قطر تخسر هيمنتها على سوق الغاز الطبيعي لصالح منافسين أكثر مرونة

المشترون يبدون تفضيلهم للإمدادات من الولايات المتحدة والإمارات وسلطنة عمان، بسبب إصرار قطر على بنود خاصة بوجهات الشحنات.

الدوحة - تجد قطر صعوبة في إبرام صفقات جديدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية في ظل المنافسة المتزايدة من الولايات المتحدة ومصدرين آخرين يضعون شروطا تعاقدية أكثر مرونة تتحدى هيمنة الدوحة منذ عقود على هذه السوق.

وكانت قطر ذات يوم أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى اليابان وكوريا الجنوبية، لكن المشترين يبدون تفضيلهم للإمدادات من الولايات المتحدة والإمارات وسلطنة عمان. ويوفر جميع هؤلاء الموردين عقودا أقصر أجلا وعلى عكس الدوحة لا يضعون أي قيود بشأن الوجهة النهائية للشحنات.

ويمنح هذا المشترين المرونة لبيع الشحنات في أماكن أخرى بعد ذلك عندما لا يكونون بحاجة إليها. وقالت مصادر إن إصرار قطر على بنود خاصة بوجهات الشحنات عرقل مفاوضاتها مع مشترين في اليابان وكوريا الجنوبية.

وقال مصدر تجاري كبير "يحاول القطريون تحقيق الكثير عبر كيفية بيع الغاز الطبيعي المسال، من حيث الاحتفاظ بالسيطرة على السوق، في حين أن آخرين مثل أدنوك الإماراتية وسلطنة عمان سعداء نوعا ما بمجرد الحصول على سعر جيد"، مضيفا "تستغل أدنوك الوضع الحالي، وهو أن المشترين يرغبون في تنويع المصادر".

وإذا لم توقع شركة قطر للطاقة المملوكة للدولة اتفاقيات جديدة مع اليابان وكوريا الجنوبية، ثاني وثالث أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال في العالم بعد الصين، فسيزداد دور قطر تضاؤلا.

وأطاحت الولايات المتحدة بقطر من صدارة موردي الغاز الطبيعي المسال عالميا في 2023. وتنتهي مدة صفقة قطر الكبرى لتوريد 4.92 مليون طن سنويا لشركة غاز كوريا هذا العام. وأظهرت بيانات رسمية أن صفقة توريد أخرى تبلغ 2.1 مليون طن سنويا يحل أجلها في 2026.

ويشهد الطلب على الغاز الطبيعي المسال في اليابان تراجعا بسبب إعادة تشغيل المفاعلات النووية والمزيد من الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وتباطؤ الاقتصاد. وتظهر بيانات الجمارك اليابانية أن الواردات انخفضت إلى 66 مليون طن في 2023، من 83 طنا في 2018.

وانخفضت حصة قطر في السوق اليابانية إلى أربعة بالمئة في 2023 من 12 بالمئة في 2018. وفي الوقت نفسه، ارتفعت حصة الولايات المتحدة في اليابان إلى ثمانية بالمئة من ثلاثة بالمئة خلال نفس الفترة.

وأظهرت بيانات من شركة الاستشارات "إنرجي أسبكتس" أن حصة قطر في سوق كوريا الجنوبية انخفضت إلى 19 بالمئة في 2023 من 32 بالمئة في 2018، مع ارتفاع حصة أستراليا إلى 24 بالمئة من 19 بالمئة وزيادة حصة ماليزيا إلى 13 بالمئة من ثمانية بالمئة في نفس الفترة.

وتعمل قطر للطاقة على توقيع اتفاقيات لتزويد مشترين أوروبيين وآسيويين بإمدادات جديدة من الغاز الطبيعي المسال من خلال توسعة حقل الشمال التي ستعزز إنتاجها الإجمالي بما يعادل 85 بالمئة.

وقال سعد الكعبي وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري والرئيس التنفيذي لشركة "قطر للطاقة" إنه يرى مستقبلا مشرقا للغاز الطبيعي المسال على مدى 50 عاما على الأقل، لا سيما في آسيا.

وبين 2022 و2023، وافقت قطر للطاقة على سلسلة من الاتفاقيات مدتها 27 عاما لتزويد مشترين صينيين بالغاز من حقل الشمال.

ووقعت تايوان والكويت اتفاقيات لشراء الغاز الطبيعي المسال منذ أن أعلنت قطر عن التوسعة الأحدث للحقل. لكن لم تنفذ الشركة سوى عمليات بيع قليلة.

وتشير تقديرات محللين إلى أن قطر لم تتعاقد حتى الآن على بيع ما يعادل 48 بالمئة من إجمالي الغاز الطبيعي المسال في حقل الشمال ومشروع تابع لها في الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه أبرمت أدنوك وسلطنة عمان اتفاقيات طويلة الأجل مع مشترين من اليابان والصين والهند.

وقال أحد المصادر إن نقطة خلاف أخرى بالنسبة لليابان هي إصرار قطر للطاقة على أن يوقع المشترون عقودا بما لا يقل عن مليون طن سنويا لمدد تتراوح بين 10 و15 عاما.

ولن تكون هذه الشروط مناسبة لليابان في ظل الضبابية التي تكتنف آفاق احتياجاتها من الغاز الطبيعي المسال على المدى الطويل بسبب إعادة تشغيل محطات للطاقة النووية وإنتاج الطاقة المتجددة، مما يجعل من الصعب على المشترين اليابانيين الالتزام بالصفقات طويلة الأجل في حالة انخفاض الطلب.

وأشار نفس المصدر إلى أن قطر أظهرت بعض المرونة في المفاوضات، إذ عرضت شحنات أصغر بشروط مرنة وسعر أقل يبلغ نحو 13 بالمئة من سعر برميل النفط لكل مليون وحدة حرارية بريطانية للعقود التي تبدأ في 2028.

ولم تجدد شركة جيرا اليابانية اتفاقية توريد 5.5 مليون طن سنويا مع قطر عندما حل أجلها في 2021.

وقال مسؤول حكومي ياباني "بالنسبة للمشترين، التقيد ببند الوجهة يمكن أن يشكل صعوبة، لا سيما عندما ينخفض الطلب، مما سيدفعهم إلى البحث عن مشترين محليين للإمدادات الزائدة"، مضيفا "بالمقارنة مع الدول الأخرى المنتجة للغاز، فإن هذا يضع قطر في وضع غير تنافسي".

وقالت يوميكو ياو المديرة العامة لشركة طوكيو للغاز، وهي أكبر مزود للغاز في المدن باليابان، إن الشركة قد تشتري الغاز الطبيعي المسال من قطر في حالة ملاءمة العوامل الاقتصادية ومرونة العقود والتوقيتات. وأضافت "ستحدد هذه العوامل قرارات الشراء في المستقبل".

وفي كوريا الجنوبية، تنتهي صفقة توريد 4.92 مليون طن سنويا لقطر مع شركة كوريا للغاز (كوجاس) هذا العام، إضافة إلى صفقة أخرى تبلغ 2.1 مليون طن سنويا في 2026.

ولتحقيق عائدات مستقرة، تفضل قطر العقود طويلة الأجل التي تصل إلى 27 عاما، وهو العمر الافتراضي الحالي لمشروع توسعة حقل الشمال، وعادة ما تربط العقود بسعر النفط.

ويقدم البائعون الأميركيون وأدنوك وعمان عموما اتفاقيات الغاز الطبيعي المسال على أساس التسليم على ظهر السفينة، مما يسمح للمشترين بإعادة بيع الشحنات. وعادة ما يجري ربط العقود بأسعار الغاز الطبيعي الأميركية وفقا لمؤشر هنري هب، والتي تكون أرخص من العقود المربوطة بالنفط.

واشتدت المنافسة بين قطر والولايات المتحدة في أعقاب قرار أوروبا تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، والذي كانت تستورده القارة عبر خطوط أنابيب، بعد غزو موسكو لأوكرانيا.

وملأ المصدرون الأميركيون معظم الفراغ الذي حدث بسبب تراجع الإمدادات الروسية، متجاوزين قطر لتعزيز مكانتهم في صدارة قائمة مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم في 2023.

وقالت آن صوفي كوربو الباحثة في مركز سياسات الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا إنه في غياب العديد من المشترين ذوي الملاءة المالية الذين يمكنهم توقيع عقودا كبيرة وطويلة الأجل بشروط قطر، فإن أحد الخيارات المتاحة لشركة قطر للطاقة قد يكون بيع المزيد من الإمدادات في السوق الفورية.

وأضافت "يجري حاليا تداول نحو 39 بالمئة من الإمدادات العالمية في السوق الفورية وقصيرة الأجل، لكن بإمكان قطر أن تصل بتلك النسبة إلى 60 بالمئة إذا أجرت تغييرات. والسؤال هو: هل يريدون ذلك؟".