قوة الصحافة لديهم

لن تفرط الصحافة بفرصة مثل قضية خاشقجي تعيد لها بريقها.

ما كانت الضجة الاعلامية لمقتل جمال خاشقجي أن تثور لو لا أنه كان يكتب في صحيفة واشنطن بوست، وقد تعهدت الصحيفة أن تتابع الموضوع حتى تجلب المسئول عن مقتله إلى العدالة، واستمرت بتأليب الرأي العام ضد السعودية حتى حولت مواقف الداخل الأميركي والدول الغربية إلى مواقف معادية للسعودية. وهذه ليست المرة الأولى التي تقلب الصحافة الموازين، فقبلها فضحت الرئيس نيكسون في قضية ووتر جيت وأطاحت به، ثم قام صحفي أميركي بنشر صور التعذيب في سجن أبو غريب في العراق، وفي ألمانيا، كتبت صحيفة عن قيام رئيس ألمانيا بأخذ قرض بشروط تفضيلية من أحد البنوك، وأجبرته على الاستقالة.

إن سر قوة الصحافة في الدول المتقدمة هو أن لديها القدرة على تجييش الناس مع أو ضد قضية معينة، وهي بالفعل سلطة رابعة بالإضافة إلى التشريعية والتنفيذية والقضائية. وعلى الرغم من أن نصف الناس لا يقرأون الصحافة ومنهمكون بأمورهم الدنيوية، إلا أن الفئة المثقفة وهي كبيرة جدا تتابع الأخبار وتنتبه إلى ما هو هام وما هو غير هام، وتضغط على ممثليهم في البرلمانات لكي يتابعوا الأمر ويتخذوا الإجراءات المطلوبة والتي تتسم بالحزم وإحداث تغيير معين يتناسب وحجم التجاوز الذي حدث.

إن انتساب خاشقجي إلى واحدة من أهم وأعرق الصحف أوقع السعودية في ورطة كبيرة، ولو أنه كان رجل أعمال لما تابع القضية أحد، أو لبقيت في إطار ضيق لا يرقى إلى مستوى الضجة العالمية التي أثيرت. وقد انتهز أردوغان هذه الفرصة لتفريغ سموم الإسلاميين ومحاولة تحقيق أكبر الفوائد من هذا الخطأ. إذ أن اردوغان يعرف أن واشنطن بوست لن تسكت حتى يتم محاسبة المسئول الأصلي عن القتل وجلبه للعدالة وهذا ما يعول عليه أردوغان. وسوف يمضي إلى أبعد حد ممكن، خاصة وأن أمول قطر والفائدة التي يجنيها منها تفوق أي عرض ممكن، فقد استقرت قواته في جزيرة العرب وأقام قاعدة في جزيرة سواكن، وهبت قطر لإنقاذ عملته عندما انهارت، فماذا يريد أكثر من ذلك؟ لا ريب أنه سيواصل الهجمة حتى جلب المسئول للقضاء الدولي وخلفه واشنطن بوست وأموال قطر.

لقد صرحت واشنطن بوست مرارا أنها لن تكن ولن تهدأ قبل جلب المسئول إلى المحاكمة، وسوف تدفع بالكونغرس إلى المطالبة بمحاسبة المسئول ولن يستطيع ترامب إسكاتها حتى لو استولى على كل أموال السعودية، لأن الصحيفة تدرك أنها حين تنجح في عملية كهذه فإنها تستفيد أضعاف أضعاف ما تحصل عليه الآن، لأن العمل الصحفي لديهم هو التركيز أولا وأخيرا على الرأي العام، وحين تنجح في ذلك، تصبح امبراطورية قائمة بحد ذاتها، وهي فرصة ثمينة ولن تضيعها.