قطر للاستثمار تضع استراتيجية لتنويع الاقتصاد
الدوحة - يشكّل جهاز قطر للاستثمار أحد أبرز أدوات الدولة الاستراتيجية في مساعيها لتنويع مصادر الدخل الوطني وتوسيع قاعدة الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد الأحادي على عائدات الغاز الطبيعي، التي كانت لسنوات طويلة المصدر الأساسي للناتج المحلي. وفي خطوة جديدة تؤكد هذا التوجه، أعلن الجهاز اليوم الأربعاء عن إطلاق برنامج استثماري بقيمة مليار دولار، يستهدف تسريع تدفقات الاستثمار وتعزيز تنويع الاقتصاد القطري، في مشهد يعكس تحوّلاً أوسع في المنطقة الخليجية نحو اقتصاد متنوّع ومستدام.
البرنامج الذي تم الإعلان عنه خلال منتدى قطر الاقتصادي الخامس، يأتي في سياق جهود وطنية واضحة ترمي إلى بناء اقتصاد ما بعد الغاز، مستفيدًا من السيولة المالية العالية التي راكمتها الدولة بفضل صادراتها الطاقوية. ويُقدم هذا البرنامج حزمًا مالية للمستثمرين المحليين والدوليين تغطي ما يصل إلى40 بالمئة من نفقات التأسيس والبناء والإيجارات والتوظيف لمدة تصل إلى خمس سنوات، ما يمثل دعمًا غير مسبوق من حيث الحجم والمرونة.
ويُنظر إلى هذا البرنامج على أنه حجر زاوية في خطة أكبر لتعزيز بيئة الأعمال في قطر، وخلق جاذبية استثمارية قادرة على استقطاب رؤوس أموال نوعية، بما في ذلك الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا والصناعة المتقدمة. ويعكس التصميم المتعدد للحزم الاستثمارية – الذي يشمل قطاعات الصناعات المتقدمة، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا، والخدمات المالية – مدى شمولية الرؤية التنموية لجهاز قطر للاستثمار ودقة استهدافه للقطاعات الواعدة.
في هذا السياق، تركز حزمة الصناعات المتقدمة على جذب الاستثمارات في مجالات حيوية مثل الصناعات الدوائية والمواد الكيميائية والإلكترونيات، وهي قطاعات ذات قدرة عالية على خلق فرص عمل ونقل المعرفة، وتُعد ضرورية لأي اقتصاد حديث يسعى لبناء قاعدة صناعية مستقلة. أما حزمة اللوجستيات، فتسعى إلى تطوير قطاع النقل وسلاسل التوريد بما يعزز من موقع قطر كمركز إقليمي للتجارة والخدمات.
الحزمة التكنولوجية، وهي من أبرز محاور البرنامج، تواكب التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي، من خلال دعم مشاريع في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والأمن السيبراني. وهذا الدعم لا يعزز فحسب من تطور البيئة الرقمية المحلية، بل يخلق أيضًا اقتصادًا أكثر مرونة وقابلية للتوسع عالميًا.
ومن خلال "حزمة لوسيل للخدمات المالية"، يسعى الجهاز إلى تحويل حي لوسيل المالي إلى مركز إقليمي متطور للخدمات المصرفية والتأمين وإدارة الأصول، على غرار المراكز المالية في دبي والرياض. ويُعد هذا التوجه استجابة مباشرة للمتغيرات الاقتصادية في المنطقة، حيث تتجه دول الخليج بشكل متزايد إلى تنويع اقتصاداتها، كما هو الحال في السعودية التي أطلقت برامج طموحة مثل "رؤية 2030".
ويحظى جهاز قطر للاستثمار، الذي يدير أصولًا تتجاوز 450 مليار دولار، بقدرة تمويلية هائلة تخوّله لعب دور مركزي في تمويل خطط التنويع الاقتصادي داخليًا، فضلًا عن استثماراته الخارجية المنتشرة في أبرز الأسواق العالمية. ويمثّل هذا الدور المزدوج – المحلي والدولي – عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجية الاقتصادية القطرية، التي تسعى إلى حماية الاقتصاد من تقلبات أسعار الطاقة من جهة، وتحقيق عوائد مستدامة تدعم التنمية من جهة أخرى.
ويعتبر إطلاق البرنامج الجديد محطة من محطات عدة يتحرك من خلالها جهاز قطر للاستثمار لتعزيز قدرة الدولة على التحول إلى اقتصاد معرفي وابتكاري، قادر على المنافسة عالميًا. ومع توافر الإرادة السياسية والدعم المؤسسي، ومع وجود رأس مال سيادي كبير، تبدو قطر في موقع قوي يؤهلها لتحقيق قفزات تنموية نوعية في السنوات القادمة.