قانون استرداد المال المنهوب

الفاسدون يمكن حثهم لكي يأتوا ويردوا الأموال قبل البدء بإجراءات قانونية ضدهم.

تكرر الحديث عن سن قانون لاسترداد المال المنهوب في الدول العربية، وهو فكرة جيدة لرفد خزينة الدول بالمليارات، إذ ليس سرا أن فقر الدول العربية ليس ناجما عن شح الموارد بقدر ما هو ناجم عن الفساد، وسن مثل هذا القانون وإنشاء سلطة قضائية خاصة به من شأنه إعفاء الناس من المخاطرة بأنفسهم والوقوف في وجه الناهبين، وليس من العدل أن يقوم فرد بالمخاطرة بنفسه ورزقه وربما عياله والخوض في مثل هذه القضايا الحساسة. فالشخص في القانون هو نوعان: شخصية طبيعية يمثلها الفرد وشخصية قانونية تمثلها جهة معينة حكومية أو غير حكومية. وعندما تكون الشخصية قانونية أو معنوية، تذوب هوية الأفراد فيها، فلا يتعرض أحدهم لعملية انتقام.

لا يخفى على أحد أن المعارضين الفعالين هم خارج الدول العربية وهم يقدمون بجرأة غير محدودة ما لديهم من أدلة، ولكن في غياب سلطة قضائية مختصة في التحقيق في نهب المال العام، يبقى أثرهم محدودا ولا فائدة من الأدلة. فإذا نشأت سلطة خاصة مكونة من قضاة عرف عنهم النزاهة والقوة ونظافة اليد، فإن الفاسدين سيأتون ويردون الأموال قبل البدء بإجراءات قانونية ضدهم، هذا مع بقاء الحل الودي قائما بحيث يرد الناهبون الأموال وديا مقابل عدم تقديمهم للمحاكمة وانتشار قصصهم في وسائل الاعلام التي تتنافس على السبق الصحفي. وعندما تختفي هوية الأشخاص الذين يبلغون عن حالات الفساد تقوم الجهة الرسمية بمقاضاة الفاسد باسمها وبصفتها القانونية، وتعرض الأدلة على الفاسد، فإذا شاء أن يستر نفسه، فإنه يعيد الأموال بصمت، وإلا فإن عليه أن يخوض المعركة القانونية لإثبات براءته.

بالطبع لا أحد يتوقع من قانون ولجنة كهذه أن تجتث الفساد من جذوره ولكنها على الأقل سوف تحد منه، وهذا التقليل سيرد للخزينة الملايين إن لم يكن المليارات، وإذا كان التطبيق بأثر رجعي، فربما تخرج الدولة من حالة الفقر، فهناك رجال ونساء يملكون أصولا تقدر بالمليارات، حصلوا عليها أثناء وجودهم في الدولة، وعليهم أن يثبتوا كيف حصلوا عليها. أما الذين سرقوا وخرجوا فهناك جهات عالمية مختصة في التحقيق في الأموال المنهوبة واستردادها، ويمكن التنسيق معها وتزويدها بالأدلة.

إن جميع الدول العربية تعاني من الفساد، وطالما ظلت هذه القضايا مائعة ولا يتحدث عنها إلا بضعة معارضين فروا الى الخارج وصاروا يكشفون حالات الفساد، فلن تحصل الدولة على شيء وسوف يظل شرحهم وتوضيحهم على شبكات التواصل الاجتماعي صرخة في الرياح، وكل الأمر يعتمد على وجود إرادة حقيقية لدى الدولة لمحاربة الفساد واسترداد أموال الشعب، أما حل المشاكل من خلال المساعدات من هنا وهناك فلا يجدي نفعا خاصة وأنه حتى المساعدات قابلة للنهب ولا أحد يدري أين ذهبت، كما أنه لا يوجد دولة مستعدة أن تظل تصرف من خزينتها لمساعدة هذا البلد أو ذاك وهم لا يساعدون أنفسهم.