كردستان ومعادلات المحاصصة والتوافق والاستحقاق العراقية

لا يكتفي الشيعة بالسيطرة على مقدرات الحكومة من مال وسلطة، بل يريدون ان يفرضوا ماذا يريد الأكراد والسنة من أنفسهم.

ما رأيكم ان نعيش لحظات من الفانتازيا السياسية ونتخيل فوز حزب او كتلة غير شيعية في انتخابات عراقية مفترضة مستقبلا... ترى كيف سيكون موقف الاحزاب الشيعية انذاك؟ هل ستترك منصب رئاسة الوزراء لتلك الكتلة او الحزب الفائز ام انها ستعمل وفق مبدأ "ما ننطيها"؟

مع ان هذا الافتراض هو ضرب من المستحيل لاسباب عديدة منها تركيبة الاحزاب العراقية الشيعية، والاصطفافات الحزبية والمكوناتية الموجودة في العراق، وتأثير المال السياسي، والتدخلات الاقليمية والدولية، والتي تمنع فوز اي حزب او كتلة خارج السرب الشيعي العراقي، الا ان الجواب على هذا السؤال يكشف لنا كم ابتعدت العملية السياسية في العراق عن الديمقراطية التي كنا نحلم بها عقب سقوط نظام صدام حسين.

لقد اظهر تكليف السيد مصطفى الكاظمي بتشكيل الكابينة الحكومية القادمة مدى تشبث القوائم الشيعية بحقهم في ان يبقى هذا المنصب من حصتهم. فرغم ان تكليف الكاظمي جاء من قبل السيد رئيس الجمهورية، ورغم الحملة الشعواء التي شنتها بعض الاطراف الشيعية على شخص الكاظمي قبل تكليفه باقل من شهرين، الا انهم وبعد اعلان التكليف سارعوا لحضور مراسيم التكليف الرسمية وابداء موافقتهم على هذا التكليف في ظاهرة كانت لها الكثير من الدلالات.

لا يمكن ادراج ما يحصل حاليا في العراق ضمن اي من التعريفات الموجودة في القواميس السياسية، فلا هو استحقاق انتخابي ولا توافق سياسي ولا حتى محاصصة، بل هو مزيج من هذا وذاك، تبعا لما تملي عليه مصلحة الاخ الاكبر (المكون الشيعي)، فهذا الاخ يمارس المحاصصة الطائفية بتكتلها ضمن ائتلافات تضم الاحزاب الشيعية لتشكل بعد ذلك الاغلبية (السياسية او المكوناتية) التي تحدد المرشح لرئاسة الوزراء كونه استحقاق انتخابي كما يبررون ذلك، وان كان هذا الاستحقاق الانتخابي نابع في اساسه من محاصصة طائفية كما وضحنا سلفا. اما مبدأ التوافق فتمارسه الاحزاب الشيعية فقط ضمن مكونها في البيت الشيعي، بينما تتناساه تجاه المكونات الاخرى، مع انه مبدأ جرى التفاهم عليه في بداية العملية السياسية للمكونات الثلاث حفاظا على مصالح الجميع.

لم تكتف الاحزاب الشيعية بالمزج بين هذه المبادئ بهذه التوليفة الغريبة فحسب، بل استغلت المحاصصة الطائفية والاستحقاق الانتخابي للتدخل في شؤون المكونين الاخرين الكردي والسني وحقوقهم، بحرمانهم من نفس الحق الذي سمحت بها لنفسها، والافتاء بشان مرشحي المكونين لاي كابينة حكومية وفرض رؤيتها عليهما، وبذلك فهي ترسخ الدكتاتورية الجمعية بابهى صورها.

كنا قد اشرنا في السنوات الماضية الى ان اس المشكلة السياسية العراقية هو وجود تكتل سياسي تحت مسمى الائتلاف الوطني العراقي يضم كل القوى الشيعية العراقية بمختلف توجهاتها، وقد اختفى هذا التكتل السياسي في الانتخابات السابقة ليحل محله ائتلافات شيعية جديدة لا يجمعها اي رؤى او برامج سياسية سوى انتمائها المذهبي، تتشارك في تحالفات تكتيكية انية ما تلبث ان تتغير وفق المعطيات المصلحية لهذا الحزب او ذاك.

وسواء ما يتعلق بالائتلاف الوطني او الائتلافات الشيعية المتعددة، فقد حافظت هذه الاحزاب على حقها بان يكون مرشح رئاسة الوزراء من خلالهم ومن حصتهم، باعتبارهم يمثلون الاغلبية السكانية في العراق، معتمدين في ذلك على احصائيات قديمة للمؤسسات العراقية اضافة الى قوائم الناخبين، والمطلع على الوضع العراقي يعرف تماما الشكوك التي تعتري مثل تلك الارقام، فكان شانهم في ذلك شان جحا حينما قال "ان مركز الارض يقع تحت حافر بغلتي ومن لا يصدق ذلك عليه قياس اقطار الارض."

مشكلة دكتاتورية الطائفة الموجودة حاليا في العراق انها تتحرك وفق مصالح ضيقة بعيدة عن المصلحة الجمعية العراقية، تصول وتجول كخيل هائج دونما اكتراث بالمخاطر التي قد يسببها هذا الجموح، ودون ان تأبه بالمخاوف التي تعتري المكونات الباقية والتهديدات الوجودية التي تستشعر بها.

استنادا الى ما سبق، ولتقليل المخاطر التي تواجه العراق جراء تصرفات المكون السياسي الشيعي تجاه بقية المكونات، ووفق مبدأ "انصر اخاك ظالما بانه تكفه عن الظلم"، فان بقية العراقيين مدعوون الان للتحرك وفق النقاط التالية ادناه:

-الاصرار على عدم اجراء اي انتخابات عراقية قادمة الا بعد اجراء تعداد عام للسكان تشرف عليه المنظمات الدولية والمجتمع المدني لمعرفة النسب السكانية الحقيقية للمكونات العراقية.

-مشاركة الكيانات السياسية في الانتخابات يجب ان تكون على شكل احزاب منفردة، ومنع الدخول الى الانتخابات على شكل تكتلات طائفية وقومية، لتظهر قوة كل حزب ومدى التأييد الشعبي الذي يتمتع به. ويقوم الحزب الفائز بعد ظهور النتائج بالائتلاف مع احزاب فائزة من المكونات الاخرى لتشكيل الحكومة. ففي الانتخابات الماضية مثلا كان الحزب الديمقراطي الكردستاني هو الحزب الفائز بأكبر عدد من الاصوات على مستوى العراق، لكن وبما انه قد حسم امر منصب رئاسة الوزراء توافقيا للمكون الشيعي وشكلت تكتلات برلمانية دون اية ضوابط قانونية،جرى ابتداع تشكيل الكتلة الاكبر، وتكتلت الاحزاب الشيعية ضمن تجمعات شرعنت من خلالها لنفسها تشكيل الحكومة. والا فان الديمقراطي الكردستاني كان مؤهلا ديمقراطيا وانتخابيا لتشكيل الحكومة بالائتلاف مع حزبين فائزين في المكونين الاخرين.

- في حال عدم التمكن من تنفيذ النقطتين اعلاه فيجري العمل على انهاء احتكار المكون الاكبر (الشيعي في هذه الحالة) لمنصب رئاسة الوزراء والاستيلاء على ثلثي وزارات الحكومة، فالاغليية الانتخابية يجب ان تكون بعدد المقاعد البرلمانية فقط دون ان تتعداها الى وزارات الكابينات الحكومية، فكيف يمكن مثلا ان يقبل المكون الكردي بان يحصل المكون الشيعي (اضافة الى اغلبيتهم البرلمانية) على احد عشر وزارة، والمكون السني على ستة وزارات، بينما يحصل الكرد على ثلاث وزارات فقط. عليه يجب ان توزع المقاعد الوزارية بين المكونات الرئيسة الثلاث بالتساوي وليس على عدد المقاعد البرلمانية كما يحصل حاليا، الى حين اجراء انتخابات نزيهة والتاكد من حقيقة العدد السكاني لكل مكون.

-العمل على ان يكون لاقليم كردستان استحقاق سياسي في الحكومات العراقية بغض النضر عن نتائج اي انتخابات، كونه اقليما قائما بشكل رسمي، فمن يتواجد من الكردستانيين سواء في الحكومة العراقية او في برلمان بغداد، يمثلون حكومة اقليم كردستان ككيان رسمي قائم وينظمون العلاقة بين الجهتين الرسميتين في العراق وكردستان سواء العلاقات الاقتصادية او السياسية، ويعملون للشعب العراقي بشكل عام في حكومة تمثل كل العراق، اما من يمثل مصالح شعب كردستان كشعب فهم ممثلوهم في برلمان كردستان وحكومة الاقليم في اربيل، والشعب الكردستاني لديه مصالح في بغداد تحاول حكومة اقليم كردستان وبرلمانه المحافظة عليها، وعليه يجب البحث عن صيغة جديدة للتواجد الكردستاني في حكومة وبرلمان بغداد بعيدا عن نتائج الانتخابات العراقية العامة.

فالعلاقة المباشرة بين كردستان والعراق ووجودها ضمن التأثيرات الانتخابية العراقية هي من دعت بعض الحكومات العراقية للتفكير في التعامل المباشر مع شعب كردستان كما حصل عندما فكر البعض في حكومة بغداد في فترة سابقة بإرسال رواتب موظفي كردستان بشكل مباشر، وحينما تم توريط فلاحي كردستان بشكل مباشر في مستحقاتهم المالية عند الحكومة الفدرالية والكثير من الاحداث الاخرى التي شهدناها بعد 2003.