فوز بايدن يُبعثر أوراق أردوغان

الرئيس التركي سيفقد خط التواصل المباشر مع واشنطن برحيل ترامب التي لم يبد حزما في التعاطي مع ما يعتبره سياسيون أميركيون تماديا تركيا في تحدي الولايات المتحدة في أكثر من ملف دولي.
أردوغان تأخر كثيرا في تهنئة بايدن بالفوز برئاسة اميركا
بايدن لن يكون ليّنا في التعاطي مع التوسعات التركية
القلق يخيم على تركيا في انتظار ساكن البيت الأبيض الجديد
بايدن يميل للحزم في احتواء تركيا بعيدا عن الصدام معها
عقوبات أميركية مؤجلة على تركيا في انتظار تولي بايدن رسميا الحكم
تركيا لم تتقدم لبايدن بالتهنئة في انتظار الإعلان الرسمي عن فوزه

أنقرة - سيستحيل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الأرجح في عهد جو بايدن التأثير على قرارات الرئيس الأميركي باتصال هاتفي بسيط كما كان يفعل مع "صديقه" دونالد ترامب.

وكان لافتا حجم الإرباك الذي تعيشه تركيا بعد اعلان وسائل اعلام أميركية فوز المرشح الجمهوري جو بايدن، فالرئاسة التركية ترددت كثيرا قبل أن توجه رسالة تهنئة لبايدن.

 وكان أردوغان الذي يقيم علاقات جيدة مع الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب آخر من وجه من الزعماء في العالم تقريبا، رسالة تهنئة لبايدن الفائز في السباق للبيت الأبيض، معربا عن أمله في تعزيز العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن.

وقال أردوغان في هذه الرسالة التي نشرتها الرئاسة التركية "المحن التي نواجهها على الصعيد الدولي والإقليمي تجعل ضروريا تطوير علاقاتنا وتعزيزها بناء على المصلحة والقيم المشتركة".

والحقيقة أن ترامب الذي يفترض أن يغادر منصبة رسميا في 20 يناير/كانون الثاني بعد اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بشكل رسمي وطبعا ما لم يطرأ أي تغير مفاجئ في مسار تسليم السلطة، كان ليّنا في التعاطي مع ما اعتبره سياسيون أميركيون تماديا تركيا في تحدي الولايات المتحدة، بينما يلتقي الرجلان تقريبا في أكثر من نقطة أبرزها اعتمادهما نهجا صداميا في التعامل مع قضايا وملفات دولية وإقليمية.

ومعروف عن ترامب إعجابه بقادة يحكمون بقبضة من حديد ومن بينهم أردوغان الذي كان يصفه بأنه صديق إلا أن ذلك لم يجنب البلدين أزمات كثيرة في السنوات الأخيرة التي اتسمت بتراجع في العلاقات اثر محاولة انقلاب فاشلة في تركيا العام 2016.

ويرى محللون أن الرئيس المنتخب ما أن يتولى منصبه لن يسعى إلى تهميش تركيا بقيادة أردوغان التي تضطلع بدور متعاظم في المنطقة بل سيحاول إقامة علاقات تستند إلى قواعد جديدة أكثر صرامة مع هذا الحليف الاستراتيجي في حلف شمال الأطلسي.

ودعت تركيا دونما جدوى الولايات المتحدة إلى تسليمها الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في بنسيلفانيا الذي تتهمه بأنه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة.

ويختلف البلدان أيضا بشأن قوات كردية تعتبرها أنقرة "إرهابية"، لكنها مدعومة من واشنطن في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، إلا أن العلاقة الشخصية بين ترامب وأردوغان ساهمت في الحد من الأضرار.

تركيا تتوقع حل القضايا التي تسمم العلاقات مع الولايات المتحدة. البحث عن حلول للصراعين في سوريا وليبيا يتيح فرصا جديدة لتحسين العلاقات

وتقول غونول تول الخبيرة في ميدل إيست انستيتوت في تحليل، إن قلق الرئيس التركي "في محله" مع رحيل ترامب، فيما يعتقد سام هيلير الخبير المستقل بالشؤون السورية أن "إدارة بايدن لن تكون متساهلة إلى هذا الحد مع تركيا بشأن سوريا ومسائل أخرى".

وامتنع أردوغان وحكومته حتى الآن عن التعليق على فوز بايدن الذي أعلنته وسائل الإعلام الأميركية. وأكد الناطق باسم الحزب الحاكم الاثنين أن أنقرة تنتظر النتائج الرسمية للتعليق.

وتوقعت اسلي ايدينتاسباس من مركز الأبحاث التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الدولية "في عهد بايدن ستنطلق العلاقات بين واشنطن وأنقرة على الأرجح بتوتر وترقب".

وألمحت السلطات التركية إلى ذلك من خلال ردة فعلها الحادة على شريط فيديو نشر في اغسطس/اب لمقابلة مع بايدن وصف فيها الرئيس التركي بأنه "مُستبد" مشددا على ضرورة "تشجيع" منافسيه "لكي يتمكنوا من مواجهة أردوغان وهزمه". ونددت أنقرة بهذا "الجهل الخالص والتعنت" من قبل المرشح الديمقراطي الذي أعلنت وسائل الإعلام الأميركية بفوزه وأقرّ جمهوريون بهزيمة ترامب.

ويؤكد المسؤولون الأتراك أنهم سيعملون مع الإدارة الأميركية مهما كان انتماؤها السياسي. وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو "علاقتنا تترفع عن أي سياسات حزبية".

وحتى في عهد ترامب، عانت العلاقات بين البلدين من طموحات أنقرة في استغلال الغاز والنفط في شرق المتوسط في مياه تؤكد اليونان وقبرص أنها تابعة لسيادتهما.

وفي سبتمبر/أيلول، زار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو اليونان في بادرة تأييد لأثينا. وتقول تول "تخشى أنقرة أن ترى جو بادين ينسج علاقات وثيقة أكثر مع اليونان وأن يعتمد نهجا أكثر تشددا مع تركيا".

وكان ترامب هدد بالقضاء على الاقتصاد التركي في حال عدم الإفراج عن قس أميركي موقوف في تركيا بتهمة التجسس ما أدى إلى أزمة نقدية في العام 2018.

وأكدت ايدينتاسبس أن بايدن وخلافا لسلفه، قد يستخدم مع أنقرة "خطابا يمتحور أكثر على الديمقراطية وحقوق الإنسان في العلاقات الثنائية".

ويعتمد بايدن نهجا أقل انعزالية من ترامب وقد يحاول التخفيف من تحركات تركيا في الخارج ولا سيما ليبيا والنزاع في ناغورني قره باغ. وتقول ايدينتاسبس "تخشى أنقرة أن ترى بايدن يحتوى توسع تركيا".

شراء تركيا منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية اس 400 من ضمن الملفات التي سممت العلاقات الأميركية التركية
شراء تركيا منظومة الصواريخ الدفاعية الروسية اس 400 من ضمن الملفات التي سممت العلاقات الأميركية التركية

وتركيا مهددة بعقوبات أميركية لشرائها صواريخ روسية من طراز أس-400 وسيكون موقف بايدن من هذا الملف حاسما.

لكن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال اليوم الثلاثاء إن بلاده تتوقع حل القضايا التي تسمم العلاقات مع الولايات المتحدة، مضيفا أن البحث عن حلول للصراعين في سوريا وليبيا يتيح فرصا جديدة لتحسين العلاقات.

وتختلف تركيا مع الولايات المتحدة شريكتها في حلف شمال الأطلسي، على قضايا تشمل سوريا وشراء أنقرة منظومة دفاع صاروخية روسية. ونتيجة للخلاف حول المنظومة الدفاعية ألغت واشنطن مشاركة تركيا في برنامج إنتاج طائرتها المقاتلة إف-35 قائلة إن المنظومة الروسية تعرض الطائرة للخطر.

وقال جاويش أوغلوا الذي كان يتحدث في أنقرة إلى دبلوماسيين أتراك إن شراء المنظومة الروسية إس-400 "تم"، مضيفا أن إبعاد تركيا عن برنامج الطائرة إف-35 سيؤثر سلبا على الإستراتيجية الدفاعية لحلف شمال الأطلسي.

وأضافت الخبيرة "سيكون لإدارة بايدن المخاوف نفسها مثل إدارة ترامب أي أن فرض عقوبات على تركيا قد يؤدي إلى إبعاد حليف يبقى مهما في حلف شمال الأطلسي".

وفي كل الأحوال لن يتوفر للرئيس التركي هامشا واسعا للمناورة كما كان الحال في السنوات الماضية خاصة أنه سبق فوز بايدن في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض سبقته دعوات تطالب بالحزم مع الحليف التركي.

وفي المقابل من المتوقع أن يباشر بايدن برأب الصدع مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين بعد سنوات من التوتر والفتور في العلاقات بسبب سياسات ترامب ونهجه الصدامي.

وإعادة تنشيط العلاقات الأميركية الأوروبية سيشمل حتما ضغوطا على الحليف التركي في أكثر من ملف خلافي مع الاتحاد الأوروبي ومن ضمنها ملف التوتر في شرق المتوسط والتدخلات التركية في ليبيا وسوريا وقره باغ.