فورستر ومجموعته القصصية الكاملة

قصص إي إم فورستر تكشف عن عمق رؤيته الإنسانية ونظرته لأهمية التواصل والتفاعل الإنساني الجلي بين أفراد المجتمع والأسرة.
فورستر أقام في الإسكندرية وكتب كتابا شهيرا هو "الإسكندرية .. التاريخ والدليل"
الخيال يسبح فوق مشاهد أيام العطلة في إيطاليا وإنجلترا

نال الروائي والقاص وكاتب المقالات البريطاني إدوارد مورجان فوستر - أو كما عرف اسمه إي إم فورستر - شهرة في كتابة روايات مهمة تحولت لأفلام عالمية منها "رحلة إلى الهند" و"غرفة مع منظر". 
وتأتي قصصه التي تعد أقرب إلى الروايات القصيرة والتي ترجمها مجدالدين حفني ناصف وراجعها علي أدهم وصدرت أخيرا عن دار آفاق بعنوان "إي إم فورستر.. مجموعة القصص القصيرة" لتكشف عن عمق رؤيته الإنسانية ونظرته لأهمية التواصل والتفاعل الإنساني الجلي بين أفراد المجتمع والأسرة، وهو خلال ذلك يستخدم الحكم المأثورة والفلسفة الإنسانية التي تبين عنها في تشكيل ومعالجة شخصياته وأحداث قصصه.     
وقد عرف إي إم فورستر باهتمامه بالعلاقات الشخصية والتحديات الاجتماعية والنفسية التي تؤثر على هذه العلاقات وتلقي بظلالها على السلوك. ولد في لندن في الأول من يناير/ كانون الثاني عام 1879، وتوفى في السابع من يوليو/ تموز عام 1970، أي عاش للحادية والتسعين من عمره.
ويذكر أنه أقام في مصر فترة خاصة في مدينة الإسكندرية، عرف خلالها المجتمع المصري عن قرب وليس كمجرد أجنبي يعيش بين أجانب الإسكندرية الكوزموبوليتانية. وقد كتب كتابا شهيرا هو "الإسكندرية .. التاريخ والدليل".
في مقدمته لمجموعته القصصية هذه قال فورستر "كتبت هذه الأخيلة في فترات مختلفة سابقة على الحرب العالمية الأولى، وهي كل ما أنجزت من قصص ذي اتجاه معين وطابع تختص به ومنذ ذاك الوقت وقعت أحداث كثيرة: اختلت المواصلات، وعدلت الحدود تعديلات جغرافية ونفسية، وقامت حرب عالمية ثانية، ويجري الإعداد لثالثة، واتخذ الخيال اليوم سبيله إلى أن يتراجع أو أن يئد نفسه، أو أن يلجأ إلى الرمز والتخفي رعاية للقنبلة الذرية. 

قصة "بيت القصيد" لم تصب نجاحاً عندما نشرها أصدقائي آل بلومزبري. وحدث شيء من التساؤل موضوعه: ما هو بيت القصيد؟ فلم أدر كيف أجيب عنه.

ويتسنى لمن يعنيه تلقف الخيال أن يفعل ذلك ها هنا في العراء. إن الخيال يسبح فوق مشاهد أيام العطلة في إيطاليا وإنجلترا، أو يلحق - وإن أعوزته المسوغات - فوق بلاد المستقبل. هي أو هو لأن الخيال- وإن تأنث أغلب الوقت - يشبه الرجل أحياناً. وقد يقوم أحيانًا مقام هرميس الذي كان من وظائفه تنفيذ أقل الأوامر الإلهية شأناً: كأن يكون "ساعيًا" أو مدرب آلات أو دليل الأرواح إلى آخره ليست على درجة كبيرة من الرعب".
وأوضح أن القصة الاستهلالية "قصة الفزع" هي أول ما كتبت من القصص، وما تزال ملابساتها ماثلة أمام عيني في وضوح. فبعد أن هبطت من كمبريدج - التي عدت إليها توًا - ظللت أتنقل في الخارج نحو عام. وأظن أن مايو سنة 1902 هو الوقت الذي فيه تمشيت بالقرب من دَفلو. جلست في واد يعلو المدينة ببضعة أميال، وفجأة تدفق في ذهني الفصل الأول من القصة كأنما كان ينتظرني هناك، فتلقيته كأنه حقيقة واقعة وسجلته فور بلوغي الفندق. إلا أنه بدا غير مكتمل، وبعد بضعة أيام زدته حتى أصبح ثلاثة أمثال الأصل وهي - عملية العكوف على الموضوع وكأنها جلوس علي تل للنمل - من الأمور التي قلما تحدث.
ووقع لي مثل ذلك في العام التالي في اليونان حيث طالعتني قصة "الطريق من كولوناس" في جوف شجرة خاوية غير بعيدة عن أولمبيا. وأعدت الكرة - أو بالأحرى حاولت ذلك مرة ثالثة - في كورنوول عند رأس جرنارد. 
وهنا - على الصورة نفسها تماماً - قابلتني قصة فارتضيتها على أنها عمل فذ، وذلك منذ أتيح لـ "الفزع" و "كولوناس" النشر والتقدير. وكان موضوعها رجلاً أنقذه بعض الصيادين من الغرق ولم يدر كيف يثيبهم. ماذا تساوي حياتك؟ خمسة جنيهات؟ خمسة آلاف جنيه؟ وخلص إلى ألا يعطي شيئاً على الإطلاق وإلى أن يعيش بينهم مقيتاً مرذولاً. 
ولما ألحت علي الفكرة أدخلت يدي في كيس نقودي واستخرجت جنيهًا إنجليزيًا ذهبًا - وكانت الجنيهات الإنجليزية الذهبية موجودة آن ذاك - وأدخلته صندوق الإعانة لمؤسسة زوارق النجاة الملكية التي شيدت فوق رأس جرنارد لمثل هذا الموقف. وكان في مقدوري تماماً أن أهب ذاك الجنيه، وكان لزاماً علي أن أكسب أمثاله، المرة بعد المرة. 
بحر هادئ، صخرة مستوية مغمورة كان على بطل قصتي أن يعلق بها وترنح. قرية فيها يكون على منقذيه أن يهاجموه. فنقلتها جميعاً ولم أزد على أن أرتجل شخصية امرأة عاقلة جعلتها زوجة وجعلت "الصخرة" عنوان هذا الجهد المنحوس. لقد أخفقت إخفاقا ذريعاً فإن ناشراً واحداً لم يعرها اهتماماً. لقد كان إلهامي أصيلاً ولكن لا غناء فيه، شأن كل إلهام مماثل. ومنذ ذلك الوقت لم ألق بالاً بوحي طارئ إطلاقًا.
أما عن قصته "أطول رحلة" فلفت فورستر إلى أنها كانت من وحي مكان ما، ولكن بطريقة معقدة غير مباشرة لا محل لبحثها هنا. ولم تلهمني الأماكن الأصلية إلهاماً مباشراً إلا مرات ثلاثاً انتزعت مني ثالثتها جنيهاً إنجليزياً ذهباً، غير أني أمضي عادة تدفعني أفكاري وذكرياتي أو وحي قلمي. 

جاز إهداؤها إلى أحد آلهة العصر الخالي
اللحظة السرمدية

والمناهج المختلفة لا تعقب بالضرورة نتائج متنافرة. وإذا قارن القارئ الفصل الأول من "قصة الرعب" التي تستمد وجودها مباشرة من المكان الذي تصفه - مع الفصلين التاليين اللذين فيهما أخذت أتساءل عما عساه يحدث بعد - فما إخاله يتنبه إلى أن نصف الكرة الأرضية قد قفز إلى الميدان في مظهر جديد. وإن مواهب الكاتب قاطبة - ومنها موهبة التلفيق - لتأتمر مجتمعه على هذا النحو للابتكار. وكثيراً ما تستنبط السهل المطمئن مضيفة كلمة هنا وكلمة هناك.
ولفت فورستر إلى أن قصة "الآلة تقف" ما هي إلا كرجع الصدى لإحدى موحيات هـ. ج. ولز الباكرة. وما قصة "اللحظة السرمدية" - وإن غلب عليها أنها نسيج خالص لله - إلا تأملاً في "كورتينا دامبيزو". أما قصة "بيت القصيد" فلم تصب نجاحاً عندما نشرها أصدقائي آل بلومزبري. وحدث شيء من التساؤل موضوعه: ما هو بيت القصيد؟ فلم أدر كيف أجيب عنه.
وختم فورستر: قد جمع قصصي أول الأمر كتابان، أطلق على الأول اسم "الأمنيبوس السماوي" وأهدي "إلى ذكرى المجلة المستقلة" Independent Review وكانت تلك مجلة شهرية يديرها مجلس تحرير من الأصدقاء الذين شجعوني علي أن أبدأ ممارسة الكتابة. وخطط صديق آخر - وهو دوجرافي - غلاف الكتاب وصفحته الأخيرة. 
أما الكتاب الثاني فقد صدر بعد ذلك بسنوات عديدة، وأسميته "اللحظة السرمدية" وأهديته (إلي ت. أ. لافتقاد ما هو خير من ذلك)، وهذه العبارة ترمز إلى الكابتن لورنس "المشهور بمغامراته في بلاد العرب ومؤلف كتاب "أعمدة الحكمة السبعة". والآن وقد جمعت القصص كلها بين دفتي كتاب واحد وأخذت تبحر بعيداً إلى دنيا لا عهد لها بها، هل يحسن إهداؤها من جديد؟ ربما! ربما جاز إهداؤها إلى أحد آلهة العصر الخالي. وإن هرميس مرشد الأرواح إلي العالم الآخر ليقترح نفسه. إنه هو الذي لاح لخاطري في مستهل المقدمة، وإنه ليسعه على أية حال أن يقف في مقدم السفينة ويرقب أمواج البحر المحطمة".