"فوس" تتبع مسيرة حياة المستكشف البروسي لودفيج ليتشهارد

ثمة خيط ميتافيزيقي يربط أحداث رواية باتريك وايت ويسمح بأن يتواصل بطلها فوس مع بطلتها لورا من خلال الراوي.
باتريك وايت يرمز في رواية "فوس" بأن المجتمع في سيدني تطور إلى حد كبير خلال رحلة ڨوس الاستكشافية
الكاتب الأسترالي يستخدم في روايته الرمزية الدينية المكثفة
ڨوس، يبدو شغوفاً بالبحث عن الحقيقة وتتملكه روح المغامرة

بنيت أحداث رواية "ڨوس" الرواية الخامسة للكاتب الاسترالي باتريك وايت، والتي حصل بها على جائزة نوبل في الآداب، على مسيرة حياة المتسكتشف البروسي لودفيج ليتشهارد الذي اختفى في القرن التاسع عشر أثناء قيادته لبعثة استكشافية في المناطق النائية الاسترالية.
الرواية – التي ترجمها أخيرا المترجم والروائي عبدالسلام إبراهيم - يستخدم فيها الروائي الرمزية الدينية المكثفة، وثمة خيط ميتافيزيقي يربط أحداث الرواية ويسمح بأن يتواصل بطلها فوس مع بطلتها لورا من خلال الراوي، حيث يصبح فوس وسيلة نقل يعبر بها الكاتب باتريك وايت عن سماتنا الناقصة والمعيبة ليفهم ويتواصل مع الحقائق المستترة والعميقة، ومع المعاناة التي تلعب دوراً في إيجاد السبل التي تؤدي بدورها الى الحكمة.
باتريك وايت (1912-1990) روائي وكاتب مسرحي استرالي حصل على جائزة نوبل عن رواية "ڨوس" والشيء الأبرز في سيرته أنه وضع الأدب الاسترالي على خريطة الأدب العالمي لما حققه من شهرة واسعة. ووفقا لعبدالسلام إبراهيم "كان باتريك وايت يكتب بالتكنيك الحداثي الناجح وبأسلوب لغوي فذ مستفيداً من عمق تجربته الإنسانية التي اكتسبتها بدورها شخصياته. كان لدي وايت مقدرة أن جذب أي قاري على قراءة رواياته لما لديه من أسلوب ساحر. وتتمتع رواياته بتنوع موضوعاتها وأماكنها والشيء المشترك بينها هو اللغة الثرية والتصوير النفسي العميق لشخصياته وأسلوبه الصوفي السلس.

أحداث الرواية تدور على خلفية علاقة حب غامضة تسكنها الأسطورة بين كل من فوس والشابة لورا تريفيليان، التي تعيش في سيدني، وتشاركه حماسه حتى وفاته

يرى ڨوس من خلال الرواية سوبرمان نيتشه، فهو يجسد الإرادة ويستحضرها كأنها قوة قادرة على قهر كل العقبات الإنسانية والطبيعية. كما أنه يعتبر أيضا المستقبل إرادة. فعندما يصل إلى عمق الصحراء تقل قدرته الفائقة ويصبح بروميثيوس الذي لا يلين.
تستهل الرواية بمحاولات جوهان ڨوس في البحث عن نماذج بشرية تصبح نواة لبعثته الاستكشافية التي يعتزم الخوض بها في الظهير الصحراوي في القارة الاسترالية، قبلها يرسم لنا الروائي باتريك وايت شخصية ڨوس، فيبدو شغوفاً بالبحث عن الحقيقة وتتملكه روح المغامرة، وعلى خط موازٍ آخر نجد أن ڨوس يقابل لورا الفتاة اليتيمة التي تعيش في كنف عمها بونر الثري، وتنمو بينهما المشاعر لدرجة كبيرة.
يقابل ڨوس أثناء رحلته شخصيات مختلفة من الاستراليين فيقابل ساندرسن الذي يرشده إلى الطريق ويمضي معه بعض الوقت في استراحته ويسرد له ساندرسن عن خبرته الحياتية الكبيرة وكيف يراها ويكشف له عن رغبته في البحث عن الحقيقة، فيراه ڨوس ذلك القديس الذي لا يوجد إلا في حياة أخرى.
يجد ڨوس ساندرسن ذلك الإنجليزي المخلص الذي يعيش في منتصف القرن التاسع عشر مع أسرته في استراليا، تلك الأرض الخصبة لكن المجتمع يستنكر تلك الحياة البسيطة التي يحياها ذلك الرجل.
تصل البعثة الاستكشافية إلى منطقة مجهولة محفوفة بالمخاطر في الظهير الصحراوي بعد أن رافقها دليلان من سكانها، فيواجهون الصعاب والمخاطر الجسدية والفكرية، وينشأ بين أفراد البعثة صراع وخصوصاً أولئك الذين انضموا اليها لأجل أهداف انسانية.
وعلى خط روائي آخر نجد أن لورا تختلف عن بيلي بونر، لأن الحضارة الاسترالية المستعمرة الحدثية ما تزال تبحث عن هويتها، ونجد لورا نفسها مدفوعة بأن ترعى الطفلة ميرسي ابنة الخادمة روز فتؤسس مدرسة للاطفال، بينما تصبح بيلي مسؤولة عن لقاء العائلات وتعارفهم في مجتمع مختلف. 
في نهاية الرواية تعد الاحتفالات بعودة بعثة ڨوس من رحلتها الطويلة ويزيح السكان الستار عن تمثال شُيد من أجل تلك المناسبة. وتستهل الحفلة بظهور أحد أفراد البعثة ليميط اللثام عن كونه الناجي الوحيد منها.
يرمز باتريك وايت في رواية "فوس" بأن المجتمع في سيدني قد تطور إلى حد كبير خلال رحلة ڨوس الاستكشافية.
 في مقدمة الترجمة وضع عبدالسلام إبراهيم سيرة لحياة باتريك وايت قال إنه ولد في انجترا عام 1912. واستقر به الحال في لندن بعد ان أنهى دراسته الجامعية وقد تخصص في اللغات. حينئذ قرر أن يصبح كاتباً، وكانت أول رواية ينشرها بعنوان "الوادي السعيد" عام 1939، ثم نشر روايته الثانية "الأحياء والموتى" 1941 خلال الحرب العالمية الثانية عمل كضابط مخابرات يتبع القوات الاسترالية في الشرق الأوسط واليونان.

علاقة حب غامضة
فرصته للتعبير بحرية عن نفسه

بعد ولادته في 28 مايو/آيار عام 1912 في لندن بستة أشهر، عاد والداه الاستراليان مع أبنائهما إلى استراليا واستقروا في سيدني. وبسبب مرضه بالربو أمضى معظم طفولته في الريف مما دفعه للقراءة والكتابة. ولما بلغ الثالثة عشرة أرسله والده إلى مدرسة داخلية في انجلترا، وطالما كان يحكي بأن السنوات الأربع التي أمضاها في المدرسة كانت تعيسة وكأنها سجن. سافر بعدها مع العائلة إلى أوروبا. وقد خلفت زيارته لكل من النرويج والسويد انطباعاً قوياً في ذاكرته.
يصف وايت فترة الدراسة بأنها كانت فترة ثرية مقارنة بما مرت به من ظروف. وكم كان سعيداً بقراءته للأدب الفرنسي والألماني، وأمضى عطلاته السنوية ما بين فرنسا وألمانيا لتقوية لغته. وبعد تخرجه فوجىء بموافقة والده الذي لا يؤمن بمهنة سوى الزراعة، بتخصيص دخل شهري ضئيل له للبقاء في لندن ليبدأ مهنته ككاتب. وفي عام 1939 كتب أول رواية له بعنوان "الوادي السعيد" ونشرت في لندن، ودفعه ترحيب النقاد بعمله للشعور بأنه أصبح كاتباً. غادر بعدها إلى نيويورك آملا في تكرار التجربة بنشر روايته هناك، إلا أنه أصيب بالإحباط، وفي النهاية قبلت دار النشر فايكنج بريس نشر عمله، التي أصبحت فيما بعد الناشر الرسمي لجميع أعماله.
باندلاع الحرب العالمية الثانية ساءت الظروف، وأصبح يتنقل ما بين لندن ونيورك وهو يكتب روايته الثانية "الأحياء والأموات". وفي عام 1940 جُند كضابط مخابرات في قوة الطيران، وانتقل بين العديد من البلدان ومنها مصر. وخلال انتقاله بين الاسكندرية ولندن كتب روايته "قصة العمة"، وكانت فرصته للتعبير بحرية عن نفسه.
عاد في عام 1951 للكتابة بجهد كبير، وبدأ بروايته "حكم بالحياة المؤبدة على الأرض" التي تطورت فيما بعد لتصبح باسم "رجل الشجرة". تلك الرواية لاقت نجاحا ًكبيراً في بريطانيا والولايات المتحدة على عكس استراليا، حيث هوجمت بشدة، وبأسى يعلق على هذا الأمر بقوله "كنت بصورة مهينة، غريبا في بلدي". واعتبره النقاد في الغرب من أهم الكتاب مثل د. هـ. لورنس وتوماس هاردي وليو تولستوي.
باع في عام 1964 وصديقه المزرعة وانتقلا إلى مركز المدينة، وتابع نتاجه الإبداعي. وفي السنوات الأخيرة من حياته دافع عن قضايا وحقوق السكان الأصليين وحماية البيئة. وتوفي في 30 سبتمبر/أيلول عام 1990 في سيدني بعد معاناة طويلة مع المرض.
انهمك وايت بانتاجه الإبداعي وكتب روايته "ڨوس" التي يتناول فيها ماضي استراليا، من خلال جولات بطل روايته الرحالة المستكشف الألماني جوهان فوس. وتدور أحداث الرواية على خلفية علاقة حب غامضة تسكنها الأسطورة بين كل من فوس والشابة لورا تريفيليان، التي تعيش في سيدني، وتشاركه حماسه حتى وفاته.
كتب وايت اثنتي عشرة رواية وثلاث مجموعات قصصية وثماني مسرحيات، من أهم رواياته "حكاية العمة" 1948، و"شجرة الإنسان" 1955، و"فوس" 1957، و"الراكبون في العربة" 1961، و"عين العاصفة" و"حافة أوراق الشجر" 1976.
أصدر وايت مجموعتين قصصيتين "المحترفون" 1995، و"الببغاء" 1974 ثم نشر العديد من الروايات القصيرة مثل "ثلاثة أجزاء قلقة" 1987. ثم سيرته الذاتية "نبع في الكأس" 1981.
أنجز باتريك وايت أعمالا أدبية أكثر من أي كاتب آخر، كما أنه وضع الأدب الأسترالي على خريطة الأدب العالمي. حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1973 عن رواية "ڨوس". 
مقتطفات من الرواية:
"وجوه ساكني الكهوف كانت ساطعة كوجوه الصخور، لأن جلودهم تشبعت قبل أن يصلوا الى المأوى. كانا بالنسبة للرسول الذي نزل خلال السحب بشرييّن بشكل بغيض. كانت الخراف تحتشد عند البحيرة وحول خرير الماء. حيث تمدد البعض منها بغرض واضح هو عدم النهوض مرة أخرى في مواجهة الصخور والشجيرات."
"أحيانا عندما يحاصرها الغرباء تنكمش حنجرة الفتاة الجميلة الهادية، فتقهرها الأنفاس المتقطعة، عندئذ تشك في كلماتها التي ستلفظها فتصيبها الدهشة".
"الآن تمارس سلطتها بصفتها سيدتها تماما، وأردفت قائلة: بعدما تحدثنا قليلا، ليس بالكثير لحد الثرثرة أو بالقليل لحد الاقتضاب."