قرارات عسكرية تنذر بصدام وشيك في الجزائر

قائد الجيش الجزائري يصدر تعليمات بحجز حافلات تنقل المحتجين إلى العاصمة وتغريم أصحابها ضمن أحدث خطوة لتفكيك الحراك الشعبي بذريعة مؤامرة تحاك للجزائر.

قائد الجيش الجزائري ينتقل من التحذير إلى الترهيب
قايد صالح يريد تحصين نفسه من أي ملاحقات في المستقبل
يُنظر لقايد صالح على أنه من النواة الصلبة لنظام بوتفليقة

الجزائر - تنذر تعليمات أصدرها قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح بصدام وشيك بين الحراك الشعبي المستمر منذ أشهر حتى بعد استقالة الرئيس بوتفليقة، وقوات الأمن والدرك.

والأربعاء، صعّد الجيش الجزائري من لهجته بعد ثلاثة أيام من إعلان موعد انتخابات رئاسية يرفضها المحتجون، مشيرا إلى أنّه سيمنع من الآن فصاعدا المتظاهرين الآتين من محافظات أخرى إلى العاصمة من الانضمام إلى الحشود التي تتجمع في وسطها.

وانتقلت قيادة الجيش الجزائري من مرحلة التحذير إلى مرحلة تطويق الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، عبر قرارات اعتبرت قمعية وتعسفية استهدفت تفكيك الحراك الشعبي الذي ينادي برحيل الحكومة وكل رموز النظام السابق بمن فيهم الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح وقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح.

وبذريعة التصدي للمؤامرة التي تحاك للجزائر ممن وصفهم قايد صالح بـ"العصابة"، أعطى الأخير تعليماته لقوات الدرك الوطني بحجز الحافلات التي تنقل محتجين من خارج العاصمة إلى داخلها وتغريم أصحابها، فيما يأتي هذا القرار في ذروة حملة اعتقالات طالت نشطاء ومعارضين وأيضا رموزا من نظام الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة.

وكثّف قائد أركان الجيش الجزائري في الفترة الأخيرة من تدخلاته وخطاباته التي اعتبرت توجيها ينذر بقمع الاحتجاجات اليومية المنادية برحيله ورحيل الحكومة ورموز النظام.

وتعثرت جهود حل الأزمة السياسية على ضوء تمسك كل طرف بمطالبه، فالسلطة الانتقالية بقيادة عبدالقادر بن صالح وقيادة الجيش تدفع باتجاه إجراء الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام الحالي من دون الاستجابة لأهم مطلب للحراك الشعبي وهو رحيل رموز النظام، وهو ما ترفضه المعارضة وقادة الاحتجاجات.

وقال قايد صالح "القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي قررت من موقع مسؤوليتها التاريخية مواجهة العصابة وإفشال مخططاتها الدنيئة وأدركنا منذ البداية أن هناك مؤامرة تحاك في الخفاء ضد الجزائر وشعبها وكشفنا عن خيوطها وحيثياتها في الوقت المناسب".

وأضاف "ومن هذا المنطلق، فقد لاحظنا ميدانيا أن هناك أطرافا من أذناب العصابة ذات النوايا السيئة، تعمل على جعل حرية التنقل ذريعة لتبرير سلوكها الخطير والمتمثل في خلق كل عوامل التشويش على راحة المواطنين، من خلال الزج الأسبوعي بعدد من المواطنين يتم جلبهم من مختلف ولايات الوطن (المحافظات) إلى العاصمة".

واعتبر أن الهدف من ذلك هو "تضخيم الأعداد البشرية في الساحات العامة التي ترفع شعارات مغرضة وغير بريئة تتبناها هذه الأطراف. والغرض الحقيقي من وراء كل ذلك، هو مغالطة الرأي العام الوطني بهذه الأساليب المخادعة لتجعل من نفسها أبواقا ناطقة كذبا وبهتانا باسم الشعب الجزائري".

وكان قايد صالح يشير إلى الشعارات التي رفعت ضدّه والتي طالبته بالرحيل لكونه رمزا من رموز نظام بوتفليقة وجزء من منظومة الحكم.

ورفع المحتجون أيضا شعارات ترفض الحكم العسكري، في إشارة إلى سلطة قايد صالح الذي سبق أن نفى أن تكون للجيش أطماع في الحكم وأن الجيش سينأى بنفسه عن السياسة.

الجزائريون يطالبون برحيل قايد صالح بوصفه حليفا قويا لبوتفليقة وأحد أهم رموز نظامه
الجزائريون يطالبون برحيل قايد صالح بوصفه حليفا قويا لبوتفليقة وأحد أهم رموز نظامه

لكن اتضح عمليا أن الكلمة العليا واليد الطولى هي للجيش وأن السلطة الانتقالية تنفذ ما تمليه قيادة الجيش.

وقال قايد صالح "أسديت تعليمات إلى الدرك الوطني بغرض التصدي الصارم لهذه التصرفات (نقل المحتجين للعاصمة) من خلال التطبيق الحرفي للقوانين السارية المفعول بما في ذلك توقيف العربات والحافلات المستعملة لهذه الأغراض وحجزها وفرض غرامات مالية على أصحابها".

ويسعى رئيس أركان الجيش الجزائري على الأرجح لتحصين نفسه في المرحلة القادمة في حال جرت انتخابات رئاسية وتشكلت حكومة ديمقراطية لا تضم رموزا من النظام السابق.

ويعتبر قايد صالح من أعمدة نظام بوتفليقة وطالما دافع عنه ودعم ترشحه لولاية رئاسية رابعة وخامسة، لكن الاحتجاجات الشعبية فككت الولاية الخامسة وأسقطت تمديد الولاية الرابعة.

وقفز قائد الجيش من سفينة النظام حين أدرك أن الاحتجاجات لن تهدأ إلا بسقوط بوتفليقة، فضغط لتحقيق هذا المطلب الشعبي على أمل احتواء الحراك وليظهر كرجل مرحلة حيّد الجيش عن السياسة ولم يتدخل في الأزمة إلى جانب النظام.

قيادة الجيش تعمل على تفتيت زخم الاحتجاجات الشعبية
قيادة الجيش تعمل على تفتيت زخم الاحتجاجات الشعبية

ولم يشفع لقايد صالح ذلك الموقف الذي أثنى عليه كثيرون بمن في ذلك المعارضة، لكن قادة الحراك الشعبي أعلنت لاحقا أن الاحتجاجات مستمرة حتى رحيل الحكومة ورموز النظام بمن فيهم قايد صالح.

ويسعى الجيش الجزائري الذي تدخل في السابق في أزمات سياسية، إلى الهيمنة وفرض السلطة الانتقالية ورموزها ضمن الخارطة السياسية التي بدأت ترتسم ملامحها.

وفي الوقت الذي يطالب فيه قادة الحراك الشعبي والمعارضة بإطلاق سراح جميع من جرى اعتقالهم خلال الاحتجاجات كأحد شروط الحوار الوطني، كثّفت السلطة في الجزائر من اعتقال النشطاء والمعارضين.

وأمرت محكمة في العاصمة الجزائرية الخميس بإيداع فضيل بومالة أحد وجوه الحراك الاحتجاجي الذي يهزّ البلاد منذ نحو سبعة أشهر، رهن الاقاف التحفظي (الاحتياطي) لاتهامه بـ"المساس بالوحدة الوطنية"، وفق أحد محاميه.

وأوقف الإعلامي السابق في التلفزيون الجزائري الوطني أمام منزله في ضاحية العاصمة مساء الأربعاء، وفق ما كتب المحامي عبدالغني بادي على صفحته في فيسبوك.

وأودع بومالة الاحتجاز الاحتياطي بعدما استمع إليه قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في شرق العاصمة، وفق ما كتب بادي في صفحته.

ويعدّ بومالة ثالث شخصية بارزة ضمن الحراك الاحتجاجي التي تودع الاحتجاز الاحتياطي بعد المعارض كريم طابو في 12 سبتمبر/ايلول وسمير بلعربي الذي اتهم الثلاثاء بـ"المس بالوحدة الوطنية".

وشارك هؤلاء في الحراك الاحتجاجي منذ انطلاقه في فبراير/شباط والذي أدى إلى استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان.

وفي الأسابيع الأخيرة، كانت الشرطة تكثّف من اعتقال النشطاء البارزين قبل بدء تظاهرات أيام الجمعة.

وبحسب منسق اللجنة الوطنية للإفراج عن الموقوفين، فإنّ 22 شخصا أوقفوا الجمعة الماضي، وضعوا قيد الاحتجاز الاحتياطي الأحد.