كأن الفلسطينيين غول سيلتهم الأردن

رد على علاء الفزاع ومصطفى الشمايلة.

كانت حلقة أول من أمس 31 يناير 2020 المشتركة بين المعارضين علاء الفزاع والدكتور مصطفى الشمايلة تشبه التفجع وكأن الأردن ضاع وكأن الفلسطينيين غول سيلتهم الأردن، وكان سياق الحديث هو صفقة القرن. وكنت سابقا قد نشرت مقالا بعنوان "صفقة القرن وخيارات الفلسطينيين" ذكرت فيه السيناريوهين المحتملين في حالة القبول أو الرفض، وبعد أن قرأت تفاصيل الاتفاقية تبين أنها اتفاقية تجعل الفلسطينيين عبيدا لإسرائيل بالعفل وليس بالقول. ويمكن مطالعة تفاصيل الخطة في هذا الرابط.

يظهر من خطة ترامب أن القبول بخطة السلام سوف يقصي ايران عن المنطقة وهي التي تهدد دولا عربية عديدة وسوف ينهي القضية الفلسطينية ولا يبقى لايران حجة للتدخل في الشؤون العربية، وهذا شيء طيب والكل يتمناه ولكن لكن الخطة ستجعل إسرائيل مسيطرة تماما على كافة نشاطات الشعب الفلسطيني بل وسوف يكونون تحت مجهرها في كل شيء ولا يمكن لفلسطين التصرف بأي شيء دون أخذ الإذن المسبق من إسرائيل. كما أن العبارات التي تصب في صالح تطوير الدولة الفلسطينية غالبيتها مسبوقة بكلمة "ربما" أي أن هذه الأمور قد تحصل وقد لا تحصل أي أن الخطة تكسر رأس الفلسطينيين وتعطي كل شيء لاسرائيل كالأمن والتطبيع والنوم الهانئ.

كان هدفي من المقال السابق هو اتخاذ موقف من هذه الخطة يساعد على ابعاد ايران وتركيا، حتى يزول الخطر الذي التهم الأرواح ونشر الدمار والخراب في عدد من الدول العربية، ومن ثم فلكل مقام مقال.

نعود الى حلقة البث المشترك بين المعارضين الأردنيين، وعلى الأغلب أنهما لم يطلعا على تفاصيل الخطة، إذ لا يوجد فيها أي سطر يدل على ترحيل فلسطينيين الى الأردن بل على عكس فالخطة تسمح للفلسطينيين بالعودة الى دولة فلسطين إذا كانت تستوعب أعدادهم حسب بنيتها التحتية وهذا هو الجزء الخاص بهذا الأمر:

نص من صفقة القرن

كما يظهر جليا أنه ليس من المقرر جلب المزيد من الفلسطينيين الى الأردن بل أن الخطة ستتيح للفلسطينيين العودة الى الدولة الفلسطينية،  وقد أخطأ المعارضان بحق الفلسطينيين عندما حذرا تحذيرات محمومة من جعل الأردن وطنا يدلا للفلسطينيين، وهم يعرفون جيدا أن الفلسطينيين لا يقبلون بوطن بديل على الأطلاق وأنهم أصبحوا جزءا أساسيا من الأردن اجتماعيا واقتصاديا ولم يتحدثوا يوما عن شح نصيبهم من الوظائف العليا، أو إقصائهم عن دوائر صنع القرار، لأنهم يعرفون أن وطنهم سليب وكل هم يصغر بجانب هذا الهم، ولكنهم راضون بوشائج القربى والوئام بينهم وبين الشرق-أردنيين، ولم يعد هذا الموضوع يطرح، والناس يخجلون من طرحه لأن معظم الناس في الأردن لهم أخوال وأعمام فلسطينيون وأردنيون، فكيف يتحدثون عن أمر غير قابل للنقاش؟

لقد اتهم المعارضان الفلسطينيين بالتقاعس، فقد فرض عليهم التقاعس، وإنني لأجزم أنه لو يسمح للفلسطينيين الدخول لمقاومة الاحتلال لما تردد أي فلسطيني، أما فلسطينيو الداخل، فالذنب هو ذنب السلطة الفلسطينية التي تنسق أمنيا مع إسرائيل للسيطرة على أعمال المقاومة، والذنب الآخر هو ذنب حماس التي تتحالف مع ايران، لتجعل دول الخليج التي تهددها ايران تكرههم وتتخلى عن دعمهم. وهم محقون في ذلك، وأي دولة تتعرض لقصف ايران وتأليب مكونات الشعب على بعضهم البعض وتأجيج حروب طائفية، فلا عجب أن تكره كل من يتحالف معها وإذا كان المتحالف عربيا، فظلم الأهل أشد مضاضة على النفس، وكأن حماس لا تدرك أن التعاون مع عدو الأهل والأشقاء كاف لقتل أية مودة وأي توجه للدعم والمساندة. أضف الى ذلك أن ايران لا تجرؤ على مواجهة اسرائيل على الإطلاق بل هي تركب هذه الموجة بهدف الوصول الى أهدافها الحقيقية وهي السيطرة على دول الخليج.

أما أثرياء الفلسطينيين والمفكرين الفلسطينيين والشخصيات الفلسطينية المؤثرة، فربما يكونون مقصرين، ولا نعلم ما هي ظروفهم ولماذا لا يساهمون في قضيتهم ولماذا لا يقومون بتأسيس منظمات مدنية في الخارج تأخذ على عاتقها وضع خطة تسهم في دعم قضيتهم وتمكين الفلسطينيين من تطوير الذات، وكما اقترح الدكتور الشمايلة، تأسيس صندوق بعثات للطلاب الفلسطينيين للدراسة في أمريكا وأوروبا للعلم والتعرف على البلدان التي تصنع فيها القرارات المتعلقة بهم وبالبلاد العربية.

ليس عيبا أن يتعلم الفلسطينيون درسا من الصهاينة الذين جمعوا أنفسهم وهم في الشتات وكسبوا تأييد العالم وقاموا بتمويل الهجرة الى فلسطين وهم لا يمتون بصلة لها واستطاعوا فرض دولة دينية وهي الوحيدة في العالم التي تقوم على هذا الأساس، والعالم يصفق لها. وصحيح أن اليهود سيطروا على المال وقدموا للعالم اختراعات مذهلة، وحتى القنبلة النووية التي جعلت أمريكا تنتصر في الحرب العالمية الثانية هي من عبقرية آينشتاين اليهودي، لكن لماذا لا يقوم الفلسطينيون القادرون على اقتفاء أثر الصهاينة والعمل كما عملوا؟

إن من يحلم بتحرير فلسطين عليه أن يفهم أنه لا يمكن ذلك في ظل الظروف الراهنة والعالم ينهش الدول العربية من كل جانب، والعرب يستقوون على بعضهم البعض بالخارج وغير متفقين على فكر أو رؤية أو حتى مجرد التعايش السلمي فيما بينهم.