فن الكاريكاتير يشارك بالضحك المر في احتجاجات لبنان

رسامو الكاريكاتير يجدون في الحراك المستمر فرصة لنشر أعمالهم التي ينتقدون فيها الطبقة السياسية، على جدران بيروت.

بيروت - يتنقل محمد علم الدين من جدار إلى آخر في ساحة التظاهر الرئيسية في بيروت، يلصق عليها رسوم كاريكاتير بالابيض والأسود ينتقد فيها الطبقة السياسية التي تواجه منذ أسابيع حراكاً شعبياً يطالب برحيلها.
حاز علم الدين (24 عاماً) قبل أشهر على شهادة ماجستير في فن الكاريكاتير الصحافي، لكن على غرار شبان كثر في لبنان لم يستطع العثور على عمل، فوجد في الاحتجاجات المستمرة منذ 17 تشرين الأول/اكتوبر فرصة لنشر رسوماته على نطاق أوسع.
ويقول لوكالة فرانس برس "لم أستطع أن أجد عملاً في صحيفة، لذلك بت أنزل إلى الشارع لتعليقها بنفسي" بعدما كان يكتفي بنشرها على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي. ويضيف "بات بمقدوري مشاركة رسوماتي مع العالم خاصة أنها تتناول المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية".
ويقصد محمد وأصدقاؤه الأماكن العامة فيلصقون رسوماته على الجدران أو يوزعونها على المتظاهرين، وهو ينتقد فيها أزمتي الكهرباء والنفايات والمشاريع المبنية على الأملاك العامة البحرية، موجها ريشته بشكل رئيسي ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد.
في إحدى الرسومات، يصور محمد رجلاً نحيلاً يرتدي سروالاً داخلياً فقط وأمامه يجلس زعيم طويل الأنف على عرش يحمله أربعة رجال، ويبادره الزعيم بالقول بالعامية "بدنا كيلوتك (سروالك الداخلي) لنسكر الدين".
في وسط بيروت، يلصق محمد على أحد الجدران رسماً لخريطة لبنان ملونة بالأسود وإلى جانبها تعليق "مساحة عامة" باللغة الإنكليزية، والمغزى وفق قوله هو أن لبنان على وقع التظاهرات التي عمّت كافة المناطق بات بكامله "مساحة عامة بعد كسر الكثير من المحرمات.
والحراك الشعبي في لبنان المعروف بتسمية "ثورة 17 تشرين"، غير مسبوق كونه لم يستثن منطقة او طائفة أو زعيما في بلد يقوم على المحاصصة الطائفية، وهو يتخبّط في أزمة اقتصادية متصاعدة تقترن بشح كبير في السيولة، وقد بلغت ديونه 86 مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

الفنان محمد علم الدين
'في النهاية ستضحك على أكثر ما يوجعك'

اضحك على الوجع
ويكرّر علم الدين في العديد من رسوماته شخصيّة الرجل الطويل الأنف الذي يطلق عليه اسم "الرئيس نزيه"، منتقدا من خلاله الطبقة السياسية من دون تسمية الزعماء بالأسماء، على حد قوله.
ولمناسبة عيد الاستقلال في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، رسم علم الدين "الرئيس نزيه" متشبّثا برجل كرسي وهو يقول لها بالعامية "ما تخافي حياتي، إنت مستحيل استقل عنك".
ولـ"الرئيس نزيه" قصة، فهو بحسب ما يتخيل علم الدين "كان يقود ميليشيا خلال الحرب الأهلية قبل أن يتحول إلى رجل سياسة".
ويوضح "إنه يمثل الرجل السياسي الذي ورثناه بعد الحرب الأهلية".
وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا أطرافا في الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد (1975-1990)، ولا يزال أغلبهم في الحكم بعد نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء عموماً طائفة أو منطقة معينة.
ويقول علم الدين عن شخصية الرئيس نزيه "نراه كيف يتعامل مع الناس، ما يقوم به تحت الطاولة وما يقوله فوق الطاولة، وكيف يدير شبكات الفساد، لكن بطريقة ساخرة".
ويضيف "في النهاية، ستضحك على أكثر ما يوجعك".
وبعد أكثر من شهر على استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري على وقع غضب الشارع، حدد الرئيس اللبناني ميشال عون الإثنين موعداً لبدء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة بعد أسابيع من المشاورات بين القوى السياسية التي يرفض متظاهرون أن يكون لها أي تمثيل في الحكومة المرتقبة، مطالبين بأن تتألف الحكومة المقبلة فقط من اختصاصيين.

الفنان محمد علم الدين
السخرية الموجعة

لن أعود
في منزله في إحدى ضواحي بيروت، يخط برنار الحاج (31 عاماً) على حاسوبه اللوحي رسماً جديداً، وهو الذي انتقل قبل سنوات من العمل في الإعلانات إلى فن الكاريكاتير الساخر تحت عنوان "آرت أوف بو".
قبل أشهر من بدء التظاهرات في لبنان في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة، رسم برنار مجموعة من الرجال يرتدون بدلات رسمية ويمارسون رياضة اليوغا. وتردد المدربة على مسامعهم "جيد جداً، تنفسوا، استمروا في تجاهل الأزمة".
ويقول برنار "أستوحي من الحياة اليومية في لبنان وأغلبها مرتبط بالسياسة، فإذا صعدت في سيارة أجرة أو ذهبت إلى محل الخضار أو الحلاق، الحديث يتمحور حول السياسة".
ومع استمرار الحراك الشعبي والانهيار الاقتصادي في لبنان، بات الوضع المالي وإجراءات المصارف التي فرضت قيودا بالغة الشدة على سحب الدولار، محور الحديث اليوم أيضاً.
ويقول برنار "وجدت موقعي في الثورة ودوري هو أن أبقي الحديث مستمراً عبر الإضاءة على المواضيع" التي تمس بحياة الناس.
واحتفالاً بمرور شهر على انطلاق الاحتجاجات، نشر برنار في صحيفة "لوريان لوجور" الناطقة بالفرنسية رسم كاريكاتير يعكس صورة بلد مزدهر بعد عشر سنوات من الآن.
ويظهر في الرسم رجل يتنقل في المترو، وطفلة تسأل والدها "ما هو المحول الكهربائي؟"، ورجل يتلقى رسالة عبر هاتفه جاء فيها "سرعة الانترنت فائقة لا يتحملها هاتفك الخلوي".
يحلم برنار ببلد يديره الجيل الجديد بعيداً عن الزعماء التقليديين، يتحمل مسؤوليته شبان وشابات قادرون على إصلاح الوضع الاقتصادي والبيئي وخفض نسبة البطالة.
لكن إذا بقي الوضع على حاله، فلن يجد حلاً أمامه سوى الهجرة.
ويقول "أدرس اللغة الألمانية، وإذا لم يتغير الوضع، سأغادر ولن أعود".