في مصر كما في تونس حوار وطني خال من الإسلاميين

الإسلاميون سواء في تونس أو في مصر هم من أقصوا أنفسهم بعدم قدرتهم على الانسجام مع قيم مجتمعاتهم ومحاولة فرض منظومة أخلاقية خاصة بهم.
القاهرة

يعتقد محللون أن عددا من دول المنطقة العربية تجاوزت مسألة استبعاد الإسلاميين من الحكم لتدخل مرحلة استبعادهم من النقاشات العامة في المناسبات الوطنية الكبرى في مؤشر الى أن الإسلاميين عادوا لحالة العزلة التي كانوا يعيشونها خاصة في مصر وتونس قبل أن يتمكنوا من مقاليد السلطة عقب موجة ما يُعرف بالربيع العربي.
وأعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساء الأحد،  عن أن الحوار الوطني الذي أطلقته بلاده لـ"الجميع باستثناء فصيل واحد"، في إشارة لجماعة الإخوان المسلمين.
وقال السيسي إن ذلك الفصيل "اختارالاقتتال عن الحوار"، مضيفا أنه دعاه في 3 يوليو/تموز 2013 لإجراء انتخابات رئاسية دون استجابة.
وفي تونس كرر الرئيس قيس سعيد رفضه إشراك الإسلاميين في برامج الإنقاذ والإصلاح. وقال في أغسطس/آب الماضي "لا حوار إلا مع الصادقين الثابتين الذين استبطنوا مطالب الشعب التونسي، ولا يمكن الحوار مع الخلايا السرطانية"، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية والأحزاب المتحالفة معها.
وفي تصريح خاص لـ"ميدل إيست أونلاين" قال الباحث في الجماعات الإسلامية عبد اللطيف الحناشي إن "الإسلاميين في تونس وعلى رأسهم حركة النهضة كانت طيلة السنوات الماضية أمام امتحان صعب للاستمرار والاندماج في المجتمع التونسي، وهو ما فشلت في تحقيقه".

الإسلاميون يعيشون في مجموعات منغلقة على نفسها وتتبادل المنافع والغنائم فيما بينها وتقصي كل من لا يشبهها

وأضاف أن "الإسلاميين سواء في تونس أو في مصر هم من أقصوا أنفسهم بعدم قدرتهم على الانسجام مع قيم مجتمعاتهم ومحاولة فرض منظومة أخلاقية إخوانية وظلوا طيلة سنوات يعيشون في مجموعات منغلقة على نفسها تتبادل المنافع والغنائم فيما بينها وتقصي كل من لا يشبهها أو لا يؤمن بما تؤمن به".
وشاركت حركة النهضة في الحوار الوطني الذي عُقد في تونس في 2013 عقب اغتيال المعارض محمد البراهمي والذي أفضى إلى إجماع جل المشاركين في الحوار من أحزاب ومنظمات وطنية على ضرورة خروج النهضة من الحكم عندما كانت تقود ائتلافا حكوميا وتسيطر على البرلمان.
غير أنه في النسخة الأخيرة من الحوار الوطني تم استثناؤها بشكل حاسم من المشاركة.
وفي تصريح خاص أكد رئيس حزب التحالف من أجل تونس سرحان ناصري أن "رئيس الجمهورية مطالب بالجلوس مع الأحزاب المعارضة التي لا تتعلق بها قضايا وشبهات فساد، ومع المنظمات الوطنية، ولكن لا مجال للحوار مع الأحزاب التي دمرت تونس".
وفي 2019 وعقب تأكد تراجع حركة النهضة في الانتخابات كتب المحلل السوداني محمد جلال هاشم "إسلاميو تونس فرطوا في فرصة ثمينة عندما كانوا في الحكم، ولا أتوقع إعادة تشكيل حكومة إسلامية هنا بعد أن فشلوا في إدارة الدولة وتساهلوا مع العنف والتشدد الديني".
ويرى الحناشي أن "النهضة كان يسيطر عليها منذ البداية هاجس الإقصاء أو الاستبعاد من الحكم الذي عملت الكثير من أجل إدراكه". 
وأضاف أن رئيس الحركة راشد الغنوشي ومن معه كانوا يجيدون قاعدة الانحناء للعاصفة، لكنهم اصطدموا بموقف سعيّد الحازم بأنْ "لا رجوع للوراء".
ويقول الحناشي إنه لابد من الإشارة إلى مسألة مهمة تتمثل في "اندثار أو تآكل البعد الرمزي للإسلاميين في كل من مصر وتونس. وهو ما سهّل عملية استبعاد الإسلاميين، سواء عبر الإطاحة برئيس مصر السابق محمد مرسي أو الإطاحة برئيس البرلمان التونسي المنحل راشد الغنوشي".
وأوضح الناصري أن "حركة النهضة كانت لا تنفك طيلة السنوات الماضية عن توجيه رسائل سلبية للتونسيين مفادها أن فجوة عميقة تفصل بين الطرفين".
واستشهد الناصري بمطلب حركة النهضة بالتعويض لمناضليها من الميزانية العامة للدولة في وقت كانت تمر فيه تونس بظروف اقتصادية صعبة فاقمتها جائحة كورونا التي عطلت قطاعات اقتصادية واسعة وأحالت الكثير من التونسيين على البطالة الإجبارية.

ماذا يمكن لإسلاميي مصر وتونس أن يقدموا لشعبيهما لو شاركوا في الحوار الوطني 

وطالبت حركة النهضة الصيف الماضي، بتفعيل صندوق يتولى صرف التعويضات لأنصاره ممن يزعم أنهم كانوا ضحايا للاستبداد قبل عام 2011.
وقد أثار مطلب النهضة غضبا شعبيا واسعا في تونس بلغ حد الدعوة للنزول إلى الشارع يوم 25 يوليو/ تموز 2021 للمطالبة برحيل الحركة الإسلامية عن الحكم. وهو نفس اليوم الذي أعلن فيه رئيس الجمهورية عن حل الحكومة وتجميد البرلمان.
وتعليقا على طلب النهضة التعويض لأنصارها من المال العمومي قال المحلل السياسي خليل الرقيق في تصريح إعلامي آنذاك إن "الإسلاميين أثبتوا مرة أخرى أنهم يتحركون ضمن منطق الجماعة لا منطق الدولة مشددا على أن النهضة المسؤولة في حقيقة الأمر عما آلت إليه أوضاع الدولة من ضعف لا تبالي بالدولة ولا بالوضع الحالي للتونسيين".
وأشار الحناشي إلى أن المتضامنين مع الإسلاميين سواء في مصر أو في تونس كانوا دائما يحذرون من أن تسير تونس على خطى مصر و"تنقلب" على منظومة الإخوان. لكن "أثبتت التجربة أن مصر هذه المرة سارت على خطى تونس واستبعدتهم من المشاركة في الحوار الوطني".
وتساءل الناصري "لو فرضنا أن النهضة في تونس أو الإخوان في مصر شاركوا في جلسات الحوار الوطني في البلدين، ماذا يمكنهم أن يقدموا للشعبين،؟"
وأجاب عن تساؤله "لاشيء بالتأكيد، عدا أنهم سيطالبون بالعودة إلى الحكم وتلك هي مشكلة الإسلاميين المتعطشين دوما للسلطة"، مضيفا أنهم "لا يجيدون التحاور مع من يشاطرهم نفس الرأي ويتقاسم معهم نفس الفكرة". 

وتعليقا على رفض الإخوان مقترح الرئيس المصري في 2013 بالذهاب إلى انتخابات مبكرة، قال السيسي إن "الأرضية المشتركة في الحوار والنقاش ليست موجودة".