قطر تستثمر في أزمة كورونا لتلميع صورتها وفك عزلتها

النشاط الجوي القطري في ذروة تفشي جائحة كورونا يهدف إلى ترميم سمعة الدوحة التي اهتزت بسبب الارتباطات مع الجماعات المتطرفة في أكثر من منطقة وللتغطية على انتهاك العمال الأجانب فيها.
تضليل وترحيل العمال الأجانب قسرا يفضح النفاق القطري
دعاية ضخمة ترافق إجلاء قطر لرعايا عالقين من أوروبا واسيا
قطر تجازف بصحة مواطنيها مع استمرار نشاط جوي كثيف زمن كورونا

الدوحة - نشطت قطر قطاع طيرانها الجوي تحت غطاء الواجب الإنساني في ذروة تفشي فيروس كورونا رغم ما يشكل من خطر على مواطنيها، مستثمرة أزمة انتشار الوباء القاتل لإعادة ترميم علاقاتها الخارجية وتلميع صورتها التي تضررت بشدة بسبب ارتباطاتها بجماعات إرهابية متناثرة في أكثر من منطقة، محاولة استعادة ثقة الشركاء الغربيين وتقوية تحالفاتها لعل ذلك يساعدها على تفكيك عزلتها.

وحظيت الدوحة بثناء وتقدير حكومات ومسافرين بسبب تنظيمها رحلات جوية لإعادة آلاف المسافرين العالقين خارج بلدانهم بسبب الإغلاقات الناجمة عن تفشي فيروس كورونا المستجد.

 ويرى مراقبون أنّ الدوحة تأمل عبر الإبقاء على طائراتها في الجو على النقيض من منافسيها الإقليميين، تسجيل نقاط دبلوماسية في المواجهة المستمرة مع جيرانها خاصة في ظل حالة العزلة التي تعيشها منذ العام 2017 بعد قرار المقاطعة الذي اتخذته السعودية والإمارات والبحرين وكذلك مصر بعد اتهامها لقطر بالتورط في دعم وتمويل الإرهاب.

وتشغّل الخطوط الجوية القطرية حاليا 35 بالمئة من خدماتها العادية. وقامت باستخدام قدراتها التشغيلية الإضافية لنقل 17 ألف شخص على متن نحو 60 رحلة خاصة تم تأجيرها لبلدان أخرى بهدف إجلاء مواطنيها.

ووجهت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا علنا مواطنيها نحو استخدام الشركة القطرية للعودة إلى بلدانهم وأثنت على الدوحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقامت السفارة الفرنسية في سيدني بنشر صور لمواطنيها وهم يرفعون شارات النصر لدى توجههم إلى الطائرة التي كانت ستقلهم من بيرث إلى باريس. وقامت الخطوط الجوية القطرية أيضا بإجلاء دبلوماسيين أميركيين وأجانب من العراق.

الخطوط الجوية القطرية تحاول تعويض ما تكبدته من خسائر خلال السنوات الأخيرة
الخطوط الجوية القطرية تحاول تعويض ما تكبدته من خسائر خلال السنوات الأخيرة

ويقول الباحث اندرياس كريغ المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط في كينغز كولدج البريطانية إن هذا التحرك "يخدم صورة قطر"، في إشارة إلى جهود الدوحة لتلميع صورتها التي تضررت بشدة على خلفية شبهات كثيرة حول تورطها في دعم وتمويل جماعات متشددة.

وبحسب كريغ، فإن هذا يسمح لها "بتسجيل نقاط دبلوماسية ويؤكّد من جديد على أهمية أن يتيح العالم لقطر فرصا بالوصول إلى المجال الجوي وحرية الطيران".

وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في يونيو/حزيران 2017، لدعمها الحركات الإسلامية المتشددة والتقرّب من إيران. وأغلقت هذه الدول مجالها الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية وحظرت السفر إلى الإمارة وعلّقت التعاون التجاري معها.

وتعثّرت المحادثات الرامية إلى وضع حد للخلاف في منطقة الخليج بعد أن أثارت موجة من الجهود الدبلوماسية في أواخر العام الماضي آمالا بحدوث انفراج.

ويرى كريغ أن دور الخطوط الجوية القطرية خلال جائحة كورونا يشكل رسالة واضحة إلى الشركاء لمساعدة الدوحة في الخروج من عزلتها، فيما أكّدت الحكومة القطرية أن هذا ساعد مليون شخص على العودة إلى بلدانهم.

ويعتبر محللون أن الخطوة القطرية قد تبدو في ظاهرها مبادرات إنسانية في زمن المحن والشدائد، إلا أن الواقع على ما ينطويه من مجازفة بنقل العدوى للداخل القطري، يذهب إلى أبعد من الظاهر ومن المعلن، فالدوحة تحاول استثمار الأزمة إلى أقصى حدّ بما يمكنها من استعادة ثقة اهتزت في السنوات الماضية مع الشركاء الغربيين بسبب ارتباطها بالجماعات المتشددة في سوريا والعراق وغيرهما من دول المنطقة وحاليا في دول افريقية تعاني هشاشة أمنية ويتنامى فيها نشاط المجموعات الإرهابية.

وبدا لافتا أن النشاط الجوي القطري في ذروة تفشي جائحة كورونا يهدف إلى ترميم سمعتها التي لوثتها الارتباطات المشبوهة مع الجماعات التكفيرية في أكثر من منطقة.

كل الجهود التي بذلتها قطر لتلميع صورتها لم تكن مدعاة ثناء في كل مكان
كل الجهود التي بذلتها قطر لتلميع صورتها لم تكن مدعاة ثناء في كل مكان

وبينما قامت ناقلات خليجية أخرى بما في ذلك 'الاتحاد للطيران' في أبوظبي وطيران الإمارات في دبي والخطوط الجوية الكويتية بتعليق رحلاتها واكتفت برحلات إجلاء محدودة للمساعدة على وقف انتشار كورونا، أبقت قطر على رحلات الركاب والشحن حيث أمكن.

واتخذت الدول الخليجية إجراءات احترازية لمنع تفشي فيروس كورونا فيها بما في ذلك تعليق رحلات الطيران الجوي وتكثيف حملات التعقيم والزام مواطنيها بالعزل المنزلي إلا للضرورة القصوى والتركيز على الخدمات الطبية وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية فيها.

وكانت الناقلات الإماراتية قد نظمت رحلات إجلاء محدودة لرعايا عالقين بعيدا عن الحسابات السياسية ووفرت رحلات آمنة للمسافرين على متنها بأن أجرت اختبارات كورونا على كل المسافرين.

وحضرت الدعاية القطرية في خضم أزمة كورونا تحت غطاء الواجب الإنساني، حيث أكد كبير مسؤولي الإستراتيجية والتحول في الخطوط الجوية القطرية تيري انتينوري أن "واجب الشركة هو أن تكون شريان حياة بين آسيا وأوروبا وأيضا بين آسيا وأميركا لمساعدة الناس على العودة إلى ديارهم".

وتابع "نحن ننظم رحلات تشارتر وليس فقط رحلات كانت تحصل أصلا إلى مدن معينة، بهدف نقل الركاب العالقين من أجل الحكومة الفرنسية أو الحكومة الألمانية، بما في ذلك مدن لا تقوم الخطوط الجوية القطرية بالعادة بالطيران إليها".

كما حصلت الإمارة الخليجية الصغيرة الغنية بالغاز على دعاية هامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب مواصلتها أعمال البناء في الملاعب والبنى التحتية التي ستستخدم خلال استضافتها كأس العالم في 2022.

لكن حجم هذه الدعاية لم ينجح في التغطية على الانتهاكات الواسعة التي تعرض لها مئات العمال الأجانب الذين تم تضليلهم بأنهم سيخضعون لاختبارات فيروس كورونا ليزج بهم لأيام في السجون قبل أن يتم ترحيلهم قسرا ليترك أغلبهم متاعه ومتعلقاته الشخصية ودون أن يتقاضوا رواتبهم، وهي حقائق أكدتها منظمة العفو الدولية التي نددت بهذه الممارسات.

وكغيرها من شركات الطيران، حذرت الشركة القطرية من أنها بحاجة لدعم حكومي بعد سنوات من الخسائر، ملقية باللوم على مقاطعة الدول الخليجية لها.

بينما قامت ناقلات خليجية أخرى بتعليق رحلاتها واكتفت برحلات إجلاء محدودة للمساعدة على وقف انتشار كورونا، أبقت قطر على رحلات الركاب والشحن حيث أمكن

ولكن كل هذه الجهود التي بذلتها قطر لتلميع صورتها لم تكن مدعاة ثناء في كل مكان، فقد تعرضت الدوحة لانتقادات بسبب إجلائها مواطنين بحرينيين كانوا في إيران وتمّ استقبالهم في الدوحة. وكتب مستشار العاهل البحريني خالد الخليفة على تويتر، إن قطر عرضت مواطني البحرين "للخطر الشديد"، متهما الدوحة "بالتدخل" في شؤونها.

وبينما قلّت أعداد المسافرين على متن الرحلات، بدأت الخطوط الجوية القطرية بتحميل المزيد من الشحن على متن طائراتها في أماكن مخصصة بالعادة لحقائب المسافرين- في تعويض جزئي عن الخسائر من مبيعات التذاكر.

ويشير رئيس عمليات الشحن في الشركة توماس كوفيلد إلى أنّ "الشحن يدفع مقابل الطائرة"، ما يعني تجنيب الشركة بعض الخسائر المالية، مضيفا "في العادة عندما يكون لديك 20 طنا، أصبح الآن بإمكانك وضع 60 طنا باستخدام مكان أمتعة الركاب".

في الأيام الأولى بعد الأزمة الدبلوماسية في الخليج، فرغت رفوف المحلات التجارية في البلد الذي يقطنه 2.7 مليون شخص، من البضائع، وتخوّف السكان من نقص في الغذاء بعد إغلاق طرق الاستيراد، لكن الدوحة ردت بسرعة وأرسلت طائرات تابعة لمجموعة الخطوط الجوية القطرية لاستيراد المواد الغذائية المختلفة، سالكة مسارات بعيدة مكلفة.

وبالإضافة إلى خطوطها الجوية التي نقلت 50 ألف كيلوغرام من المعدات الطبية والمساعدات لمواجهة فيروس كورونا المستجد، سعت قطر أيضا إلى توصيل مستشفيين ميدانيين إلى ايطاليا.