قنابل عنقودية لإقناع بوتين بهزيمته!

بات السؤال كيف التعامل مع الهزيمة الروسيّة ومع الإنعكاسات التي ستتركها على الإتحاد الروسي.

ليس القرار الأميركي القاضي بتزويد أوكرانيا قنابل عنقوديّة سوى دليل على الإصرار على هزيمة روسيا. قد يكون الهدف الحقيقي من القرار إقناع فلاديمير بوتين بهزيمته وأنّه صار عليه البحث عن مخرج. صحيح أن الهجوم المضاد الأوكراني الذي بدأ قبل أسابيع لم يحقق النتائج المرجوة، لكنّ الصحيح أيضا أنّ الجيش الأوكراني يحقّق انتصارات صغيرة بين حين وآخر ويبدو أنّه يسعى إلى تفادي خسائر كبيرة في صفوفه.

تواجه اميركا، استنادا إلى وليم بيرنز مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) مشكلة السقوط المتدرج لروسيا، أي ما يمكن تسميته التراجع الروسي. يقول بيرنز في ملاحظات له، في ندوة له في بريطانيا مطلع الشهر الجاري، أنّ هناك مشكلة يسببها سقوط دول مثل روسيا، مثلما هناك مشكلة في صعود دول مثل الصين. نشرت مقاطع من ملاحظات بيرنز في الندوة صحيفة "واشنطن بوست" في مقال طويل تناول فيه مدير وكالة الإستخبارات المركزيّة الأميركية ما يدور في العالم. كان لافتا خلو ملاحظاته من أي إشارة إلى الشرق الأوسط والخليج. لم يأت على ذكر ايران. اكتفى بالإشارة إلى التخلّص من ايمن الظواهري خليفة أسامة بن لادن على رأس تنظيم "القاعدة" الإرهابي.

هزمت إدارة جو بايدن روسيا قبل إرسال القنابل العنقوديّة. يعود ذلك إلى القرارات الخاطئة التي اتخذها فلاديمير بوتين الذي اصرّ على شن حرب على أوكرانيا من منطلق أنّها دولة مصطنعة وأنها منقسمة على نفسها. تبين أن بوتين لا يعرف شيئا عن أوكرانيا ولا عن طبيعة الأوكرانيين الذين قرروا القتال ببسالة طوال ما يزيد على خمسمئة يوم.

قبل أيام، تجاوز عمر الحرب الخمسمئة يوم. هل تقنع القنابل العنقودية الرئيس الروسي بأن عليه البحث عن تسوية ما بدل الإرتماء في الحضن الإيراني كي يتمكّن من متابعة الحرب. في النهاية، توجد قناعة في واشنطن، بأن الصين ستحصد ثمار الهزيمة الروسيّة في أوكرانيا. عاجلا أم اجلا، ستضع الصين يدها على الثروات الروسيّة. سيشكلّ ذلك تحديا من نوع مختلف لأميركا التي باتت ترى في الرئيس الصيني شي جينبينغ رجلا ذا طموحات كبيرة على المستوى العالمي!

كان الرئيس الروسي يتصوّر أن الحملة العسكريّة التي تستهدف أوكرانيا مجرّد نزهة، على غرار نزهته السوريّة... أو قبل ذلك نزهته في شبه جزيرة القرم التي استعادتها روسيا من أوكرانيا في العام 2014 من دون أي ردّ فعل جدي لا من اميركا ولا من أوروبا. مثله، مثل أي ديكتاتور آخر، لا يقبل فلاديمير بوتين أي انتقاد من أي نوع في بلد لا وجود فيه لمؤسسات ديموقراطية تراقب السلطة التنفيذية. لا دور للبرلمان الروسي ولا دور للصحافة. كلّ المطلوب هو التطبيل والتزمير للديكتاتور، تماما كما يحدث في سوريا حاليا أو كما كان يحدث في العراق حيث لم يوجد من يناقش صدّام حسين في أي موقف يتخذه، بما في ذلك قرار اجتياح الكويت، في مثل هذه الأيّام من العام 1990. مهّد قرار اجتياح الكويت للقضاء على النظام العراقي تمهيدا للقضاء على العراق نفسه على يد القوى السياسية العراقية وميليشياتها التابعة لإيران.

لم يقنع فلاديمير بوتين أحدا بالمبررات التي ساقها تمهيدا لإجتياح أوكرانيا. ردّ عليه "طباخه" يفغيني بيروجين بعد تمرّد مجموعة "فاغنر" بطريقة مباشرة. فنّد بيروجين كلّ مبرر من تلك التي أوردها الرئيس الروسي. اختصر قصّة الرئيس الروسي بأنّها قصة طموحات ذات طابع شخصي لا اكثر.

بغض النظر عن المكان الذي صار فيه بيغروجين حاليا وبغض النظر عن مصير مجموعة "فاغنر" التي اعترف فلاديمير بوتين بالتمويل الروسي لها، كشفت حرب أوكرانيا أنّ روسيا ليست سوى نمر من ورق. بين ما كشفته تلك الحرب هشاشة المجتمع الروسي من جهة وغياب أي رغبة في التعلّم من تجربة سقوط الإتحاد السوفياتي من جهة أخرى. لا بد أن يكون مريضا نفسيا كلّ شخص يعتقد أنه كانت هناك امجاد سوفياتية من الضروري استعاداتها.

انتهى الإتحاد السوفياتي إلى غير رجعة، قررت اميركا وأوروبا الردّ على بوتين في أوكرانيا. بات السؤال هل تقنع القذائف العنقودية الرئيس الروسي بأنه خسر الحرب وأن جيشه لن يتحمّل مثل هذا النوع من القذائف التي يمكن ان تلحق به خسائر ضخمة، خصوصا من جهة العديد.

ليس سرّا أن المجتمع الروسي يعاني من تناقص عدد السكان منذ سنوات طويلة. يعاني أيضا من أنّه صار مجتمعا عجوزا. الأكيد أن روسيا ليست البلد الوحيد الذي يعاني من هذه المشكلة التي بدأت تغزو أوروبا. لكنّ الفارق يكمن في أن لا وجود لدولة اوروبيّة ترغب في أيامنا هذه في خوض حرب خارج حدودها!

حسنا، لا يستطيع فلاديمير بوتين تحمّل أي اعتراض على سياسته، لكنه لا يجوز أن يوجد من يقول له أنّ اميركا تعرف تفاصيل التفاصيل عما يدور في روسيا. يؤكّد ذلك أن واشنطن حددت اليوم الذي سيشن فيه بوتين حربه على أوكرانيا. لم تأخذ واشنطن النفي الصادر عن موسكو للتوقعات الأميركيّة على محمل الجدّ. قالت أن الهجوم الروسي سيبدأ في 24 شباط – فبراير 2022. حصل الهجوم في ذلك اليوم بالذات. قبل ذلك، ذهب وليم بيرنز إلى موسكو في تشرين الثاني – نوفمبر 2021 وحذّر من مهاجمة أوكرانيا، لكنه لم يجد من يريد سماع ما يقوله وفهم معنى تحذيره.

في الواقع، كانت اميركا، مع حلفائها الأوروبيين، تعد الجيش الأوكراني لمواجهة الهجوم الروسي. امتلكت كل الوقت لإفشال الهجوم الروسي على كييف. بات المطروح حاليا انقاذ فلاديمير بوتين من نفسه. بات السؤال كيف التعامل مع الهزيمة الروسيّة ومع الإنعكاسات التي ستتركها على الإتحاد الروسي. حتّى في هزيمته، يبدو فلاديمير بوتين مشكلة تبدو اميركا حائرة في كيفية التعاطي معها... فهم الرئيس الروسي معنى القنابل العنقوديّة أم لم يفهمه!