قنابل جينية موقوتة


ماذا يعني عندما نكتشف أن أجداد خامنئي وبن لادن وغولدا مائير كانوا يعيشون في أسرة واحدة قبل مئات السنين؟
الإنسان ليس حمضه النووي

تحول مقترح زميل بإجراء اختبار الحمض النووي (دي.أن.أي) في مواقع خدمات التحقق من الأنساب على شبكة الإنترنت، لمعرفة تداخل أصولنا، إلى مفاجأة تحمل من الغرابة القدر نفسه من الفضول. فنحن زملاء عمل من بلدان مختلفة ونلتقي في بلد لم يعش فيه أجدادنا، وماذا يعني لنا عندما نكسر الفكرة الأسرية عن أصولنا وهجرة أجدادنا أو استقرارهم؟

تساءل زميل ماذا يحصل عندما يكتشف أحدنا أنه من أصول وجدت في دول يكن لها العداء اليوم؟ بل ماذا يعني لنا أن يكون وطن أجدادنا غير الوطن الذي نذرف عليه الدمع كلما مستنا أغانيه الحزينة؟

هل يمكن حقا أن نتخلص من الشعور بالكراهية والتمييز وفقا للدين والجنس واللون بمجرد أن نكتشف أننا أحفاد من نرى فيهم عدوا لدودا لنا اليوم؟

اختبار الحمض النووي، يعني ببساطة أن الإنسان ليس حمضه النووي، لأن هناك التباسا أخلاقيّا في الموضوع قد يقود المرء إلى الشعور بالعار من أصوله أو بالتفاخر الزائف بنسبه، وكلا الأمرين مخاطرة أخلاقية تمس الجنس البشري بوصفه أعقل الأجناس.

مثل هذه النغمة الكئيبة طغت على دراسة علمية حذرت من خطر مس الأخلاقيات الطبية والمتاجرة بها لأغراض أنانية، مطالبة بسن قوانين حظر التمييز على أساس جيني. علينا ألا ننسى أن هناك نسبة من الناس ممن يحملون قنابل جينية موقوتة، فيها من الأمراض الخطرة ما يهدد أحفادهم وأجيالا لاحقة ستأتي من نسلهم.

لذلك تحذّر فاي فلام الكاتبة في بلومبرغ من خطر أن استخدام العلوم الجينية قد يؤدي بالشرطة إلى إلقاء القبض على الأبرياء.

بالأمس لعب الرئيس الأميركي دونالد ترامب “لعبة الحمض النووي” كأحدث طريقة يجربها في التنكيل بخصومه عندما شكك في الأصول الأميركية للسيناتور إليزابيث وارين، معتبرا اختبار الحمض النووي الذي كشفت عنه وارين بمثابة “خدعة وكذبة وعديم الجدوى”، مخمنا أنها قد تكون من أصول أميركية بواقع واحد إلى 1024، أي أقل بكثير من الأميركي العادي.

هذا يشير إلى خطورة اللعبة الجينية، فالإنسان يعاني ما يكفي من التفرقة والكراهية وليس بحاجة إلى فحوص الحمض النووي كي تزيد من هذه التفرقة، لندع المرء بشعوره كما هو ولا نفسد عليه هذا الإحساس، ولندع الأمر محصورا بالأخلاق الطبية ولا نسمح للرغبات الأنانية بالتطفل عليها.

مثل هذا الأمل لا يتفق بشأنه كل الزملاء، هناك رغبة عارمة عند بعضهم في إجراء الفحص واختبار الشعور بعدها، هل يبقى الإنسان كما هو عندما تعرض عليه نتائج المختبر أنه ليس سوى حفيد أقوام سكنت براري أفريقيا أو أن أجداده من يهود إسبانيا المهاجرين تحت وطأة الاضطهاد المسيحي.

ماذا يعني عندما نكتشف أن أجداد خامنئي وبن لادن وغولدا مائير كانوا يعيشون في أسرة واحدة قبل مئات السنين؟ كم تبدو لعبة اختبار الحمض النووي مثيرة للإغراء وليس كما يزعم ترامب عديمة الجدوى.