كاتبة عُمانية ترى أن الكاتب لا يغدو كاتبًا حتى يكتب رواية

ليلى عبدالله: أردت أن أجعل العالم يلتفت قليلاً لأكثر أطفال العالم تعرضًا للظلم والوحشية والخراب الروحي والفقر والمجاعة والدمار. 
ليلى عبدالله لا ترى مانعا في أن تكتب المرأة عن معاناتها كأنثى في مجتمع يسلب منها أبسط حقوقها
أنا مغرمة بشخصية بطلة الكاتبة الإيرانية آذر نفسي في روايتها أن تقرأ لوليتا في طهران

لا تخلو عملية الكتابة من القلق والهواجس الداهمية، وقد يكون الأمر مع كتابة الرواية أكثر مدعاة للتوتر، بما أنَّه عالم لا يمكن اقتحامه دون وعي مسبق بأدواته وخصوصياته، كما تتطلبُ الدراية في صنعة هذا الفن تراكماً معرفياً بتطور صيغه وأشكاله، لذا يحتاج الروائي إلى امتلاك الحس النقدي لحيثيات الحرفة وتفاصيلها الدقيقة، هذا فإنَّ التجربة الذاتية تتحول إلى منجم ينهلُ منه الروائي مادته حيثُ يمررُ كل ذلك من خلال مراوغة النص ومكر السرد. 
وحول تجربة الكتابة والدوافع وراء اختيار الرواية ومستوى حضور الذات الكاتبة في حيثيات النص كان لنا حوار مع الكاتبة والروائية العُمانية التي وصلت أخيرا روايتها المعنونة بـ "دفاتر فارهو" للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد.
عن علاقتها بفن الرواية قبل الشروع بكتابة نصها الأول أشارت عبدالله إلى انهماكها على قراءة الرواية وكانت قارئة شرسة على حد قولها: ظللت لأعوام ألتهم صفحات الروايات المترجمة منها والعربية. وما أكثر الروايات التي كنت أرغب لو أني كنت كاتبتها! وفي سياق حديثها ذكرت ليلى عبدالله تجربتها مع كتابة القصة لافتةً إلى موضوع التأثر بمناذج معينة.
أحببت أن أكتب عملاً أتفاعل معه شخصيًّا. لا أدري إن كنت تأثرت بعمل ما. لكني قطعت شوطًا طويلاً في الكتابة قبل أن أقبل على عملي الروائي الأول. كتبت في القصة القصيرة بأنواعها وأدب الرسائل والمقالات والمراجعات القرائية ونقد أدب الطفل.

هناك مجتمعات تنهي حياة نسائها بمجرد أن تحيض، يقومون بتزويجها لأي رجل كان، خوفا من هدرها لعذريتها، في مجتمع لا يرى المرأة سوى جسد

آمنت بأني سأكتب الرواية في وقتها، لا لمجرد أنها كتابة مشاعة ولا لأننا في زمن الرواية حيث أصبح الجميع فيه كتابًا للرواية، بل كنت أنتظر اللحظة التي تكتب فيها الرواية نفسها كما كان رولان بارت يقول. 
لقد هجم علي اندفاع غريب لكتابة حكاية الطفل فارهو. لقد سمعت صوته وهو يرجو مني أن أكتب حكايته. وهكذا بدأت الرواية من صوت مجهول. محرض. غريب ومندفع أيضا. 
وفيما يتعلق بمدى حضور الذات المبدعة في النص الأول قدمت رأيها موضحةً أن أجواء الرواية لا تمت لي بصلة. لقد غامرت في الكتابة عن أمر مجهول بالنسبة لي. عن أطفال من مجتمعات مختلفة عنا في اللغة والدين أيضا.
لكني لا أنكر أن عملي السابق كمعلمة لأطفال من جنسيات مختلفة جعلني ملمة بأجواء هذه الجاليات. كنت شخصيًّا أميل لقراءة روايات أبطالها أطفال صغار. في عوالمهم ما يثير شغفي؛ لذا الهاجس نفسه قادني للكتابة عن طفل أفريقي، كوني أحب الأجواء الأفريقية أيضا. وأردت في الوقت نفسه أن أجعل العالم يلتفت قليلاً لأكثر أطفال العالم تعرضًا للظلم والوحشية والخراب الروحي والفقر والمجاعة والدمار. 

Omani novel
أميل لقراءة روايات أبطالها أطفال صغار

وعندما سألناها عن السر وراء تصاعد الإصدارات الروائية وتحقيق فن الرواية لمستوى عالٍ من المقروئية هل الأمر يتعلق بما يوفره هذا الفن من الحرية أجابت محدثتي قائلةً: لكل ما ذكرت. لكن هناك حقيقة بأن الكاتب لا يغدو كاتبًا حتى يكتب رواية. صارت للرواية سطوة وسلطة. والجوائز التي تخصص للرواية عالميًّا كانت سببًا من أسباب خوض كثير من الكتاب مغامرة كتابة روايات حتى الشعراء تركوا الشعر واتجهوا لكتابة رواية ليحققوا جماهيرية واسعة.
وعن رأيها في دور الورشات الخاصة بكتابة الرواية رأت صاحبة "دفاتر فارهو" في هذه المبادرات أمراً ممتعاً وأضافت: لا أستطيع أن أبدي رأيي في مسألة لم أخضها شخصيا. لكن أراه أمرًا ممتعًا؛ أن نجلس مع أشخاص يتحدثون عن الرواية وكتابتها. أنا مغرمة بشخصية بطلة الكاتبة الإيرانية آذر نفسي في روايتها أن تقرأ لوليتا في طهران، فالبطلة أستاذة جامعية تضطر لصعوبات الحياة في الجمهورية الإسلامية أن تقيم في بيتها اجتماعًا سريًّا أسبوعيًّا مع لفيف من طالباتها الأكفاء؛ ليتحدثوا عن السرد الروائي لاسيما تلك الممنوعة من قبل السلطة الدينية في طهران .
لا ترى ليلى عبدالله مانعا في انعكاس الهموم والمعاناة الذاتية داخل أجواء الروايات التي تكتبها المرأةُ بل هي تشجعُ هذا الإتجاه أكثر مُضيفةً: وما المانع في أن تكتب المرأة عن معاناتها كأنثى في مجتمع يسلب منها أبسط حقوقها؟! هناك مجتمعات تنهي حياة نسائها بمجرد أن تحيض، يقومون بتزويجها لأي رجل كان، خوفا من هدرها لعذريتها، في مجتمع لا يرى المرأة سوى جسد! فلتكتب المرأة الكاتبة عن همومها الذاتية وعن قضاياها؛ ففي هذا انطلاق حقيقي للكتابة عن العالم. والخروج عن ذاتيتها بعد أن تكون قد بلغت مرحلة التشبع وصارت قادرة على التعبير عن الآخرين. عن المختلف عنها وستشعر بحجم معاناتهم. فهي امرأة خاضت معاناتها الشخصية أيضا وتغلبت عليها بدورها عن طريق الكتابة.