قاعدة اميركية على الحدود بين اقليم كردستان وتركيا

كثرة اللاعبين في منطقة سنجار تجعل من الضروري تحييد البعض ومواجهة الآخر.
وجود قاعدة أجنبية بين حدود اقليم كردستان وتركيا يشكل ضمانة تركية
ليس من المتوقع ان ترفض الحكومة العراقية إنشاء قاعدة أميركية قرب الحدود التركية

بعد مضي فترة على استهداف مدينة اربيل من قبل "منفلتين"، لا يزال التحقيق مستمرا لمعرفة الجهة المتورطة في هذه الجريمة التي ذهب ضحيتها مدنيون عزل، وايا من تكون الجهة المنفذة للعملية، فان الاولوية اليوم يجب ان تكون للعمل على عدم تكرار ما حصل مستقبلا.

قد يكون التشديد على الاجراءات الامنية هو احدى الحلول المهمة لمنع تكرار ما حدث، الا انه قطعا ليس الحل الوحيد، فمهما بلغت كفاءة الاجهزة الامنية في اي مكان من العالم، ومهما بلغت درجة يقظتها، فلا بد من وجود ثغرات يمكن استغلالها من قبل جهات مغرضة لضرب الاستقرار الامني، لذلك فالمطلوب هو ايجاد حلول جذرية تجنب المدنيين التهديدات الامنية مستقبلا.

من المعروف ان كردستان من الناحية الجيوسياسية تقع ضمن منطقة متخمة بالصراعات السياسية والدينية والمذهبية، تمتزج احيانا لتشكل واقعا معقدا يجب الانتباه اليه والحذر منه سياسيا وامنيا.. فالصراع السني الشيعي (بين الدول العربية وتركيا من جهة، وايران والعراق ولبنان وسوريا من جهة اخرى)، مرورا بالصراع السياسي الامني الاقتصادي بين اميركا واسرائيل ودول الخليج من جهة، وايران ومعسكرها في المنطقة من جهة اخرى، والصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني الذي يدفع الاقليم ثمنها منذ اكثر من ثلاث عقود.. وانتهاء بالمليشيات الشيعية الموالية لايران والتي يعتبر وجودها بحد ذاته امرا مزعزعا لامن المنطقة، كل هذه الشبكة المعقدة من الصراعات كفيلة باشعال فتيل ازمات كبيرة في اي وقت.

بناء على هذا الواقع السياسي الامني المضطرب... فان وجود قواعد اجنبية داخل كردستان وقرب الحدود الايرانية او الحدود العراقية يجعلها عرضة لبهلوانيات جهات متعددة، وبالتالي تعريض امن الاقليم وسلامة المواطنين العزل للخطر، فجغرافية كردستان لا توفر عمقا امنيا وعسكريا كافيا يجعل من اي معسكر فيه بمنأى عن المخاطر والتهديدات الخارجية خاصة اذا كان قريبا من المناطق السكنية.

اذا كيف يمكن ايجاد توازن بين ضرورة تواجد قوات اجنبية في كردستان وفي نفس الوقت تجنيب المدنيين مخاطر ذلك التواجد خاصة بعد ملاحظة ضعف انظمة الحماية الاميركية التي تسببت في احيان كثيرة في اصابات بين المدنيين اثناء تصديها للهجمات الصاروخية، وكيف يمكن استثمار تواجد هذه القوات سياسيا ليكون في مصلحة اقليم كردستان؟

على ضوء ما ذكرنا اعلاه فان اتخاذ الشريط الحدودي بين اقليم كردستان وتركيا (ابتداء من جبال قنديل قرب الحدود الايرانية، وانتهاء بمنطقة فيشخابور قرب الحدود السورية) يمثل موقعا استراتيجيا مناسبا لاي قاعدة عسكرية سواء للجيش الاميركي او لقوات التحالف الدولية وذلك للاسباب التالية:

- طبوغرافية تلك المنطقة مناسبة كونها مناطق جبلية وعرة تعطي حماية طبيعية لاية قاعدة عسكرية تجاه مختلف انواع الاسلحة وتقلل خسائرها.

- تعتبر ابعد نقطة في كردستان عن الحدود الايرانية والمناطق التي تتواجد فيها الفصائل المسلحة العراقية الموالية لها، مما يجعل استهدافها من قبل الطرفين امرا صعبا ومكلفا.

- التجمعات السكانية في تلك المناطق قليلة وعلى شكل قرى مبعثرة بعيدة نوعا ما عن المناطق الجبلية الملائمة لانشاء القواعد العسكرية، ما يقلل الخسائر بين المدنيين في اي هجمات محتملة.

- وجود قاعدة اجنبية بين حدود اقليم كردستان وتركيا يشكل ضمانة لما تسميه تركيا امنها القومي المهدد من قبل عناصر حزب العمال التركي، ويقلل التوتر العسكري في تلك المناطق من قبل الجيش التركي وحزب العمال التركي بخروقاتهم المستمرة للحدود بين الاقليم وتركيا.

- وجود قاعدة عسكرية اجنبية في تلك المنطقة تعيد الاستقرار لقراها، ويمكن اهلها من اعادة اعمارها بعد ان هجروها بسبب القتال بين العمال الكردستاني والجيش التركي.

فقد بقيت الحدود بين كردستان وتركيا خلال ما يقارب الاربعة عقود الماضية منطقة عدم استقرار امني تمثل في القتال الذي بدا في ثمانينات القرن الماضي بين حزب العمال والحكومة التركية، دفع فيها الطرفان ثمنا باهضا في حرب عصابات استنزفت كليهما، شاركهم في دفع هذا الثمن اقليم كردستان، الذي لم يتمكن من استثمار الامكانات الزراعية والسياحية لتلك المناطق وعدم وضع بنية تحتية لها. لذلك فان وجود قاعدة عسكرية اميركية هناك سيؤدي الى وقف القتال بين الطرفين او على الاقل الى خفض تاثيراته، وتجنب المدنيين المخاطر التي يواجهونها ويعطي لاقليم كردستان فرصة تنمية تلك المناطق واستقرار الحياة فيها. 

- يحقق الهدف الاميركي بتواجد قواتها قريبة من مناطق شنكال التي اصبحت منطقة ستراتيجية لعامل الصراع الايراني الاميركي في العراق... فوجودها قرب مناطق فيشخابور تقيد حركة عناصر حزب العمال التركي بين جبال قنديل في اقليم كردستان ومناطق شنكال وكردستان سوريا، وتضعف من مستوى التنسيق بين العمال التركي والمليشيات العراقية الموالية لايران... وبالتالي اضعاف السيطرة الايرانية على شنكال من خلال تلك المليشيات، وقطع التواصل الايراني عبر مناطق شنكال (سنجار) مع سوريا ولبنان الى حد كبير.

- وجود تركيا ضمن حلف الناتو يسهل ايجاد تنسيق مشترك بين القاعدة العسكرية الاميركية هناك وبين نقاط الجيش التركي المنتشرة داخل الحدود بطريقة تحفظ سيادة اقليم كردستان على اراضيه وبنفس الوقت تعزز الامن القومي التركي.

- سيؤدي الى ايقاف غير معلن للقتال بين تركيا والعمال التركي وبشكل تلقائي دون اتفاق، مما قد يعتبر فك اشتباك سياسي ايضا بين الطرفين، يخرجهما من حالة الحرب المعلنة بينهما دون احراج لاي منهما.

- وجود القاعدة العسكرية الاميركية ونقاط عسكرية ممتدة على طول الحدود وصولا الى الحدود الايرانية مع كردستان قد تعطي الجانب الاميركي فرصة هيمنة استخباراتية اكثر على المثلثين الحدوديين العراقي التركي الايراني وكذلك العراقي التركي السوري.

- وجود قاعدة اميركية هناك تعطي التفوق العسكري الاميركي في اي مواجهة مستقبلية بين اميركا وايران. 

- تساعد اميركا في السيطرة على الوضع السوري بشكل اكثر من خلال التواصل المباشر مع مناطق شرق سوريا خاصة اذا ما اقتربت تلك القوات من شنكال والشريط الفاصل بين طرفي كردستان في سوريا والعراق.

- بالنسبة لتكلفة انشاء تلك القاعدة فلن تكون تكاليف باهظة خاصة وان تلك المنطقة تتوسط القاعدة الاميركية في حرير وقاعدة انجيرليك في تركيا، وبالتالي فان تهيئة قاعدة في تلك المناطق الجبلية لن تكون مكلفة على الطرف الاميركي.

ليس من المتوقع ان ترفض الحكومة الفدرالية العراقية انشاء قاعدة عسكرية في تلك المناطق خاصة وان ذلك يأتي نتيجة فشل حكومة بغداد في لجم الفصائل الشيعية المسلحة بعدم استهداف القواعد العسكرية الاميركية في العراق او كردستان.