قرض صندوق النقد لتونس إلى أين هذه المرة؟
بقدر ما تبدي الحكومة التونسية تفاؤلها إزاء الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي يخرجها من الوضعية المالية الحرجة التي تدور في فلكها منذ أكثر من عقد من الزمن، بقدر ما يتساءل المختصون والخبراء في المال والاقتصاد عن فرص نجاح التمويل الجديد المفترض في إنقاذ مالية البلاد، مشددين على أن الأمر يتوقف على حسن توجيه القرض المفترض نحو دفع عجلة الإنتاج والاستثمار وخلق الثروة بدلا عن السياسة الاستهلاكية التي أغرقت الدولة في دوامة من الإنفاق غير الرشيد.
وقال محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي الأحد، إن بلاده تتوقع التوصل لاتفاق في الأسابيع المقبلة مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض يتراوح بين 2 مليار دولار و4 مليارات دولار، على ثلاث سنوات.
وأضاف العباسي في تصريحات لرويترز، أن قيمة القرض لا تزال قيد التفاوض، مؤكدا أنه يأمل أن يتم التوصل إلى اتفاق خبراء في الأسابيع المقبلة.
ووقعت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الأسبوع الماضي، اتفاقا بشأن زيادة أجور القطاع العام بنسبة 5 بالمئة، في خطوة قد تخفف من التوتر الاجتماعي.
ويبدي خبراء الاقتصاد قلقهم من عدم إرفاق الاتفاق على الزيادة في الأجور باتفاق آخر بشأن الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي.
تخصص تونس أكثر من نصف النفقات العمومية لسداد رواتب أكثر من 650 ألف موظف حكومي في بلد يعد 12 مليون نسمة
وأوضح الصندوق أنه لن يمضي قدما في خطة الإنقاذ التي تسعى إليها تونس، ما لم يوافق عليها اتحاد الشغل، الذي يقول إنه يضم أكثر من مليون عضو.
وقال العباسي إن اتفاق الأجور خطوة مهمة للمفاوضات مع الصندوق، مضيفا أنه "سيعطي رؤية واضحة عن كتلة الأجور التي من المتوقع أن تنخفض في السنوات المقبلة".
وقال ممثل صندوق النقد الدولي في تونس جيروم فاشيه في مقابلة مع فرانس برس في كانون الثاني/ يناير الماضي، إن "على البلد الساعي للحصول على مصادر تمويل دولية القيام بإصلاحات عميقة جدا، لاسيما خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ أحد أعلى المستويات في العالم".
وتخصص تونس أكثر من نصف النفقات العمومية لسداد رواتب أكثر من 650 ألف موظف حكومي في بلد يضم 12 مليون نسمة.
وتبلغ كتلة أجور الموظفين في تونس 20.3 مليار دينار (7.2 مليار دولار) أي ما يعادل حوالي 40 في المئة من إجمالي الموازنة العامة لتونس، الأمر الذي دفع الحكومة التونسية إلى الاقتراض من أجل سداد أجور الموظفين.
ولن يكون من السهل إقناع التونسيين بخفض كتلة الأجور ومراجعة سياسة الدعم، وهما نقطتان أساسيتان في عملية الإصلاح الاقتصادي.
وصرح نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل لوسائل إعلام تونسية، في وقت سابق، أنه "لم يبق هناك أي حل سوى الاقتراض من صندوق النقد الدولي"، مشددا على "ضرورة استيعاب الدرس من الماضي، من أجل توظيف تلك الإمكانات المادية مستقبلا في الاستثمار وغيرها من القطاعات الأخرى".
وأوضح الطبوبي أنه "تم التوصل إلى اتفاق مع وفد صندوق النقد الدولي حول الزيادات الأخيرة في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام".
وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، الجمعة، أن اتفاق الأجور في تونس يزيد من احتمال إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وتكافح تونس لإنعاش ماليتها العامة مع تزايد الاستياء من التضخم الذي اقترب من 9 بالمئة، بالإضافة إلى نقص العديد من المواد الغذائية في المتاجر لعدم قدرة البلاد على تحمل تكاليف بعض الواردات.
وأشار العباسي إلى أن الاتفاق المحتمل سيفتح الأبواب أمام التمويل الثنائي، بما في ذلك مع اليابان ودول خليجية أبرزها السعودية.
يوجد عجز كبير في ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 والحكومة تعمل على تغطيته عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي
وبلغ الحجم الجملي لإعادة تمويل البنك المركزي للبنوك 12.930 مليون دينار يوم 20 يوليو/ تموز الماضي، وهو رقم مرتفع جدا يعكس تواصل سياسة الدولة في الالتجاء إلى التمويل غير المباشر للميزانية من طرف البنك المركزي رغم مخاطر استمرار ذلك على نسبة التضخم وعلى قيمة الدينار.
وقال الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إن نظام الحصص الذي يعتمده الصندوق لن يمتّع تونس بأربعة مليارات دولار، مؤكدا أن حاجيات تونس أكثر بكثير مما ستتمتع به من صندوق النقد.
واعتبر الخبير الاقتصادي بسام النيفر في تصريح إعلامي في أغسطس/ آب الماضي أن القرض من صندوق النقد الدولي "يهدف أساسا لمنح الاقتصاد التونسي الثقة للاقتصاد وللمستثمرين المحليين والأجانب وأنه لا يوجد مخاطر على تونس خلال السنوات القادمة"، مضيفا أن الهدف من هذا القرض ليس دعم ميزانية الدولة على المدى القصير.
وأوضح أنه "يوجد عجز كبير في ميزانية الدولة لسنة 2022 والحكومة تعمل على تغطيته عن طريق الاقتراض الداخلي والخارجي حيث إن تونس لم تتوقف عن الاقتراض الخارجي وآخر الأرقام الرسمية التي تهم شهر مايو/ أيار تشير إلى أن الاقتراض الخارجي بلغ 5075 مليون دينار (1600 مليون دولار)".
وأضاف أن "دعم الميزانية بلغ 7.4 مليار دينار حيث تحصلت على 498 مليون دينار من البنك الدولي و966 مليون دينار من الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى تجاوز قيمة التعاون الثنائي مع المؤسسات المالية قيمة ملياريْ دينار، بالإضافة إلى التحصل على قروض خارجية لمشاريع الدولة بقيمة 520 مليون دينار، كما تحصلت مؤسسات الدولة على 13.4 مليون دينار".
ويطالب صندوق النقد بوجوب إدخال إصلاحات هيكلية على الاقتصاد التونسي أبرزها خفض العجز المالي وخفض كتلة الأجور والحد من دعم الطاقة مع إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة العامة والاستثمار وحماية الإنفاق الاجتماعي الموجه للمستحقين ، وتعزيز عدالة النظام الضريبي وتشجيع القطاع الخاص وتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسسات العمومية.
ورجح صندوق النقد إمكانية بلوغ الدين العام التونسي مستوى غير مستدام ما لم يتم اعتماد برنامج قوي وموثوق للإصلاح يحظى بتأييد واسع النطاق.
الميزان التجاري لتونس عانى من عجز قدره 5.32 مليارات دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بزيادة قدرها 61 بالمئة عن العام السابق
وقال وزير التكوين المهني والتشغيل والناطق الرسمي باسم الحكومة نصر الدين النصيبي في يونيو/ حزيران الماضي، إن "القرض سيُصرف في استعادة الاقتصاد التونسي وإعادة التوازنات الكبرى وتفادي التراكمات التي عانى منها الشعب التونسي لأكثر من 10 سنوات"، دون أن يحدد الآليات التي وضعتها الحكومة لتحقيق ذلك .
ويرجح خبراء في الاقتصاد أن يساعد القرض الحكومة التونسية على تغطية حالة العجز في ميزانيتها للعام الحالي وتعبئة مواردها من العملات الأجنبية لدفع أقساط الديون المستوجبة عليها، وتوريد السلع الضرورية التي تحتاج إليها، وبالتالي ستتمكن من إعداد ميزانية العام 2023 دون ضغوط قد تربك مساراتها المالية والاجتماعية.
وذكر المعهد الوطني للإحصاء (عمومي) أن الميزان التجاري للبلاد عانى من عجز قدره 16.9 مليار دينار (5.32 مليارات دولار) في الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي، بزيادة قدرها 61 بالمئة عن العام السابق، مشيرا إلى أن ذلك يرجع أساسا إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
ويطالب خبراء ماليون منذ سنة 2011 باستبدال المنوال الاقتصادي التونسي "البالي" بمنوال عصري يراعي المتغيرات الاقتصادية العالمية ويقطع مع ثقافة التداين من أجل الاستهلاك، وهو ما لم تقدر الحكومات المتعاقبة منذ الثورة التونسية على تحقيقه خاصة مع ارتفاع نسق الاحتجاجات الاجتماعية وتعطيل الإنتاج وتدجيج قطاع الوظيفة العمومية بأعداد ضخمة من الموظفين تلبية لمطالب نقابية وسياسية ضيقة.