كردستان و"قيصر" سوريا

معبر كردي - كردي هو حل مناسب لتخفيف العبء المفروض على السوريين بسبب قانون قيصر.
واشنطن ستعمل على غلق المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا واختزالها في معبر تحت سيطرة كردية
المنفذ الكردستاني الكردستاني سيعمق ازمة النظام السوري لكنه في المقبال سيمثل له رئة للتنفس
الاكراد سيستغلون المنفذ للوصول الى الموانئ السورية في البحر المتوسط
تركيا لن تعترض على الخطوة باعتباره قرارا سوريا داخليا بموافقة أميركية

طالما شكل عدم امتلاك اقليم كردستان منفذا له على البحر عقبة اثرت على تطلعات شعبه في الحرية والازدهار، وعرضه لضغوطات اقتصادية وعسكرية وسياسية من دول الجوار، وكذلك بالنسبة للادارة الذاتية في كردستان سوريا فرغم محاولتها التغلب على هذه العقبة والوصول الى البحر شرقا، الا ان التوغل التركي في عمق الاراضي الكردستانية شمال سوريا قطع الطريق امام تلك المحاولة وابقاها تحت نفس الضغوطات التي يتعرض لها اقليم كردستان من الجوار. اذا كيف سيتمكن الكرد من تحقيق هدفهم في الوصول الى سواحل البحر المتوسط والتخلص من لعنة التاريخ والجغرافيا، وهل ان التطورات الاخيرة وعزم اميركا فرض عقوبات على سوريا يمكن اعتباره بداية الوصول الى ذلك الهدف؟

لا شك ان اميركا تشعر بالقلق ازاء وجود منافذ برية عديدة لايران مع العراق شرقا، يقابلها منافذ حدودية اخرى بين العراق وسوريا، ما يسهل التواصل بين ايران وسوريا ولبنان فيما يسمى بـ "محور المقاومة" ويحد الى حد كبير تأثير العقوبات الاميركية على ايران. لذلك فان غلق المنافذ الحدودية بين العراق وسوريا واختزالها كلها بمنفذ واحد وهو المنفذ الحدودي بين اقليم كردستان من الجهة العراقية ومناطق الادارة الذاتية في سوريا سيكون خيارا مناسبا للتوجهات الاميركية، تضع حركة البضاعة والافراد في الدولتين تحت الفلتر الكردستاني وبالتالي الفلتر الاميركي. وبذلك فان ربط الطريق التجاري بين ايران وسوريا من خلال اقليم كردستان وكردستان سوريا (روزئافا) سيحقق الاهداف الاميركية من العقوبات بشكل اكثر كفاءة.

ولكن ما هي اهمية هذا المنفذ فيما يخص العقوبات على سوريا؟

ان كان هذا الخيار صعبا في المراحل السابقة، فان مرحلة ما بعد تطبيق العقوبات الاميركية على سوريا او ما يعرف بقانون قيصر سيجعل من الامر اكثر سهولة، حيث ان العقوبات ستكون مؤثرة على الاقتصاد السوري المتهالك نتيجة سنوات الحرب التسعة. وتركز المحاولات الدولية الان على ايجاد طرق تخفف وطأة تلك العقوبات على المواطن السوري من جهة، وتستثني المناطق السورية خارج سيطرة النظام السوري منها من جهة اخرى. بناءا على ذلك فلا بد من ايجاد طريقة لتحقيق المهمتين، وفي نفس الوقت عدم اعطاء النظام السوري المجال للانفلات من العقوبات. وهنا يبرز اهمية المنفذ الكردستاني – الكردستاني، فهو من جانب سيضمن فعالية العقوبات الاقتصادية على سوريا وفي نفس الوقت سيخفف من عبء هذا الحصار على كاهل المواطن السوري، ويستثني المناطق غير الخاضعة للنظام من تأثيرات هذا الحصار.

لكن بالمقابل ماذا سيجني اقليم كردستان ومناطق الادارة الذاتية الكردية سياسيا من ضمان اميركا تطبيق عقوباتها على الدولتين بشكل محكم من خلال هذا المنفذ؟

عندما فرضت اميركا العقوبات الاقتصادية على ايران اقرت استثناءات عديدة لدول وشركات استمرت بالتعامل مع ايران، ومن ضمنها استثناء تصدير ايران الطاقة الكهربائية الى العراق والذي لا يزال مستمرا لغاية اليوم، لذلك يمكن استثناء بعض المنتوجات السورية من العقوبات عبر هذا المنفذ بالذات، وجعله الرئة التي ستتنفس من خلالها سوريا، مقابل اعطاء سوريا موافقتها على ان يمتد هذا الخط التجاري عبر اراضيه ليصل الى الموانئ السورية المطلة على البحر المتوسط.

رب سائل يسأل ماذا ستكون مواقف الفرقاء سواء سوريا او تركيا او حتى روسيا من هذه الخطوة؟

اما بالنسبة لسوريا فهي لا تملك سوى الموافقة على هذه الخطوة استنادا لمبدا انقاذ ما يمكن انقاذه من الاقتصاد السوري، اضافة الى ان شعرة معاوية لا زالت قائمة بينها وبين الطرفين الكرديين في العراق وسوريا. اضافة الى ان وجود هكذا خط تجاري لن يكون بمثابة تهديد للامن الوطني السوري طالما ان مناطق الادارة الذاتية قائمة بكل الاحوال نتيجة توازنات دولية واقليمية تفوق قوة القرار السوري الرافض لوجودها، كذلك فان بدء تطبيق العقوبات الاقتصادية على سوريا يعني سلفا فشل محاولات الحليف الروسي لايقافها، وعليه فان الرفض السوري لهذه الفكرة امر مستبعد.

اما الموقف التركي من هذا الخط فان وجود القوات الاميركية والروسية في مناطق الادارة الذاتية الكردية كان باتفاقات مع الجانب التركي، وقد شرعنت تلك الاتفاقيات بشكل او باخر وجود تلك الادارة، وهو ما سيحول دون اي تهديد تركي اخر للتوغل اكثر، اضف الى ذلك ان هذا الطريق سيمر في المناطق الكردية التي اتفقت تركيا مع الجانبين الروسي والاميركي عليها، ثم يعبر الى الاراضي السورية جنوب تلك المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والمليشيات الموالية لها، لذلك فمن الصعب على تركيا الاعتراض على هكذا قرار باعتباره قرارا سوريا داخليا.

اما الموقف الروسي وكما قلنا، فان العقوبات اذا ما طبقت فانها تعني فشل روسيا في منعها، لذلك فوجود منفذ لمساعدة الاقتصاد السوري سيكون امرا مقبولا للطرف الروسي خاصة وانها لا ترى في الكرد اعداءا لها بل وتحاول مد جسور العلاقات معهم.

ان تحسن العلاقات بين طرفي كردستان (في العراق وسوريا) في الفترة الاخيرة، وتوصل الطرفين الى تفاهمات مشتركة بينهما يعتبر فرصة جيدة لبلورة هذه الفكرة وطرحها على الاطراف الدولية المعنية، واذا ما تحقق هذا الهدف فهو كفيل بنقل الوضع الكردي الى افق ارحب واكثر ازدهارا، شرط وجود ارادة كردية حقيقية في الجانبين لتغير الواقع الكردي في المنطقة بشكل جذري.