الوثائق الرسمية القديمة.
وتقول الفنانة ليلي جوهر، بأنها ترفض تصنيف الفن بالذكوري والأنثوي، وأنها ترى بأن الفن إبداع سلوكي تكاملي وهبة من الخالق عز وجل لبعض البشر الذين يتميزون برهافة الإحساس، وبسعة الأفق، والفكر المتقد، والملهمين من الرجال والنساء، فكلاهما يحمل روحاً وعاطفةً وعقلاُ ووجداناُ وكلاهما كيان مكمل للآخر، وأنه كلما اتصف الفنان بالإنسانية وسمو الخلق وتسلح بالثقة والقرب من الناس وتأمله للطبيعة الربانية، وفي خلق الله البديع تتفتح له آفاق رحبة من الفكر في مضامين تعبر عن رسالته الجمالية لذاته ولمجتمعه.
كما رأت بأن الفنان لا يمكنه عليه العيش بمعزل عن الناس، وأن عليه أن يبني جسورا من التواصل من المجتمع المحيط به، ليحقق الإنتشار لفنه.
اقتناص لحظات الإبداع
وتشدد الفنانة ليلي جوهر، على أنه ليس ثمة ثبات في المشاعر لدى الفنان، وأنه عند الرسم تتحول الحالة المزاجية والأحاسيس إلى محرك للذهن ليتقد في مرحلة التحفيز للتخيل والإشراق لديها. وأنها تقتنص لحظتها الإبداعية حين يستدعيها الرسم في أي وقت، لتختلي بذاتها وتمارس طقوسها الفنية، والتنفيس من خلال الرسم الذي اعتبرته علاجا نفسيا يفلتر الشوائب العالقة في الذاكرة وأغوار النفس، ويخلق الجمال الروحاني والانسجام.
وحول موضوعات لوحاتها ومفرداتها التشكيلية، قالت الفنانة ليلي جوهر، بأن الطبيعة الخاصة لبلادها، والعالم المحيط بها، مؤثران يثريان مخيلتها، عند تعبيرها وترجمتها للمكنون من مشاعر، بجانب المواقف الإنسانية والوجدانية ومفردات أخرى مثيرة للدهشة والتساؤلات المعلقة في خاطرها والتي تدعوها للتفكير من خلال الرسم، وتناقضات الحياة ما بين حلم وواقع، وسعادة وأحزان، وطموح وانتصار وانكسار.
وأضافت بأن هناك "ثمة أطياف تُنسج من الرؤى، وأنها تمازج بين النقيضين في لوحاتها، التي تستخدم فيها عناصر اللون الأحمر وتدرجاته مع الاسود، والبنفسجيات حيث تتوافق مع حالات القلق والتوتر حينما تكون تحت ضغط الأزرق في تدرجاته، وهو الأمر الذي يجعلها تبحر في تيارات ما بين مد وجزر وصفاء، ثم الأصفر فالأخضر والترابيات التي تعتبرها عناصر غنية لا غنى للرسام الكلاسيكي والواقعي والتعبيري عنها إطلاقا، وتعبتر صديقة لرسامي البيئة، وأن استخدامها لتلك الألوان يكون عند قيامها برسم عمل فني يبرز جماليات الموروث البيئي والشعبي وللإحتفاء بالوطن الغالي، تعبيرا وتصويرا.. حيث ترمز لمناخها وفصولها من ربيع وصيف وشتاء .. وتأتي كل لوحة لتكون امتداداً للأخري.
وحول رؤيتها لحاضر ومستقبل الحركة التشكيلية العربية، قالت الفنانة ليلي جوهر، بأن مستقبل تلك الحركة  مبشر بالخير وسيكون مزدهرا، وبأنها تسعد كفنانة تشكيلة لإقامة متاحف تحتضن أعمال رواد الحركة الفنية السعودية، مؤكدة على أهمية إقامة كليات جديدة تستوعب ذلك الاقبال الكبير علي دراسة الفنون.
كينونة المرأة 
الرجل والمرأة كائنان مكملان لبعضهما البعض، ولا يمكن الفصل بينهما، فلكلِ منهما رسالته، وأنهما في حالة حضور دائم في أغلب لوحاتها الفنية، حيث صورت الأنثى من خلال التعبير عن كينونتها والأحاسيس المرهفة والعاطفة الجياشة التي تتفرد بها، والبوح المكتوم الذي يخالطه خوف وتوجس من نقد سلبي يوجه لها في الغالب. وأنه في لوحة "غابة من النساء" جسدت المرأة مثل قامة شامخة فارعة ومتشابكة الأغصان، وأنها عبرت عن العوالم الأخرى المغيبة في حياة المرأة. وأن الرجل حاضر بلوحاتها، ولتجسيده فنيا تقوم باستدعاء مفردات من الطبيعة كشموخ الجبال وقوة الخيل والصقر كرمز تاريخي. 

fine arts
ثمة أطياف تُنسج من الرؤى

وحول رؤيتها لمكانة المرأة في المشهد التشكليلي السعودي والعربي، قالت الفنانة ليلي جوهر، بأنه من المؤكد أننا لسنا بصدد مقارنة بين المرأة والرجل في مجال الفنون البصرية، ونجزم بتخطي الأنثى لسقف المقارنة منذ أن تعاملت بذكاء مع التقنيات والوسائط والتكنولوجي الذكي المستخدم في مجال الفنون البصرية، ونحن اليوم نرى تواجد المرأة بجميع المنصات الفنية بحضور ملحوظ  وملموس ونتاج إبداعي متميز، وتنظم المحافل والورش الثقافية والفنية وتدير الجاليريهات، وتقود الورش الجماعية كمدربة معتمدة وبجدارة .
ورأت الفنانة ليلي جوهر، بأن التغلغل الإفتراضي الذكي جعل العالم نسيجا إجتماعيا متقاربا، وقد استفادت منه المجتمعات الخليجية والعربية بشكل إيجابي، وخاصة الأوساط التشكيلية، فبرزت كل فنانة مستقلة بكيانها، واثقة من قدراتها، فلحقت بركب الإبداع، تمارس هواياتها وتنمي ما لديها من مواهب ومهارات في مجال الفنون البصرية .
ولفتت إلى أن فالمرأة تتميز عن الرجل في نقل ورسم التراث والموروث الخاص بثقافتها وهويتها، في شتي المجالات بإبداعات نابعة من تكوينها بصدق وحب.
العرب والعالمية
وحول وصول الفنانين العرب للمنافسة عالميا مع أقرانهم بقارات العالم، قال الفنانة ليلي جوهر، إن المملكة العربية السعودية، غنية بأبنائها من التشكيليين الذين وصلوا للعالمية، وكذلك البلدان العربية الشقيقة التي بات لها اسماء فنية حققت مكانة عالمية.
وأضافت بأن هناك أيضا فئة "متسرعة ومستنسخة" من الفنانين الذين تنقصهم الثقافة والتجارب والبحث والقراءة لتاريخ الفن ومدارسه ومذاهبه، لافتة إلى أنه لا تقوم حضارات بدون الرجوع لأثر سابقتها.
ودعت إلي أهمية الإهتمام بالتغذية البصرية، ليتشبع فناني هذا الجيل بالمعطيات الفكرية المنفتحة للإستفادة لما وصلوا له من فنون تخطت في تقنيتها أرض الواقع الملموس بتكنولوجيا وتقنيات متقدمة لم تتواجد بعد في محيطنا العربي إلا ماندر ومن ثم المحاكاة مع الحفاظ على الهوية العربية.
وأن الفنانين العرب يسعون علي الدوام لتطوير أدواتهم الفنية، ومواكبة ما يطرأ علي المشهد التشكيلي من تطور، من حيث المهارات والأساليب والمدارس الفنية