كعك العيد عرفه قدماء المصريين واتخذه الفاطميون بهجة وأتقنه المماليك والعثمانيون

عيد الفطر وفقا للباحث مصطفى عبدالرحمن في كتابه 'فنون رمضان' لم يظفر بمكان يتسع لصوره في الشعر العربي.

احتفل المسلمون بأول عيد للفطر في السنة الثانية بعد فرض صيام شهر رمضان، وكان العيد في صدر الإسلام يوم تنافس في الخير وتفاضل بالتقوى وتعاون على البر وتواصل بين القلوب بالمؤاخاة، لكن عيد الفطر وفقا للباحث مصطفى عبدالرحمن في كتابه "فنون رمضان" لم يظفر بمكان يتسع لصور العيد في الشعر العربي وندر أن تجد قصيدا بني من أوله إلى آخره في العيد.

ويرى أنه "ربما كانت على ذلك في الرجوع إلى الأوضاع التي جرى عليها منهج القصيد العربي، فقد كان الناس إذا أقبل العيد يتسامعون أن أبواب الخلفاء والأمراء قد فتحت للشعراء فيذهبون إلى تهنئة الخليفة أو الأمير بالعيد ويملؤون القصيد بالتمدح بمناسبة العيد، فالعيد هنا مناسبة قيل فيها المدح وليس موضوعا للقصيدة العربية".

ويلفت إلى نماذج مما قيل في التهنئة للعيد.. فيذكر لابن الرومي قوله في التهنئة للعيد:

قد مضى الصوم صاحبا محمودا

وأتى الفطر صاخبا مودودا

ذهب الصوم وهو يحكيك نسكا

وأتى العيد وهو يحكيك جودا

وقوله:

رأى العيد وجهك عيدا له

وإن كنت زدت عليه جمالا

وكبر حين رآك الهلال

كفرحك حين رأيت الهلالا

رأى منك ما منه أبصرته

هلالا أضاء ووجها تلالا

ثم ينطلق بعد ذلك الشاعر إلى الممدوح قاطعا كل صلة بينه وبين العيد، وفيما قال الصابي تقريرا للمعنى الذي نقرره وهو أن العيد كان مناسبة يقال فيها المدح وليس موضوعا للشعر من حيث هو عيد له مظاهره.. قال أبواسحق:

يا سيدا أضحى الزمان بأنسه منه ربيعا

أيام دهرك لم تزل للناس أعيادا جميعا

حتى لأوشك بينها عيد الحقيقة أن يضيعا

ويضيف "نحن لم نستمع إلى المعاني التي تصور المشاعر الحقيقية للعيد إلا في الأدب الحديث، حيث لم يعد للشعراء وقفة بباب الخليفة ولا هم ينشدون المديح في حضرة السلطان. يقول الشاعر صالح شرنوبي في قصيدته "يا عيد":

أشرق على وجه الليالي كوكبا

ضافي الجلال معطر الأضواء

وأفض على جدب الحياة.. صبابة

من كأسك الروحية الصهباء

يا عيد يا أمل السماء إذا دجت

بالحادثات مواسم الغبراء

يا واهب النعماء كم من أكبد

في الأرض ظامئة إلى النعماء

قل للآلي ذهب الغنى بعقولهم

فنسوا ضحايا الدهر والأزراء

لا تجعلوا يومي على علاته

حربا على الأيتام والفقراء

يا عيد يا ضيف الزمان أسامع

أم لست تسمع دعوتي وندائي

مازال قومي يحسبونك مثلهم

غرا.. تهيم بزخرف وطلاء.

وقال مصطفى عبدالرحمن:

ذاك يوم البر أبشر يا فقير

واحمد الله على آلاله

إنما يومك من صفو ونور

الأماني البيض من أندائه

طهروا أموالكم بالصدقات

ليس للأموال طهر كالزكاة

أسعدوا الحائر في دنيا الحياة

وامسحوا بالبر والجود أساه

يا رعي الرحمن للبر يدا

كفكفت دمع اليتامى البائسين

وجرت أمنا وسعدا وندا

وحنانا سابغا للحائرين

وقال الأديب العالم د.أحمد زكي:

الشمس تطلع علينا وتغيب فتصنع الأيام سوادا وبياضا.. والقمر يمتلئ ليفرغ... ويفرغ ليمتلئ فيصنع لنا الشهور.. والأرض تدور في مدارها الكبير حول الشمس فتصنع لنا الأعوام كل هذا صنعتها الطبيعة.. وجاء الإنسان فصنع الأسبوع.. وكلها أشياء تبدأ لتنتهي.. وتنتهي لتبدأ، ففي حكم الزمان أنه لا يذهب منه ذاهب إلا ليعود.. والحياة نفسها ووعاؤها الزمان، هي كالزمان تأتي لتذهب وتذهب لتعود ففي كل ظاهرة من ظواهر هذه الطبيعة الحية عيد.. والعيد ما سمي عيدا إلا لأنه يعود. والعيد احتفال وهو احتفال بالزمان، وقد أطلق الله فينا الزمان ينبتنا ويحيينا فإذا اكتملنا كما يكتمل القمر البدر، راح الزمان على عادته يتحيف أطرافنا كما يتحيف أطراف البذور، فإذا هي آخر الأمر عراجين ونحن نحتفل عند انباتها ونحتفل عندما يصوح النبات ثم نعود فنحتفل بنبات جديد. واليوم يولد فنحتفل به صلاة صباح، واليوم يموت فنحتفل به صلاة مساء. والأسبوع نحتفل به انتهاء أو لعله ابتداء بصلاة جمعة والأشهر نجعل منها الحرام وغير الحرام ونحتفل بها صياما ونحتفل قيادما، وجعلنا في هذا الطريق الدائر بنا ونحن به دائرون جعلنا به عرصات ننيخ بها لنستريح ونريح ولنغتسل من عناء الطريق. فهذه وقفة من بعد صوم لإفطار وهذه وقفة بالناس ومع الناس على جبل لحج وهذه وهذه وكلها أشياء تعود فهي أعياد. إن الذي لا يفطن إلى معنى الدورة في الأعياد وأنها دورة الزمان يفقد من الأعياد أصدق معانيها.

وحول عادات العيد يلفت عبدالرحمن "من عادات العيد أنك لا تدخل منزلا لتهنئة أهله بيوم العيد إلا وقدموا لك أطباق الكعك. وترجع روايات صناعة الكعك إلى عهد قدماء المصريين كانوا يضعونه في قبور موتاهم اعتقادا منهم بالحياة الأخرى وأحسنوا به على الفقراء كما قيل إنهم كانوا ينقشون عليه صورة الشمس التي كانوا يعبدونها. وهكذا توارثت الناس صناعة الكعك وأخذوا يتفننون فيها ويجيدونها على مر الأيام. ويؤثر عن أبي بكر بن محمد بن علي الماداراني وزير الدولة الأخشيدية أنه صنع كعكا حشاه بالدنانير الذهبية أطلقوا عليه وقتئذ "افن له". وقد دخل الكعك في عهد الفاطميين ضمن مباهج العيد ومستلزماته وقد تعهد المماليك والعثمانيون بعدهم صناعة الكعك بالإتقان".

ويضيف "أصبحت صناعة الكعك عادة تتوارثها الأجيال وكثيرا ما قامت من أجل الكعك المنازعات والمعارك في البيوت حتى أنها كانت تتطور في كثير من الأحيان إلى الطلاق. وكم من السيدات باعت حليها الذهبية من أجل الكعك حتى لا يعايرهن الجيران. وكعك العيد مادة دسمة ألهمت الشعراء بما اشتهر على الألسنة في المحافل الأدبية خاصة أنهم مزجوا أقوالهم بالفكاهة، فالشعر قديمه وحديثه لم يخل من حديث الكعك. قال البوصيري في قصيدة رفعها إلى الوزير بهاء الدين شكا فيها حاله قال:

إليك يا سيدي حالنا أننا

عائلة في غاية الكثرة

صاموا مع الناس ولكنهم

كانوا لمن يبصرهم عبره

وأقبل العيد وما عندهم

قمح ولا خبز ولا فطره

ترحمهم أن أبصروا كعكة

في يد طفل أو رأوا تمره.

ولشاعرنا علي الجندي حوار طريف حول كعك العيد بين شاعر رقيق الحال وزوجته التي تصر على صنع الكعك مستنجدة بكلامها المعسول ودموع التماسيح حتى لها الانتصار كما عودتنا حواء.. قال:

قالت العيد قد أطل وللعيد جمال وبهجة وجلال

وتكاليفه ثقال ولكن أنت قطب لمثلها جمال

كل عيد عليك بالسعد والغبط يوفى ويقبل الإقبال

***

قلت عاشت أم العيال ونالت كل ما تبغي وعاش العيال

وحمى الله بيتها ورعى زوجها من الرزق حظه الإقلال

شاعر كنزه الخيال وهل يجدي على المرء في الحياة الخيال

وهو لو كان ذا ثراء لسارت بنداه في العالم الأمثال

ولكانت "صاجاتنا" من لجين فوقها الكعك وهو "خاء" و"دال"

وهنا استضحكت وقال سؤال:

لي تجلد ولا يرعاك السؤال

أترانا في العيد نغفل صنع الـ

كعك يا للهوان هذا محال

أنه للبيون مظهر إثراء

وللعيد زينة وجمال

وهو مسك الختام يرجو به الصوم

ثوابا وتقبل الأعمال

وبه نعتلي ونسمو ونختال

دلالا وحبذا الاختيال

ونباهي به الأقارب والجيران

أن هم علينا استطالوا

كل "صاج" في النفس يعمل مالا

تفعل البابلية الجريال

ليت شعري ماذا يقولون عنا

ولهم ألسن حداد طوال

أيقولون أننا حاشا لله

شقينا ساءت الأحوال

وعدمنا الدقيق والسمن والسكر

هاتيك عثرة لا تقال.