قطاع السينما يصمد أمام ثورة البث التدفقي

خبراء يعتبرون أن دور السينما لن تزول طالما بقيت جذابة واستمرت في عرض الأفلام الجديدة لفترة طويلة كافية قبل توفيرها للعروض المنزلية.

واشنطن – يدير جيف لوغان منذ عقود عدة دور سينما في ولاية داكوتا الجنوبية وقد سمع الكثير من التوقعات المتشائمة حول مستقبل الشاشة الكبيرة حتى قبل حلول مرحلة البث التدفقي.
في السبعينات، كان البعض يرى أن إنشاء محطة "إتش بي أو" الشهيرة بالكابل، سيؤدي إلى نهاية صالات السينما. فقد تراجعت عندها مبيعات البطاقات فيما المشتركون في هذه المحطة كانوا يدفعون المال لمشاهدة انتاجات ضخمة وناجحة بعيد عرضها في القاعات.
لكن مع بروز منافسين لها لم تعد "إتش بي أو" قادرة على طرح الكمية نفسها من الأفلام وعاد محبو السينما إلى الصالات على ما يستذكر جيف لوغان.

نتفليكس
تعرضت لانتقادات لأنها قررت عرض 'ذي أيريشمان'

تجربة الكابل فضلا عن وسائل أخرى لمشاهدة الأفلام في المنزل وقد بات بعضها طي النسيان، تفسر محافظة لوغان ومالكي دور سينما آخرين على تفاؤلهم رغم الاستثمارات الضخمة لمجموعات الترفيه الكبيرة في البث التدفقي.
ويرى جيف لوغان أن دور السينما ستستمر طالما بقيت جذابة وطالما واظبت الاستديوهات على عرض أفلام جديدة على الشاشة الكبيرة لفترة طويلة كافية قبل توفيرها للعروض المنزلية.
وفي إطار سعيه لاستقطاب الجمهور، ينوي إضافة مشروبات مختلفة على قائمة دور السينما الثلاث التي يملكها فضلا عن مأكولات غير الفشار.
ويوضح لوغان البالغ 69 عاما "الناس يريدون الخروج من منازلهم وينبغي أن تكون السينما جذابة. فلن يذهب الناس إليها إن لم تكن مميزة".
وانفقت دور "بي أند بي ثياترو" الكثير من الأموال لترميم صالاتها وبات بإمكانها عرض أعمال بالابعاد الأربعة.
ويوضح نائب رئيسها التنفيذي بروك باغبي الذي كان جده أحد مؤسسي سلسلة دور السينما هذه في ميزوري أن الهدف هو في تحويل مشاهدة فيلم في السينما إلى حدث.
ويؤكد "ينبغي القيام باستثمارات وإلا مصيرنا الزوال. نؤمن بصناعة السينما ونستثمر ملايين الدولارات فيها".
وفي حين أقفلت دور السينما المستقلة أبوابها لتحل مكانها شبكات واسعة مع قاعات متعددة، لا تظهر الاحصاءات صورة قطاع ينهار.
فمنذ العام 1987، زاد عدد شاشات السينما في الولايات المتحدة بنسبة تزيد عن 80% في حين ان مبيعات البطاقات تضاعفت لتصل إلى حوالى 12 مليار دولار في 2018 بالتزامن مع ازدهار نظام "في اتش اس" واسطوانات "دي في دي" التي باتت الآن بالية، على ما أظهرت بيانات للجمعية الوطنية لمالكي القاعات.
وتبقى الخشية الأساسية في أن يحاول المخرجون تقليص الفاصل بين عرض الأفلام في السينما وعرضها على الشاشات الصغيرة وهو فترة مهمة جدا لهذا القطاع. وقد تعهد رئيس مجموعة "ديزني" بوب إيغر الإبقاء على هذه الفترة الفاصلة.
وتعرضت "نتفليكس" لانتقادات لأنها قررت عرض "ذي أيريشمان" لمارتن سكورسيزي بعد 20 يوما فقط على عرضه في الصالات الأميركية أي أقل من نصف الفاصل التقليدي وهو 70 يوما.

ديزني
مجموعة كبيرة من الأعمال الحصرية

ومن التحديات الأخرى التي يواجهها مالكو قاعات السينما هو ارتفاع الأكلاف المرتبطة بالتكنولوجيا الرقمية التي حلت تدريجا مكان بكرات الأفلام السابقة.
فالبث الرقمي حساس جدا على الحرارة والتقلبات في قوة التيار الكهربائي.
وقد استمر هذا القطاع أيضا لأن اصطحاب العائلة إلى السينما لا يزال في متناول كثيرين.. او لأنه لا يزال المكان المفضل لبداية علاقة غرامية.
ويوضح غابرييل روسمان عالم الاجتماع في جامعة "يو سي أل إيه"، "الذهاب إلى السينما مكان جيد لموعد أول أو ثان. أما دعوة شخص إلى مشاهدة نتفليكس فهذا يعني أن العلاقة غير جدية". 
ويتوقع خبراء أن تنفق الشركات الخمس العملاقة في مجال البث التدفقي أي نتفليكس وأمازون وهولو وديزني وآبل 27 مليار دولار لإنتاج مشاريع العام المقبل على ما جاء في دراسة أجرتها هيئة لوس أنجليس للفيلم "فيلم أل إيه".
والمبلغ قريب جدا من إجمالي ميزانيات أغلى 130 فيلما في التاريخ، ما يعني أن النجوم الراغبين في خوض غمار البث التدفقي يمكنهم الحصول على أجور عالية جدا.
هيمنت نتفليكس طويلا على عالم خدمات البث التدفقي الذي شاركت جزئيا في استحداثه، لكن وصول منافسين من العيار الثقيل سيرغم كل منصات الفيديو حسب الطلب على استخدام كل وسائل الجذب المتاحة لها، ما قد ينعكس إيجابا أو سلبا على المستخدمين.
ويقول المحلل دانييل إيف من "ويدبوش سيكيوريتيز" إن "نتفليكس عاشت حتى اليوم قصة تشبه قصص الأميرات، لكن تتمة المسيرة ستكون أصعب"، مضيفا "في الأشهر الستة المقبلة، سنشهد معركة بلا هوادة على استقطاب اهتمام المستهلكين".
ومع حوالى 160 مليون مشترك في الخدمات المدفوعة حول العالم، و15 مليار دولار مخصصة للمضامين وتقنيات خاصة أثبتت جدواها منذ حوالى عقد من الزمن لجذب انتباه المستخدمين، تشكل نتفليكس محركا أساسيا في هذا القطاع.
وقد وجد منافسوها الحاليون، خصوصا "أمازون برايم فيديو" و"هولو"، جمهورهم من دون تشكيل تهديد حقيقي على نتفليكس.

ابل
منافسة شرسة

ولطالما اعتبرت نتفليكس أن المنافسة مصدرها خصوصا قنوات التلفزيون أو لاعبين كبار آخرين في المجال الرقمي من أمثال منصة "تويتش" التابعة لأمازون والمتخصصة في ألعاب الفيديو المباشرة.
لكن في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، تدخل حليفتها السابقة حلبة المنافسة إذ ستقدم "ديزني +" مجموعة كبيرة من الأعمال الحصرية الى جانب  تقديم أعمال "ستار وورز" وإنتاجات "بيكسار" و"مارفل" التي كانت "نتفليكس" تبث جزءا منها، إضافة إلى برامج من إنتاج "فوكس" (ذي سيمبسنز) ووثائقيات قناة "ناشونال جيوغرافيك".
واطلقت شركة آبل الجمعة خدمتها الجديدة للبث التدفقي تضم مجموعة كبيرة ومتميزة من الأفلام والمسلسلات الأصلية وهي تهدف من خلالها إلى تنويع مصادر دخلها في ظلّ انحسار سوق الهواتف الذكية واحتدام المنافسة فيها.
وتنطلق هذه الخدمة الجديدة التي تحمل اسم "آبل تي في +" في حوالى مئة بلد مع برامج خاصة بسعر تنافسي هو الأدنى في هذه السوق ويبلغ 4,99 دولارات شهريا للعائلة كلها، أي نصف سعر الاشتراك الشهري الأدنى في نتفليكس .
وتبدو المنافسة على آبل صعبة في مواجهة المضامين المقدمة من الخدمات الرائدة في السوق (نتفليكس وهولو) أو من اللاعبين المستقبليين في القطاع ديزني وإتش بي أو.