التقارب التركي السوري يؤجج الأزمة بين 'قسد' ودمشق

الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا تغلق المعابر مع مناطق سيطرة دمشق أمام حركة المسافرين بشكل كامل وتعلق الحركة التجارية ونقل البضائع.

دمشق - أغلقت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" كل المعابر التي تربط مناطق سيطرتها بمناطق سيطرة الحكومة في دمشق، ردا على التقارب السوري التركي الذي يتجه نحو التطبيع حيث تستضيف العاصمة العراقية اجتماعا تركياً - سورياً من أجل التفاوض وإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق وبدء التحركات الفعلية للتفاهم على عدة ملفات.

ونقلت مصادر محلية من شركات نقل وتجار أن الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، أبلغتهم بإغلاق المعابر مع مناطق سيطرة دمشق أمام حركة المسافرين بشكل كامل، وتعليق الحركة التجارية ونقل البضائع حتى إشعار آخر، من دون تحديد الأسباب.

وأشار مصدر من شركة نقل سياحية إلى إلغاء كل الحجوزات للمسافرين، وذلك بسبب تلقيهم تعليمات بوقف الرحلات البرية من وإلى مناطق سيطرة السلطة في دمشق.

اجتماع سوري تركي مرتقب ستشهده العاصمة العراقية بغداد كبداية لعملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية

وأصدرت "الإدارة الذاتية" الواجهة السياسية لـ"قسد" تعليمات جديدة نصت على استثناء الطلاب والمرضى من القرار بشرط إرفاق الثبوتيات (بطاقة جامعية ـ تقرير طبي) للسماح لهم بالسفر وفق ما أكد المصدر. مع إغلاق المعابر الثلاث الصالحية، الطبقة، والتايهة، التي تربطها بباقي المناطق السورية في أرياف الحسكة والرقة وحلب، وسمحت فقط لطلاب الجامعات والمدارس بالعبور، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن إجراءات أمنية استعدادا لـ"انتخابات البلديات".

وشهد كراج "تل حجر" في مدينة الحسكة ازدحاما شديدا للمسافرين من طلاب ومرضى، على خلفية إغلاق "قسد" منافذ العبور.

وذكر مصدر من "الإدارة الذاتية" لموقع تلفزيون "سوريا"، أن "قسد منزعجة ومتخوفة من التقارب بين أنقرة ودمشق، وستتخذ خطوات تصعيدية عديدة ضد دمشق في حال استمرار هذا التقارب"، وأشار إلى أنه «سيكون هناك خطوات للتضييق على إجراء انتخابات مجلس الشعب السوري، المزمع إجراؤها في 15 يوليو/حزيران".

وذكر أن سبب إغلاق المعابر غير مرتبط بـ"انتخابات البلديات" التي ستجريها "الإدارة الذاتية"، إنما بسبب التقارب بين الجانبين، وافتتاح معبر "أبو الزندين" في منطقة الباب شرقي حلب، والذي يربط بين مناطق سيطرة حكومة دمشق ومناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، الذي تدعمه تركيا.

وكشفت صحيفة "الوطن" السورية أن العاصمة العراقية بغداد ستستضيف اجتماعا تركياً - سورياً من أجل اعادة التفاوض واستئناف تطبيع العلاقات بين انقرة ودمشق.

ونقلت الصحفية المقربة من الحكومة السورية عن مصادر وصفتها بالمتابعة أن "التصريحات السورية التركية المتتابعة والتي جاءت في سياق معطيات سياسية متغيرة على الصعد الميدانية والسياسية وحتى على صعيد المنطقة، كشفت عن خطوات مرتقبة وجدية لعودة جلوس الطرفين السوري والتركي على طاولة الحوار".

وأكدت أن "اجتماعا سوريا تركيا مرتقبا ستشهده العاصمة العراقية بغداد، وهذه الخطوة ستكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية".

وأشارت إلى أن "الجانب التركي كان طلب من موسكو وبغداد الجلوس على طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها". وشددت أن "خطوة إعادة التفاوض والحوار للتقريب بين أنقرة ودمشق، تلقى دعماً عربياً واسعاً، كما تلقى دعما روسيّاً وصينياً وإيرانياً".

وتدعم تركيا المعارضة في شمال سوريا سواء سياسيا أو بالعتاد العسكري كما تنتشر قوات تركية في محافظة إدلب ومناطق من ريف حلب الشمالي والشرقي.

ويرى خبراء ومحللون سياسيون أن التطبيع بين تركيا والنظام السوري يخدم مصالح روسيا، وأنه ليس مستبعداً أن يقدّم الأسد تنازلات تتعلق بالانسحاب التركي من الشمال السوري.

وأبقى الأسد الباب موارباً أمام التقارب مع تركيا بدفع من روسيا، التي بدا أنها رأت أن الظروف مواتية للانخراط مجدداً في وساطة، بدأت قبل أعوام، لتجسير الهوة بين دمشق وأنقرة، والتي قوبلت بشروط متبادلة من الطرفين، وهو ما عرقلها حتى الآن.

وقال الأسد، خلال لقائه المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق، إن نظامه منفتح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين بلاده وتركيا و"المستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى".

من جهته، أكد لافرنتييف دعم بلاده "كل المبادرات ذات الصلة بالعلاقة بين سورية وتركيا من كل الدول المهتمة بتصحيح تلك العلاقة"، معتبراً أن الظروف حالياً "تبدو مناسبة أكثر من أي وقت مضى لنجاح الوساطات، وأن روسيا مستعدة للعمل على دفع المفاوضات إلى الأمام، والغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سورية وتركيا".

وجاءت زيارة المسؤول الروسي إلى دمشق في ظل تصاعد الحديث عن تجدد الوساطات لتجسير الهوة بين تركيا والنظام السوري من قبل عدة أطراف، من بينها موسكو وبغداد. كما جاءت عقب تصريحات لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حث فيها النظام السوري على "استثمار حالة الهدوء وتوقف الاشتباكات بغية حلّ المشكلات الدستورية وتحقيق السلام مع معارضيه".

وطرح ذلك تساؤلات عن توفر النيّة لدى تركيا والنظام السوري للتقارب وتطبيع العلاقات بعد أكثر من 12 سنة من القطيعة التي وصلت إلى حد العداء بعد الثورة السورية في عام 2011. وكانت الجهود الروسية لإحداث تقارب بين تركيا والنظام السوري بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2022، وأثمرت عن لقاءات متعددة بين وزراء الدفاع ولاحقاً وزراء الخارجية ومسؤولين امنيين.