فوز مرشح أردوغان برئاسة قبرص الشمالية يُعمق جراح القبارصة

أنقرة تعتبر جمهورية شمال قبرص التركية حجر زاوية في إستراتيجيتها للدفاع عما تقول إنها مصالحها في شرق المتوسط.
تركيا ترحب بفوز تتار مجددة أنها ستواصل دعمه بكل الوسائل
الثقل التركي يمنح القومي ارسين تتار فوزا لم يكن متوقعا
 مناصرو تتار يرفعون الأعلام التركية احتفالا بفوزه برئاسة قبرص الشمالية
الانتخابات في شمال قبرص جرت في أجواء من التوتر الشديد
ارسين تتار يرتبط بعلاقات جيدة مع أردوغان على خلاف خصمه اكينجي

نيقوسيا - فاز المرشح القومي المدعوم من تركيا ارسين تتار بـ"رئاسة" جمهورية شمال قبرص التركية المعلنة أحاديا، مخالفا بذلك التوقعات ومانحا أنقرة موقعا متقدما في ظل توتر إقليمي حاد على خلفية مشاريعها في شرق المتوسط.

ومن شأن هذا الفوز أن يعزز النفوذ التركي في شمال قبرص التركية، لكن سيشكل في المقابل عاملا سيؤجج التوتر القائم أصلا في شرق المتوسط وسيمنح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فرصة لتسجيل نقاط إضافية لتعزيز رصيد شعبيته الآخذة في التهاوي بسبب الخلافات المتناثرة التي أثارها محليا ودوليا.   

وحاز تتار نسبة 51.74 بالمئة من الأصوات، متقدّما على مصطفى اكينجي الذي لا تربطه علاقات جيدة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حدث ينبئ بتغير جذري للعلاقات مع شطر الجزيرة الجنوبي.

ولم يساهم الدعم الذي حظي به اكينجي الذي غالبا ما ندد بالتدخل التركي في الانتخابات، من المرشح الذي حلّ ثالثا في الجولة الأولى في 11 أكتوبر/تشرين الأول في حسم النتيجة لصالحه. ولا يستبعد طلب فريقه إعادة فرز الأصوات.

واحتفل مناصرو تتار الذين تجمعوا في مقرّ حزبه بهذا الفوز وسط الأغاني الحزبية ورفع أعلام تركيا.

وسارعت أنقرة إلى الترحيب بفوز مرشحها. وكتب وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو على تويتر "نهنئ الفائز في الانتخابات الرئاسية أرسين تتار. سنعمل معا لضمان ازدهار وتنمية وأمن القبارصة الأتراك. سندافع معا عن الحقوق والمصالح المشروعة لشمال قبرص في شرق المتوسط".

 مصطفى اكينجي لا تربطه علاقات جيدة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مصطفى اكينجي لا تربطه علاقات جيدة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان

وكتب أردوغان بدوره "أهنئ أرسين تتار الذي انتخب رئيسا. تركيا ستواصل تأمين كل أشكال الدعم لحماية حقوق الشعب القبرصي التركي".

وبلغت نسبة المشاركة 67.30 بالمئة بزيادة ثلاث نقاط عن انتخابات 2015 رغم الأزمة الوبائية. وكان نحو 199 ألف ناخب دعوا للتصويت من أصل أكثر من 300 ألف نسمة في شمال قبرص.

وجرت الانتخابات في أجواء من التوتر الشديد بسبب ملف التنقيب عن موارد الطاقة في شرق المتوسط خصوصا بين أنقرة وأثينا الحليفة الرئيسية لجمهورية قبرص المعترف بها دوليا والتي تمارس سلطتها على ثلثي الجزيرة المنقسمة.

وبعد عمليات التنقيب التي قامت بها تركيا قبالة سواحل شمال قبرص، أُثير مجددا الخلاف هذا الأسبوع بعد إرسال سفينة تنقيب تركية إلى المياه التي تطالب اليونان بالسيادة عليها. وندد قادة الاتحاد الأوروبي بـ"استفزازات" تركيا التي تخضع لتهديدات بفرض عقوبات أوروبية عليها.

ومصطفى أكينجي اشتراكي ديمقراطي مستقلّ يبلغ من العمر 72 عاما ويؤيد توحيد الجزيرة بصيغة دولة اتحادية وتخفيف روابط الشمال مع أنقرة. أما تتار (60 عاما) القومي فيؤيّد حلا بدولتين.

وبعد الإدلاء بصوتيهما، قال أكينجي إنه يأمل أن يستذكر القبارصة الأتراك هذه الانتخابات "كاحتفال بإرادة الشعب"، بينما أشار خصمه إلى أهمية إقامة علاقات جيدة مع تركيا.

وأكد سعيد كينان لدى خروجه من مركز اقتراع في شمال نيقوسيا أن "الحلّ الوحيد والجيّد هو حل الدولة الاتحادية". وأشاد طبيب القلب البالغ من العمر 76 عاما بالوضع الجغرافي "الاستراتيجي" للجزيرة، موضحا أن قبرص يمكن أن تسيّر أمورها وحدها بفضل مواردها النفطية التي تستقطب دولا كثيرة "حول القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين".

ارسين تتار يحتفل بالنصر مع انصاره برفع الاعلام التركية
ارسين تتار يحتفل بالنصر مع انصاره برفع الاعلام التركية

وتعتبر أنقرة "جمهورية شمال قبرص التركية" حجر زاوية في إستراتيجيتها للدفاع عن مصالحها في شرق المتوسط وتراقب عن كثب الانتخابات وقد كثّفت مناوراتها لدعم تتار.

وتسبب حفل تدشين قناة تحت الماء تربط شمال قبرص بتركيا إضافة إلى فتح شاطئ مدينة فاروشا الشهيرة التي أمست مدينة مقفرة منذ انقسام الجزيرة وتطويقها من جانب الجيش التركي، بتوجيه اتهامات لتركيا بالتدخل في الانتخابات وكذلك إثارة غضب عدد كبير من القبارصة الأتراك على رأسهم أكينجي.

وتقول المحللة في جامعة شرق المتوسط في شمال قبرص أوزموت بوزكورت إن "القبارصة الأتراك ليسوا سعداء باعتبارهم تابعين لطرف آخر أو بكونهم يُلامون على الدوام أو يُحتقرون".

وترى الباحثة أن التدخل المفترض من جانب أنقرة حوّل الانتخابات إلى استفتاء على "كرامتهم" بالنسبة للكثير من القبارصة الأتراك.

لكن انتهاج خطّ مستقل حيال أنقرة ليس سهلا في جمهورية شمال قبرص التركية، إذ إن تركيا تحكم السيطرة عليها اقتصاديا منذ إنشائها في العام 1983.

وجاءت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كوفيد-19، لتفاقم الوضع. وموّلت أنقرة بناء مستشفى يضمّ مئة سرير في شمال قبرص لمواجهة الوباء.

وحصلت قبرص على استقلالها عن المملكة المتحدة في 1960، غير أن القوات التركية غزتها في العام 1974 ردا على محاولة انقلابية لربطها باليونان.

وأحيا أكينجي لدى وصوله إلى الحكم عام 2015، الآمال بالتوصل إلى اتفاق سلام، لكن المحادثات الرسمية الأخيرة باءت بالفشل عام 2017.

وتجمع القبارصة اليونانيون السبت قرب المنطقة العازلة للمطالبة بإعادة أراضي الشمال، مؤكدين أن قبرص "يونانية". وتقسم مسألة إعادة توحيد الجزيرة الشعب وحتى عائلات القبارصة الأتراك.